خاص ــ خوري يكشف عن السبب النفسي "للولاء الأعمى للزعيم"... هلا الترك

  • شارك هذا الخبر
Thursday, May 7, 2020


خاص ــ هلا الترك


 


الكلمة اونلاين


 


يعيش المجتمع اللبناني إشكالية تتمثل بتناقض قائم بين السعي إلى تطوير الحياة السياسية من خلال التحرر من الإلتزامات العائلية والشخصية تجاه المسؤولين بحسب ما بينت التحركات الشعبية التي إنطلقت منذ 17 تشرين الأول تحت شعار "كلن يعني كلن"، وبين الولاء الأعمى لهؤلاء الزعماء  وقادة الأحزاب الفاسدين الذين معظمهم ساهم في إيصال البلاد إلى ما هي عليه اليوم، من أزمة إقتصادية، إجتماعية وسياسية يدفع ثمنها المواطن والحزبي أيضا.


 


نسمع أحياناً في مجتمعنا ناشطين وذوي رأي من الذين يصنفون ذاتهم كـ"مثقفين"، يعبرون أحياناً عن إعتراضهم على سياسة رئيس حزبهم وخياراته السياسية، ثم يعلنون ولائهم له وإلتزامهم به حتى "التضحية بروحهم" على قاعدة "ما عنا غيرو" و"ولو غلّط ما منتخلى عنو".


 


في ظاهرة تدعو للإستغراب لا سيما عند المحازبين الذين ينتقدون خيارات رئيس حزبهم (ولو في المجالس المغلقة) أحياناً ثم يعيدون في العلن للإصطفاف تحت عباءته على قاعدة إلتزامهم في الإطار الحزبي. في حين أن هذه الأحزاب لا تشهد إنتخابات ديمقراطية ولا تلتزم بأصول العمل الديمقراطي الشفاف، إذ تحوّلت إلى حالات إقطاعية واسعة، "تبيع وتشتري" وتدخل في محاصصات مذهبية وتوصل فاقدي الكفاءة أحياناً إلى مراكز إدارية في الدولة على حساب ذوي الكفاءة من الحزبيين الذين يتململون من هذا الواقع ثم يسيرون في الصف على قاعدة "ما عنا غيرو" و"نحن منوثق بخياراته" بعد أن كانوا إنتقدوها.


 


إن هذا الوقع يشكل مأساة في ناحية عدم السماح بتطوير الحياة السياسية حيث ان هذه الشريحة الحزبية عليها ان تلعب دوراً بناءا في مستقبل البلاد، تعود وتنخرط في توجيهات الحزب لسبب واحد وهو : بأنها تفضّل أن تكون "ملتزمة" في خيار ما، مما يتطلب منها بشكل بديهي تخوين الآخرين على إعتبار أن حزبهم هو صاحب الحقّ وكأن هنالك وجه واحد للحقيقة، فيرفضون حتى تقبّل السماع للرأي الآخر خوفاً على زعزعة معتقداتهم من ذلك "الآخر" المخيف.


 


فما هو التفسير العلمي لهذه الظاهرة المنتشرة في مجتمعنا اللبناني بشكل كبير؟ في هذه الإطار يعتبر الإخصائي في علم النفس د. نبيل خوري في مقابلة خاصة لموقع "الكلمة أونلاين" أن السبب يعود إلى غدّة الإنتماء أو الإيمان وإسمها الطبي هو "الغدة الصنوبرية" – "Pineal Gland" التي بالفعل تشبه حبّة الصنوبر. وهي الغدّة الوحيدة في الدماغ غير المقسومة إلى جزئين وتفرز هرومونات تُشعر الإنسان بالراحة والطمأنينة عندما يقوم بفعل يشعره بالإلتزام الديني، الخُلقي أو السياسي. ويضيف خوري:" الدليل على ذلك هو عندما يمرّ الفرد عادة بفترة حرجة مجرّد إرتياده لدور العبادة يشعر بالطمأنينة  وأمله أن وضعه سيتحسن إنطلاقاً من الصلاة التي أداها وإن لم تحلّ مشكلته بعد فعلياً، وهنا يكمن دور الغدّة الصنوبرية التي تفرز الهرمونات الكافية لإستعادة الطمأنينة."


 


- نحن لا نُخطئ .. أنتم لا تفهمون:


 


بطبيعة الحال نشهد يومياً أفعال وأقوال غير أخلاقية تقوم بها بعض المجموعات سواء كانت حزبية أم دينية ويُقابل هذا الفعل موجات عنيفة للدفاع عنه من قِبل المجموعات المنتمية لهذا النهج العقائدي الحزبي أو الطائفي، فكيف يمكن للفرد أن يتقبل الخطأ لمجرد أنه صادر من مجموعته؟


 


يعتبر د. خوري أن الإنسان إبن بيئته فهو ينشأ في كنف مجموعات دينية تُمارس طقوسها المريحة بالنسبة لها، وبالتالي ينتمي هذا الفرد فكرياً إلى المثل المحتذى به في مجموعته المجتمعية التي تضم الأهل وأبناء المحلة وغيرهم،لان "هناك عوامل تحفز تقبل الفرد لكل ما يصدر عن مجموعته دون المسائلة فيه حتى وهي: المسلّمات الدينية او الطائفية التي منطقياً لا يتقبلها عقل وهي موجودة في كل الطوائف والأديان ومنها مثلاً أن يجامع الرجل زوجته بعد وفاتها بشروط معينة، وغيرها من الأمثلة الموجودة في مختلف المجتمعات حول العالم، الفرد في هذه البيئة لا يُجادل فيها ولا يحاول أن يبحث أكثر في الموضوع بسبب عامل الخوف من المجهول وهو "يوم الحساب".


 


ويشرح د. خوري أن هذا الإنتماء يتحول في مراحل لاحقة إلى إنتماء أعمى لأن الإنسان يعيش في مكنونات نفسه حالة تحريضية تجاه الآخر "ذلك الذي لا يشبهنا"، رغم أن الأديان السماوية كلها دعت للمحبة والتسامح والإنفتاح على الآخر إلا أن ممارسات رجال الدين حوّلت هذه الأديان إلى أدوات للقتل والكراهية.  إستناداً إلى ذلك، هذه المعطيات تسمح للفرد بألا يشعر بالذنب في حال قام أو شهد فعل لا يليق بالأخلاق والقيم الإنسانية لأنه يشعر بالإنتماء إلى جماعة بدافع عنها بصدق كبير وهو بالتالي يدافع على إيمانه ومنظمة قيمه الشخصية بشكل أعمى. وهذا الإنتماء المحفز من قبل الغدة الصنوبرية يُعمي الإنسان عن الإدراك المنطقي ويقلل عنده قدرة التحليل المنطقية.


 


قصة: شهادتي مكانها "البرواز" .. حلمي كون "مرافق" شخصي لزعيمي


 


يتابع د خوري ،هذه الحادثة من بين محادثات كثيرة دفعتني للتعمّق أكثر في هذها الموضوع.. قال لي أحد الخريجيين الجامعيين من أحد الجامعات المرموقة في بيروت حلمي أن أكون مرافقاً لزعيمي.. شو بدي بشغلة المكتب والملل.. هاي شغلة فيها شرف .. كان يروي لي هذا الحلم بعيون براقة .. لم آخذه على محمل الجد في البداية إلا أنه ربط كل معايير الرجولة والشهامة بهذه الوظيفة "المشرفة" قائلاً العبارة "عم نحمي الأرض والعرض" رغم أنه حسب علّمي المحدود لا يمكن لأحد أن يقتلع الآخر من وطنه خاصة في لبنان الذي ومنذ تأسيسه يتضمن عدد طوائف أكثر من عدد الأديان السماوية نفسها.. ما لفتني أكثر أن هذا "الخريج الجامعي" حتى لا يطمح لتسلّم منصب حزبي يتناسب مع إختصاصه .. فهو يعتبر أن حماية الزعيم أشرف وذات تأثير وقيمة أكثر..


 


هذه الحادثة البسيطة ليست إلا واحدة ضمن مجلّد من الغرابات.. فكل الأطراف الحزبية التي شاركت في قتل بعضها البعض بالمناسبة تتضمن أعضاء يحملون شهادات عالية.. يتسائل الفرد قائلاً:"طيب كيف هيدا محامي أو دكتور مثلاً وعم بدافع عن منظمة وصلت البلد لهون؟ عن شخص كان من رجالات الحرب الأهلية؟ أو عم بدافع عن صفقة مشبوهة؟"


 


- الإستفادة سبب متين لبقاء الزعيم


 


وهنا نعود لنتأكد بأن الشهادات الجامعية ليست معياراً للثقافة .. فقد يحمّل الفرد أعلى الشهادات من أهم الجامعات حول العالم ولكنه في نفس الوقت يدافع عن حزبه وزعيمه بشكل متعصّب لا يسمح للمجادلة حتى فيه.. وفي هذا السياق يشرح د. خوري أن الإنتماء السياسي يتضمن عاملين أساسيين: الأول هو أن يكون المنتمي عقائدياً، سياسياً أو فكرياً، منتمياً لمجموعته من منطلق الإستفادة، قد تكون على شكل منصب ما، إستفادة مادية أو حتى إجتماعية كأن يكون من المجموعة الكبرى المسيطرة في منطقته لكي يحظى بحمايتها من خطر "الآخر" الذي دائماً يسعى رجال السياسة والدين على تصويره على أنه "الشيطان الرجيم".


 


وفي هذه الإستفادة سبب متين لبقاء الزعيم فعلى سبيل المثال نسمع يومياً من السياسيين مدى حرصهم على مكافحة الفساد وكأنهم لم يكونوا يوماً ضمن هذه المنظومة المدمرة للبنان .. مجموعات هؤلاء الزعماء وهم المستفيديون طبعا من وجوهم في الحكم مستعدون للقيام بثورة لبقائهم في مناصبهم وهذه الترجمة المنطقية لعبارة "بالروح بالدمّ نفديك يا زعيم".


وبحسب د. خوري:" يشعر الفرد براحة من خلال الهرمونات التي تفرزه الغدة الصنوبرية بسبب وجود هذا الزعيم في حياته. وفي كلا الحالتين لا يمكن إقناع المنتمي الديني أو المنتمي بفكر خارج عن نطاق منظومته. فالشخص المنتمي دينياً، تعصّبه الديني كفيل بوضعه على السكة الصحيحة تجاه المجهول المحتّم وهو الموت. أما المنتمي العقائدي وإن كان فعلياً يتبع فاسداً فهو لن يعيش في طمأنينة إذا فقد داعمه ووليّ نعمته.


 


في الختام، أكبر محفزّ عند الإنسان هو الشعور بالخوف.. فما بالك لو كان خوفا مصحوباً بشعور النبذ.. الخوف من النبذ الإجتماعي قد يكون المحّرك الأساسي لهذه المعادلة.. لذا يلجأ الإنسان أحياناً لعدم مجابهة الحقائق.. فليس فقط الجهل عدو الإنسان إنما أيضاً الخوف من معرفة الحقيقة


Alkalima Online