العميد المتقاعد طوني مخايل - لا شيء سيتغير

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, April 8, 2020


إنتشرت الإمبراطورية الكورونية على مساحة الكرة الأرضية ولم يسْلَم من آثامها وسمومها سوى بعض الدول، هاجمت بجيوشها النانومترية وغير المرئية وقلبت العالم رأساً على عقب، وتعددت فيها التحليلات والقراءات حول أسباب ظهورها وتفشيها، منها ما إرتكز على السياسة كالإتهامات المتبادلة بين الولايات المتحدة والصين، وبعضها إستند على العلم والذي يؤكد على إن الفيروسات تتطور ضد اللقاحات وتعود لتهاجم ضحاياها من جديد، وجزء من هذه التحليلات إستند على الاقاويل الشعبية (تناول حساء الوطاويط، ممارسة الجنس مع الحيوانات، إستهداف عرق محدد من البشر) وقسم أخير عزا الوباء الى غضب الآلهة من الجنس البشري وتعاظم خطاياه وبُعده عن الدين...
غزت الأرض عبر التاريخ أوبئة وأخذت معها الملايين من الضحايا(الكوليرا، الطاعون، التيفوئيد، الانفلونزا وغيرها من الامراض) كلها فتكت بالبشر وتركت أثراً في اقتصاداتهم واجتماعياتهم وبالتالي فإن فيروس كورونا سيتماثل مع أسلافه وسيضع بصمته على كافة الأصعدة السياسية، الاقتصادية، الاجتماعية والدينية.
بالنظر الى أعداد الضحايا وأرقام الخسائر المادية وُجب على الحكومات التي عجزت عن إدارة مرحلة الوباء، والأنظمة الاقتصادية المعولمة التي اعتبرت الانسان وحدة استهلاكية، والعابثون بتوازنات الطبيعة أن يدفعوا الثمن ويغيروا من سلوكياتهم وأنماط أعمالهم ويُفترض أن تصل درجة التغيير الى سقوط هذه الحكومات وصعود غيرها تكون قادرة وعادلة، والعولمة الرأسمالية المتوحشة تتحول الى عولمة اجتماعية تنظر الى فقر الانسان وغذاءه وصحته، ومجرمي البيئة يرتدون عنها ولكن ماذا بعد...؟
عمليات التغيير التي ستحدث ما بعد الكارثة ستأخذ نمط "استراحة المقاتل"، أي إن مفاعيلها ستكون لفترة زمنية محددة لتعود من بعدها لعبة الشر بين البشر، بين الغني والفقير، بين الحاكم والمحكوم، بين الضعيف والقوي، بين المؤمن والملحد والسبب هو عجز الكوارث والاوبئة وحتى الحروب عن قهر الانسان من الداخل، عن نزع صفاته السيئة من عقله وقلبه(الطمع، الكره، حب الذات...) المؤثرة على تصرفاته وسلوكه مع نفسه ومع الآخرين.
"الذاكرة مثل العاصفة عندما تستيقظ لا احد يستطيع ايقافها وتجرف كل شيء معها"،على هذا المبدأ سار أرباب السياسة والاقتصاد والمال منذ مئات السنين وأحْنوا هاماتهم وأخْفوا وجوههم الصفراء لحين مرور العاصفة وموت الذاكرة ليرجعوا بأقنعة تُخفي ملامحهم الخارجية وتُبقي على صفاتهم الشيطانية.
السياسيون الحديثين سيكتسبون صفات أسلافهم، والمعولمين الإجتماعيين الجدد ستحولهم الإيام الى اقتصاديين، وغزاة الطبيعة سيعاودون حروبهم عليها، حتى المتدينون الطارئين الذين ركنوا الى الصلاة والشموع وتبادل صور القديسين والانبياء عبر وسائل التواصل الاجتماعي درءً للوباء، سيستنتجون بفطنتهم ونبهاتهم بعد انتهاء هذه المعركة مع الفيروس وسقوط آلاف الضحايا من البشر عدم جدوى الصلاة والتضرع وبالتالي سيسلكون من جديد دروبهم الملحدة السابقة.
الصورة ليست تشاؤمية بقدر ما هي واقعية، منذ تكوين السلطة لم يعرف العالم وخاصة الثالث طبقة سياسية حكمت بالقانون والعدل وأمنت لشعوبها المساواة والسلام والخير، حتى التي تُسمى دول العالم الأول فأكثر حكامها يُمارسون سلطتهم تحت سقف القانون ليس قناعة به بقدر ما هو خوف منه.
بارقة الأمل الوحيدة هي بنخبة سلطوية تنظر الى البشر كقيمة إنسانية تستحق العيش بكرامة وحرية أو بشعوب حيَّة وقادرة على محاسبة طبقتها السياسية.
إن الله لا يُغيّرُ ما بقوم حتى يُغيّروا ما بأنفسهم.