جورج يونس-مأساة أجيالنا الجديدة

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, May 26, 2020



ونحن نبحث عن الضحكة وسط رُكام المآسي، يرِنُ جوال ابنتي لتجد رسائل متتالية من اصدقائها فيما يختص بما وصلنا اليه. لحظات ويتجهم وجهها، بعد أن كان فقد لفحات البسمة منذ بدء إنهيار الليرة اللبنانية. كيف لا وهي ترى أحلامها بالحياة الكريمة تتكسر وهي لا زالت في بداية ربيع العمر. هي تلك الصبية المليئة بالخطط الكبيرة والحيوية، التي وجدت نفسها فجأة بعد تخرجها، تبحث بين الأنقاض عن من يقدر شهاداتها. هي أيضاً، كسبت درساً من تجربة والدها تتلخص بالإبتعاد عن السياسة في لبنان بعد أن دمغت كافة الأطراف إفلاسها وجحودها وتبعيتها في حياة الأجيال السابقة.

تألق شخصيتها ونباهتها، خَوَلاها الحصول، في لبنان، على وظيفة بجدارة، فحظيت براتب متواضع في إحدى المؤسسات العريقة. إلا أن ايامها، لم تلبث أن تلبدت بكل ما لم يكن بالحسبان، فأتت الثورة وإضطرت للعمل لبعض الوقت فقط من المنزل وخسرت القليل من مدخولها وتفشى الوباء وجُمِدَتْ أموال المودعين في المصارف وبدأت الحركة الإقتصادية بالتدهور وإنهارت الليرة، فرأت نفسها تواجه مآسي لا ناقة لها بها سوى أن والدها لم يهاجر منذ زمن بعيد من هذا الوطن.

عندما إنتهت من متابعة رسائل إصدقائها، وجدتها قلقة ومكفهرة وسارحة. سألتها ما بالك يا حبيبة عمري. صمتت لبرهة لتعود وتقول لي، كيف لنا أن نحافظ على أحلامنا في هذا البلد؟ كثير علينا ما نواجهه ونحن في ريعان العمر. ماذا يجب أن نفعل لنستمر في إبقاء شعلة الأمل بمستقبل أفضل في قلوبنا؟ وتابعت والغصة تخالجها، اليوم إحدى صديقاتنا لديها مناسبة وهي تبحث عن قالب حلوى براتبها المتواضع والمتآكل، وبعد البحث تبين أن سعر قالب الحلوى الصغير من إحدى المحال التي كانوا يرتادونها سابقاً قد أضحى 120 ألف ليرة ولو حاولت الحصول على قالب بأقل جودة من أحد الأفران فإن سعره يصل الى 45 الف ليرة. ثم، تابعت لتخبرني، أن احدى رفيقاتها افادتهم أن سعر الحذاء عند إحدى محال الماركات الشعبية العالمية اصبح 500 الى 600 ألف ليرة. ثم أكملت لتقول بأن رفاقها مسبوعين من تفاقم الوضع على كافة الأصعدة وهم يتبادلون صورة البضائع مع اسعارها الملتهبة وهم مصعوقين بما آلت إليه الأمور. كيف لنا أن نتابع حياتنا ونعيش عمرنا يسأل أحدهم؟ هل يعقل أن يصبح الحصول على علبة "النوتيلا" او "الكيلوغز" او "النستله" او "النسكافيه" وحتى قطعة الكنافة من عند "السي سويت" والتي وصل سعرها الى 8500 ليرة بمثابة حلم. هل أصبح الدخول إلى المطاعم، والنايت كلوب، والمسابح (40-80 ألف للشخص)، ممنوع علينا خصوصاً ان راتبنا قد اضحى يعادل 230$ بعد أن كان يعادل 670$. هل يعقل أننا تخرجنا من أهم جامعات لبنان لنموت قهراً فتموت معنا أحلامنا؟

ماذا عساي أقول لكل من تحمل مسؤولية في وطني؟ أما أكتفيتم بتدمير ماضينا وحاضرنا ومستقبلنا، أما أقتنعتم بعد بأنكم أنتم من حرقتم عُمِرنا فتمعنون اليوم بحرق عُمِرْ أطفالنا؟ أما شبعتم من زرع القهر بكل تفاصيل ايامنا لتستهدفوا أولادنا اليافعين؟ هل من العدل أن نرى القلق والقهر والهم على وجوه أولادنا وهم في بداية حياتهم؟

توقفوا يا عديمي الضمير! فَتَراكُمْ دمار النفوس من جيل لجيل سيولد لعنة غير مسبوقة تجاه كل حرف من حروف أسمائكم وإن نحن كنا سذج ورحمناكم فأجيالنا الجديدة التي أشعلت طرقات الوطن بالثورة العفوية لن ترحمكم.
هلقد بحبك يا لبنان