د. محي الدين الشحيمي - كورونا: صدمة التغيير العالمي المقبل

  • شارك هذا الخبر
Friday, May 22, 2020

د. محي الدين الشحيمي

منذ إعلانه "جائحة" تحول فيروس كورونا كوفيد-19 إلى واحد من أصعب الاختبارات التي تواجهها البشرية في التاريخ الحديث، فقد أثبت الفيروس قدرته على إزهاق الأرواح، وبالتالي إرباك الأنظمة الصحية، وإحداث تغيير جيوسياسي دائم.

في دراسة قمت بإعدادها لمصلحة المنتدى الاقتصادي العالمي وهي عبارة عن إحاطة دينامية عن جائحة العام 2020 واستندت فيها إلى الذكاء الجماعي والتعاون الشامل لشبكة المنتدى الاقتصادي العالمي لاستكشاف الاتجاهات الرئيسية والترابط بين الصناعة والقضايا الإقليمية والعالمية، بيّنت كيف أثرت الجائحة على مفاصل الحياة الانسانية وتفاصيلها، فارضة التغيير على العديد من المجالات والقطاعات متحكمة بالعادات والتقاليد والأعراف بشكل جدي، إذ من المتوقع أن تتغير الطبائع وتظهر أشكال جديدة لحكم الدول وانظمتها ليس من ناحية الشكل وحسب، بل في العمق والمضمون.

وكان طبيعياً أن تنعكس تأثيرات "الجائحة" على مختلف القطاعات، فالإعلام واجه خلال تغطيته لمسار انتشار كورونا تحديات كبيرة تمثلت بمجموعة من العواقب غير المقصودة للتعرّض المستمر لوجهات النظر والمعلومات غير الدقيقة في بعض الأحيان - التي يشار إليها غالباً - باسم "المعلوماتية" infodemic، كما أثيرت مخاوف في شأن الصحة العقلية للناس لأنهم يستهلكون باطراد الأخبار السلبية مع إجراء تعديلات مدمرة في نمط الحياة - مثل العمل من المنزل والحدّ من التفاعل الاجتماعي بسبب تدابير المأوى في المكان.

كذلك، ظهرت الانعكاسات السلبية لـ كورونا على بعض القطاعات الاقتصادية بصورة شبه كارثية، خصوصاً التأثيرات على القوى العاملة وقطاع الطيران والسفر، وعلى التجارة العالمية، وفي هذا السياق، كانت منظمة التجارة العالمية أعلنت في أوائل نيسان/أبريل الماضي أن تجارة البضائع قد تنخفض بنسبة تتراوح ما بين 13 و 32 في المئة في العام الحالي، نتيجة كورونا، كما أثر الفيروس على حركة الأسهم، إذ اضطر المستثمرون إلى التعامل مع التأثير الكاسح لـ "كورونا" على الأسواق المالية وأسعار الأصول.

لقد أظهر الفيروس التاجي، ومن خلال مجموعة من المتغيرات اللوجيستية مدى أهمية التعاون في إتاحة فوائد البحوث للجميع وأهمية تبادل المعارف من مصادر مفتوحة، وهذا يضعنا أمام الاستنتاجات التالية:

- إن "كوفيد-19" عدوى مأساوية لا تقتل مئات الآلاف من الناس في جميع أنحاء العالم فحسب بل هي أكثر من ذلك بكثير، فهذا الفيروس قد يكون عبارة عن مجموعة موسعة وشاملة من الأحداث والاستجابات لها تمس كل جوانب الحالة الإنسانية.

- إن أزمة كوفيد-19 تلحق بالفعل أضراراً جسيمة بالاقتصاد العالمي، ويثير ذلك تساؤلات في شأن السياسات المناسبة لتحقيق الأهداف الحكومية الشاملة للوصول إلى انتعاش اقتصادي قوي ومستدام.

- إن العديد من البلدان تثبت بالفعل كيف يمكننا بناء روابط أقوى بين الطبيعة واقتصادنا وصحتنا. ومبادرة الحماية البحرية التي اتخذتها سيشيل أخيراً تبعث على الأمل في أنه إذا قام كل بلد، مهما كان صغيراً، بدوره، فإن الكوكب يمكن أن يكون أكثر أماناً وازدهاراً لنا جميعاً ــ تماماً كما تبشر الطبيعة.

- وبغض النظر عن الواقع، الا إن الطريقة التي نعيد بها بناء اقتصاد ما بعد الجائحة إما أن تسرع عملية التحول في مجال الطاقة المتجددة ــ أو أن تجعلنا نفتقد "عقد الإنجاز" بالكامل.

- يظهر الذكاء الاصطناعي وجمع البيانات علامات واعدة في مكافحة الفيروس التاجي. ولكن هل يمكن أن نمنح حقوقاً لن يتم استعادتها بمجرد أن ينتهي الوباء؟

لا بدّ من التأكيد في خضم الصدمة الظرفية والتي يمرّ بها الكون أن العالم يستطيع أن يحوّل المرحلة المقلقة إلى تجدد وإلى انتعاش وأن تكون أزمة الفيروس التاجي فرصة لإعادة تصميم اقتصاد مستدام وشامل، وتنشيط الصناعة، والحفاظ على نظم التنوع البيولوجي الحيوية، والتصدي لتغير المناخ.

وأخيراً، فإن هذا الفيروس يشكل فرصة مهمة لإعادة النظر في التدخل غير التقليدي في أسواق الطاقة والتعاون العالمي لدعم الانتعاش والذي سيسرع انتقال الطاقة بمجرد ان تهدأ هذه الأزمة الصادمة، فإعادة الضبط تمنحنا خيار إطلاق استراتيجيات تطلعية ومستقبلية طويلة الامد تؤدي الى نظام طاقة متنوع وأمن وموثوق يدعم في النهاية النمو المستقبلي للاقتصاد العالمي بطريقة مستدامة ومنصفة ومدعماً بالتالي لاستقرار السياسات وأنظمة الحكم وثبات الدول.