الإدمان والإرهاب - بقلم البير نجيم

  • شارك هذا الخبر
Sunday, June 28, 2020

ع.م. في الامن العام، حقوقي، باحث امني - سياسي
موضوع محاضرة القيت خلال ندوة لمناسبة اليوم العالمي للمخدرات

نظرة عامة في اطار المقارنة:

من المفيد جدا تناول العلاقة بين ظاهرتي "الإدمان" و "الإرهاب" واللتين تشكلان مصدر قلق عالمي على كافة الصعد اجتماعيا وامنيا وخلافه، وذلك انطلاقا من كون كل منهما "آفة" تستقطب كل الاهتمام، توصيفا، متابعة، وعلاجا.
ولمزيد من التركيز على الموضوع وعنوانه العريض لا بد من تسليط الضوء على معنى كلمة "آفة" وابعادها الموضوعية... ولعل المصطلح الأكثر دقة لهذه الكلمة هو: "كل ما يصيب شيئا فيفسده".

ويقودنا هذا المصطلح او التوصيف الى الاستنتاج بان القاسم المشترك الأساسي ونقطة الالتقاء الأبرز بين هاتين الظاهرتين او استطرادا الآفتين تتمثلان في كونهما تصيبان المجتمع بالصميم فتعيثان به فسادا وافسادا وانهاكا وانتهاكا ما يستدعي اليقظة الدائمة والاستنفار المتواصل في مواجهتهما، على مستوى كل قطاعات ومقومات المجتمع من عائلات، وجمعيات، ومؤسسات تربوية، وأجهزة امنية، وغيرها، وكل ذلك بهدف تطويقهما ما امكن والحد من انعكاساتهما الخطيرة.
ويهمني بالواقع، من منطلق الحرص على تفادي الغوص في النظريات الدينية، او العقائدية، او السياسية، حيال كل من "الإدمان" و "الارهاب"، ان ابرز النظرة الأممية للآفتين من زاوية عملانية اكثر منها فلسفية او تفسيرية.

وعليه نعرض لما يلي:
• الأمم المتحدة والادمان:
جاء في حيثيات انشاء "مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة" ما مفاده ان الجريمة المنظمة والاتجار غير المشروع بالمخدرات والبشر والأسلحة والأموال والموارد الطبيعية، فضلا عن ممارسات الفساد ذات الصلة بالإرهاب، تشكل تهديدات عالمية وتقوض سيادة القانون... وان المكتب المذكور يسترشد في عمله بطائفة من واسعة من الصكوك الدولية الملزمة قانونا ومنها الصكوك القانونية العالمية التسعة عشر لمكافحة الإرهاب...

• الأمم المتحدة والإرهاب:
جاء في قرار تشكيل فرقة العمل لتنفيذ مكافحة الإرهاب والتابعة للأمم المتحدة ما مفاده ان هذه الفرقة تضم عددا من المنظمات والمديريات والمكاتب والمفوضيات والأجهزة التابعة أيضا للأمم المتحدة ومن ضمنها وبشكل أساسي "مكتب الأمم المتحدة للمخدرات والجريمة".
مما تقدم يبدو الترابط واضحا في النظرة الأممية لكل من الآفتين، وهو في كل الأحوال ترابط وثيق، علما انه عندما نشير الى المخدرات في اطار الجريمة المنظمة فاننا نقصد استطرادا آثار هذه الجريمة ونتائجها وفي مقدمها تفشي ظاهرة الإدمان، مع ما تقود اليه هذه الظاهرة في الجرائم الإرهابية.

الإدمان والجريمة:
ينبغي بالطبع في اطار الربط بين الإدمان والإرهاب، وطالما ان الإرهاب هو جزء من الجريمة ككل، ان نقارب العلاقة بين الإدمان والجريمة بالدرجة الأولى.
ومن هنا فقد لفتني من بين العديد من الآراء والتوصيفات رأي حول الجرائم يقول انها: "الأفعال التي يستدل منها على حدوث مشكلة في السلوك السوي للإنسان، فيخرج عن فطرته الإنسانية السليمة ويبدأ بالحاق الضرر بالآخرين، ويصبح لديه نزوع الى الجريمة، غير مكترث بتبعات الأفعال التي يرتكبها..."

وعلى أساس هذا الرأي الذي نراه مقنعا فلنبحث معا في الآثار المدمرة للادمان على المخدرات بنوع خاص على العقل البشري، وقد سمع الكثير منا بالطبع عن هذه الآثار وعن العلاقة التي تربط تعاطي المخدرات بطريقة التفكير والوعي عند الانسان خاصة وان الدراسات العلمية التي أجريت حول هذا الموضوع اشارت كلها الى ان المواد المخدرة تعد العدو الأول الذي باستطاعته تدمير خلايا العقل البشري مما ينعكس بشكل مباشر على الذاكرة ومعدل التفكير والوعي عند المتعاطي.

وعادة ما يؤدي تعاطي المخدرات، بحسب الآراء العلمية أيضا، الى الإصابة بما يسمى اضطراب الادراك الحسي للظواهر، وهذا يؤدي الى حدوث ما يسمى بالهلاوس السمعية والبصرية، حيث يرى المدمن خيالات وصورا ليس لها أي وجود في الواقع الفعلي...
وبالاستناد أيضا الى الآراء العلمية فان الإدمان من شأنه احداث ما يسمى بعسر التطلع ونوبات التوهان، وهذه الحالة هي عبارة عن ارتباك ذهني يصاب به المدمن فيصبح غير قادر أحيانا كثيرة على تحديد الوقت والزمن وقد يتطور به الامر الى عدم القدرة على تحديد هوية الأشخاص حتى المقربين منه...

كما ان آراء علمية أخرى تشير الى ما يوصف باضطراب الذاكرة الحسي عند المدمن او المتعاطي فيصاب بحالة من التشوش المرضي الامر الذي يجعله غير قادر على حفظ وتسجيل الذكريات كما تجده يعاني من صعوبة بالغة في تذكر الأشياء.
ومن خلال الربط بين هذا التشخيص العلمي وبين اعتبار الفعل الجرمي خروجا عن الفطرة الإنسانية السليمة ما يقود الى الجريمة، بحسب الرأي الذي اشرنا اليه أعلاه، نستطيع تبيان تأثير الإدمان أحيانا كثيرة على مرتكبي الجرائم ليكون سببا مؤديا اليها وبشكل انقيادي غير واع، من دون ان يعني ذلك بالطبع ان خلفية الاعمال الجرمية هي دائما الإدمان.

الإدمان والإرهاب:
ما ينطبق على ما اوردناه أعلاه لجهة العلاقة بين الإدمان والجريمة ككل ينسحب أيضا على العلاقة بين الإدمان وجريمة الإرهاب، وطالما اننا نعني بالإدمان الاعتياد على المخدرات بنوع خاص، فلا بد من الإشارة الى ان للإدمان أجيال وللإرهاب أيضا أجيال، بمعنى ان الأول تطور مع الزمن أنواعا وأساليب ومصادر، وكذلك الثاني، واذا كان من غير المفيد البحث في كيفية تطور أجيال الإدمان تاركين الامر للمختصين في هذا المجال، فانه من المناسب التطرق بايجاز الى تعداد أجيال الإرهاب للانتقال فيما بعد الى القاء الضوء على تأثير الإدمان في بعض هذه الأجيال.

تمثل هجمات 11 أيلول على أميركا ذروة تطور طويل في ظاهرة الارهاب ، وهو تطور لا يقتصر فقط على مضمون وطبيعة العمل الارهابي بحد ذاته، بل يمتد أيضاً الى متغيرات البيئة الدولية التي يتحرك فيها والتي تعتبر العامل الرئيسي للتحول في أشكال الارهاب الدولي.
من هذا المنطلق فإن هذا النوع من الارهاب هو نوع جديد يمثل في واقع الامر الجيل الثالث في تطور الظاهرة الارهابية خلال العصر الحديث، فما هي هذه الاجيال الثلاثة؟
الجيل الاول: تمثل بموجات الارهاب ذات الطابع القومي المتطرف التي إجتاحت أوروبا منذ أواخر القرن التاسع عشر وحتى الثلاثينيات ، وكان القائمون بهذا النوع من الارهاب غالباً من الوطنيين المتطرفين الذين اعتمدوا أسلحة حفيفة...
الجيل الثاني: تمثل بموجات الارهاب ذات الطابع الايديولوجي أثناء ما سمي بالحرب الباردة، وكانت في جوهرها أداة من أدوات إدارة الصراع بين الشرق والغرب حيث نشأ العديد من الحركات الارهابية اليسارية في اوروبا الغربية واليابان مثل "بادرماينهوف" الالمانية، و"العمل المباشر" الفرنسية، و"الالوية الحمراء" الايطالية، و"الجيش الاحمر" الياباني، وقد مارست هذه الحركات شكلاً من العنف الايديولوجي ضد مجتمعاتها مستخدمة الاسلحة الخفيفة والمتفجرات.

الجيل الثالث: يتمثل بالنوع الجديد من الارهاب المشار اليه آنفاً والذي يتسم بخصائص متميزة ومختلفة عن إرهاب العقود السابقة من حيث التنظيم والتسليح والاهداف، وهو يركز من حيث الأهداف على إيقاع أكبر عدد ممكن من الخسائر مادياً وبشرياً ، كما يتسم بكثافة التعبير عن الكراهية والرفض الشديد للآخر. والى هذا الجيل بالطبع ينتمي تنظيم القاعدة واخواتها ولاحقا الحركات والتنظيمات المتطرفة التي افرزتها حرب العراق ومن بعدها حرب سوريا وفي مقدمها تنظيم داعش...
وعلى أساس هذا التعداد لاجيال الإرهاب، وإذ نعفي نفسنا من عناء البحث عن العلاقة بين الإدمان والمخدرات عامة وبين الجيلين الأول والثاني المشار اليهما اعلاه، فاننا نذهب الى الأهم والأكثر حداثة ومعاصرة، عنينا بذلك التأثير المتبادل بين الإدمان والمخدرات وبين إرهاب الجيل الثالث وعلى وجه التحديد تنظيما "القاعدة" و "داعش"، ولادراك جوانب المعادلة اكثر لا بد من طرح السؤال التالي: هل ان الإدمان والمخدرات سبيل او سبب لانخراط اعداد من المدمنين من بلدان ومجتمعات عدة في صفوف مثل هذين التنظيمين، فضلا عن عوامل أخرى بالطبع، ام ان انجراف الكثيرين بحكم عوامل مختلفة الى هكذا تورط او انخراط يؤدي بهم لاحقا الى عالم الإدمان والمخدرات؟

وللاجابة على السؤال الأول نعرض لجملة مواقف ومعطيات تشكل دلالة واضحة حول ذلك لا بل تؤكده بشكل او بآخر، ومنها:
• 1 الحادثة الإرهابية التي حصلت في طرابلس عام 2019 والتي اشارت وزارة الداخلية في صددها واستنادا الى معلومات الأجهزة الأمنية الى ان مرتكبها عبد الرحمن خضر مبسوط هو من أصحاب السوابق بمواضيع مخدرات وجرائم اخرى قبل ان يغادر عام 2016 الى تركيا ومنها الى ادلب حيث تابع دورات شرعية وعسكرية...
• 2 تأكيد وزير الداخلية السعودي السابق الأمير نايف بن عبد العزيز في اطار حديث له حول خطورة المخدرات على ان هذه الآفة هي اخطر من اية حروب او كوارث، وان بلاده مستهدفة بذلك بدليل ان معظم الذين قبض عليهم في المملكة بتهمة اعمال إرهابية معينة هم من أصحاب السوابق في تعاطي المخدرات.
• 3 ملاقاة وزير الداخلية الجزائري في تلك المرحلة هذا الموقف السعودي بموقف مماثل مفاده ان معظم منفذي العمليات الإرهابية في بلاده كانوا من متعاطي المخدرات قبل انضمامهم الى تنظيمات إرهابية.
• 4 تشديد دراسات عدة لخبراء في مكافحة الإرهاب في أوروبا على ان التنظيمات الإرهابية الأصولية تستفيد من مجرمين في مجالات عدة ومنها مجال المخدرات فتستقطبهم وتعمل على تنظيمهم تحت شعار او آخر فيصبح المجرم السابق الأكثر تطرفا واستعدادا لتنفيذ عمليات إرهابية، وهذه الظاهرة بحسب هؤلاء الخبراء لا تقتصر على أوروبا بل تتعداها الى الكثير من الدول العربية.

نستخلص مما تقدم وجود علاقة وثيقة بين الجريمة المنظمة وجريمة الإرهاب تحديدا وبين الدوافع الذاتية كمثل الفقر والحرمان والشعور بالدونية وغيرها، والتي تؤدي باصحابها الى اللجوء الى المخدرات والادمان كوسيلة للهروب من الواقع، الى ان تأتي فرصة الانتقام من المجتمع بجريمة لا تفرق ولا تميز ولا تقيم وزنا لاية معايير، ويوفر لها هذه الفرصة بالطبع انخراطها في التنظيمات المتطرفة حيث تلقى التعبئة المناسبة على قواعد ومفاهيم دينية مغلوطة لا تمت الى جوهر الدين وحقيقته باية صلة.
اما للإجابة على السؤال الثاني فاننا سنسلط الضوء على اقحام التنظيمات المتطرفة للعديد من عناصرها، لاسيما التنفيذيين منهم، في عالم الإدمان والمخدرات ليصبحوا أداة مطواعة في تنفيذ ما يكلفون به من عمليات وجرائم إرهابية، فالعلاقة بين الإرهاب والمخدرات ليست ظاهرة غريبة اذ ثبت من خلال التحقيقات ان عددا لا بأس به من منفذي جرائم الإرهاب والاغتيالات في العالم كانوا تحت تأثير المخدرات او فقدان الوعي او بلغة أخرى تحت تاثير ما يعرف بـ "استلاب العقل"، وعليه نعرض لما يلي:
• إشارة احد تقارير مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الى رصد كميات ضخمة من مخدر الـ "كابتاغون" تروج في الشرق الأوسط وتأتي بغالبيتها من لبنان وسوريا، والى ان مخدر الـ "أمفيتامين" هذا هو من العوامل التي تؤجج الحرب المستعرة في سوريا.
• استيلاء السلطات التركية في تشرين الثاني 2016 على 11 مليون قرص من الـ "كابتاغون" على الحدود السورية – التركية، فيما أعلنت الجمارك الفرنسية في حزيران 2017 عن حجز 750 الف قرص من المادة نفسها في مطار شارل ديغول، واعتبرت ان هذا المخدر يتعلق بالصراع الدائر في سوريا وانه يعرف بـ "مخدر الجهاديين".
• تركيز احد الأفلام الوثائقية للـ "بي – بي – سي" تحت عنوان "مخدرات الحرب السورية" على تأثير الـ "كابتاغون" في مسار هذه الحرب حيث يشرح في هذا الفيلم الطبيب الايرلندي كالفن جيمس كيف ان مقاتلا من داعش حاول تفجير نفسه ولم ينجح لكنه أصيب بجروح بالغة، وعندما تم احضاره للمعالجة لوحظ عليه عدم اكتراثه كثيرا لالم جراحه بفعل تعاطيه مسبقا لهذا المخدر.

• اعتبار عدد من الباحثين العراقيين حول ظروف المواجهات مع داعش ان هذا التنظيم يستخدم المخدرات لاقناع الأقل التزاما نظرا لتراجع عدد الانتحاريين لديه، واشارة هؤلاء الباحثين الى ان قيادة التنظيم وجدت ان الحبة المنشطة تساعده في اقناع مقاتليه العاديين بان يصبحوا انتحاريين بفعل الإحساس بعدم الخوف الذي تولده فيهم، كما وجدت بان المخدرات مثل الـ "كابتاغون" يمكن ان تسرع عملية غسل الادمغة لاقناع المقاتلين بتنفيذ عمليات انتحارية فيما يستغرق الامر من دون ذلك سنوات عدة للوصول الى النتيجة المطلوبة.
• لفت الباحثين انفسهم النظر الى ان حبوب الهلوسة تعطى للمقاتلين والانتحاريين في موازاة وعود بالسعادة الجنسية والحوريات والحسناوات في الحياة الأخرى، وان قيادة داعش تتيح للانتحاريين أفلاما جنسية توحي بالنشوة والسعادة كما تفهمهم بان الحبوب المخدرة قادرة على اخراجهم من واقعهم المزري الى واقع مثالي لم يكونوا ليحلموا به من دونها.
• اصدار تنظيم داعش، بحسب الباحثين، فتاوى لإتاحة استخدام المخدرات بحجة انها تيسر الجهاد، وذلك على قاعدة اتاحة المحرمات أيا كانت ما دام انها تخدم الأهداف المرسومة، كما على القاعدة الفقهية التي تقول ان الضرورات تتيح المحظورات.
وتبقى في ظل ذلك ناحية أساسية تتمثل في اعتماد التنظيمات الإرهابية وفي طليعتها تنظيم القاعدة ومن بعده تنظيم داعش على تجارة المخدرات، اما بشكل مباشر او عبر المافيات المتخصصة بهذا النشاط، ولاهداف تمويلية ولوجستية، ولا بد في هذا السياق من استعراض ابرز ما رصد على هذا الصعيد في مراحل عدة:
• اعلان السلطات العراقية عام 2015 عن عملية تهريب ضخمة لحبوب الهلوسة رتبها تنظيم داعش من مناطق في شمال العراق الى المحافظات الجنوبية العراقية، حيث ضبطت بحوزة المهربين 12 مليون حبة هلوسة، وحيث أشار البيان القضائي الذي صدر حول العملية الى ان تجارة المخدرات تشكل احد الموارد المالية الرئيسية للتنظيم.
• تأكيد مدير برنامج مكافحة الإرهاب في معهد واشنطن عام 2013 "مات ليفيت" ان كميات متزايدة من الكوكايين
تصل الى الأسواق في بريطانيا وأوروبا من غرب افريقيا عبر المناطق الخاضعة لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وبحماية التنظيم.
• إشارة المسؤول الأميركي نفسه في حينه الى ان التنظيم يسيطر على مساحات واسعة من الأراضي ويوفر لمهربي الكوكايين الحماية والامن وممرات آمنة عبر الصحراء لتهريبه الى أوروبا في المقام الأول، وان القاعدة وحلفاءها هم مجرمون في هذا الصدد الى جانب كونهم إرهابيين.
• تقدير مكتب الأمم المتحدة لمراقبة المخدرات كميات الكوكايين التي تمر الى الغرب بهذه الطريقة بـ 35 طنا كل عام.

ويهمنا من باب التعقيب ان نلفت الانتباه الى ان المقلق في الصراع العالمي الذي يدور اليوم مع الإرهاب العابر للقارات هو استغلال تجارة المخدرات لدعم الفوضى والتطرف والجريمة المنظمة كما هو الحال في العراق وسوريا وليبيا حيث البيئة السائدة تساعد كثيرا على الترويج لذلك وحيث فئة الشباب هي المستهدفة لتكون وقودا للارهاب. هذا فضلا عن الفائدة المالية التي تقصدها التنظيمات الإرهابية من تجارة المخدرات او تغطيتها لهذه التجارة.

اما الامل الدائم فهو ان يبقى لبنان نسبيا بمنأى عن مثل ذلك وسط ما يحيط به، علما ان ظاهرة التجارة والترويج والادمان ناشطة بحسب التقارير العديدة في الكثير من الأوساط في لبنان لاسيما في بعض المخيمات الفلسطينية التي تشهد أنشطة أصولية وخلايا إرهابية ظاهرة او نائمة، ما يدعو الى القلق الشديد ويستدعي تكثيف الجهود على صعد مختلفة للحد منه.
الخلاصة:
عودة الى بدء، وبما ان الإدمان والمخدرات آفتان متلازمتان الى حد بعيد، وبما ان اية آفة يجب ان تكافح او تحارب، فكيف بالأحرى اذا كانت بخطورة هاتين الآفتين السامتين اللتين تشغلان بتلازمهما عالمنا المعاصر والمجتمع الدولي باسره.

نعم ان الإرهاب والادمان وجهان لعملة واحدة، كلاهما افساد للمجتمع، ما ينبغي معه مواجهة شاملة ورادعة، ، فضلا عن ان ابشع الجرائم ترتكب غالبا تحت تأثير المخدرات وفي مقدمها جرائم الإرهاب التي تتغذى احيانا كثيرة منها وبشكل منظم ومخطط له.
ومن هنا الدعوات المتكررة والملحة لخطط مواجهة ملائمة ليس فقط على مستوى الردع والقمع بل أيضا وبشكل أساسي على مستوى التوعية والتثقيف، وعبر الإقلاع من جهة عن اللامبالاة السائدة في كثير من الدول والمجتمعات حيال تمادي عصابات المخدرات في نشاطها العابر لكل الحدود والقيم من جهة، ومن جهة أخرى عبر تشجيع التأويل الصحيح لتعاليم الدين التي تنادي بالسلم وعدم العنف، والتنديد بجرأة بكل من ليس اهلا للفتاوى الصحيحة وبالذين تؤدي فتاويهم وتأويلاتهم المغلوطة عن قصد او غير قصد الى التطرف والتعصب والتشدد الذي يقود الى الإرهاب.