بهاء العوام- اللاجئون في ميزان العدل الأوروبي

  • شارك هذا الخبر
Sunday, April 5, 2020

قضت المحكمة الأوروبية العليا بمعاقبة ثلاث دول، هي التشيك وبولندا وهنغاريا، جراء عدم التزامها ببرنامج توزيع اللاجئين الذي أقر عام 2015. يشمل البرنامج برمته مئة وستين ألف لاجئ فقط من بين ملايين اللاجئين الذين اجتاحوا القارة الأوروبية في ذلك العام قادمين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. لكن الدول الثلاث رفضت خطة التوزيع برمتها. واختارت الشقاق على الاتفاق مع بقية دول التكتل.

تنظر المحكمة في نوع العقوبة، أو الغرامة بتعبير أدق، التي يمكن أن تفرض على الدول الثلاث. لا توجد ضمانات بأن تجبر الغرامات هذه الدول على استقبال لاجئين لاحقا. ولا توجد ضمانات بأن يتم تحصيل هذه الغرامات أصلا. لذلك فإن القرار بالنسبة إلى اللاجئين بمثابة ذر الرماد في العيون ليس إلا. ولكنه بالنسبة إلى التكتل الأوروبي المضطرب يفضح المزيد من الخلاف بين دول أوروبا الغربية والشرقية.

القرار يضيف إلى سجل معاناة اللاجئين فصلا آخر من رحلة لا يبدو أنها تقترب من نهايتها. ولا يبدو أيضا أنها تستند إلى قوانين حقوق الإنسان في دول القارة. فهذه القوانين نحيت تماما عندما رفضت الدول الثلاث برنامج التوزيع لأسباب تتعلق بالاقتصاد والسياسة والديمغرافيا. وهي الأسباب ذاتها التي استدعت من دول الاتحاد الأوروبي مؤخرا إغلاق حدودها مع تركيا رفضا لموجة لاجئين جديدة.

مهما كانت الغرامات التي قد تفرض على الدول الثلاث فهي لن تصرف لصالح اللاجئين في المخيمات ومراكز الاحتجاز في أوروبا. ولن تحميهم من وباء كورونا الذي بات يطوف حول خيامهم في الجزر اليونانية أو الغابات المحيطة بمدن وعواصم التكتل، أو تلك المسافة القصيرة الممتدة بين الحدود التركية الأوروبية.

القرار القضائي المنقوص صدر والدول الأوروبية منشغلة بالحرب على وباء كورونا الذي يعتبر مسؤولون في القارة العجوز اللاجئين سببا في انتشاره. يتذرع هؤلاء بالوباء كي يغلقوا حدودهم في وجه اللاجئين، وكأن الحجة كانت تنقصهم ليتركوا اللاجئين المعتقلين في الجزر النائية أو مراكز الاحتجاز المسيجة بأسلاك شائكة، يواجهون قدرهم بأنفسهم، ويفاضلون بين الموت البطيء دون إقامات وجنسيات وأوطان، وبين الموت بسرعة بوباء مثل فايروس كورونا أو أي كارثة أخرى. الأرقام الرسمية الأوروبية تقول إن عشرين لاجئا في مخيم قرب أثينا باليونان أُثبتت إصابتهم بوباء كورونا. لا يستطيع أحد نقلهم إلى داخل المدن لمعالجتهم أو على الأقل فصلهم عن بقية اللاجئين. فلن يغادر اللاجئون مراكز الاحتجاز إلا ليدفنوا بجوار من أحرقت جثثهم من سكان البلاد بعدما نهشها الوباء. لا أحد يكترث لما قد يحدث سوى المنظمات الإنسانية التي لا تمتلك إلا التحذير من كارثة أو كوارث قد تحدث إذا ما تفشى الوباء داخل مخيمات اللاجئين في أي دولة كانت.

تقول تقارير متعددة إن كورونا طال أكثر من عشرين لاجئا في اليونان وغيرها من الدول الأوروبية. ولكن من يحصي بدقة وسط كل هذه الفوضى التي يعيشها العالم بسبب الوباء، ومن يهتم للعشرات أو المئات أو الآلاف حتى من اللاجئين، ودول القارة تئن تحت وطأة الكارثة وتعجز عن إنقاذ مواطنيها قبل اللاجئين. لم تعد المقابر في بعض الدول تتسع للمزيد من الجثث. ولم يعد أمام الأطباء هناك إلا الاختيار بين من يستحق الرعاية، وبين من يجب أن يترك لقدره.

جل ما أعلن عنه الأوروبيون لمساعدة اللاجئين أمام الجائحة حتى الآن، هو قرار لثماني دول باحتضان ألف وست مئة طفل يعيشون في المخيمات دون آباء وأمهات. تريد هذه الدول أن تمنح الأطفال فرصة للعيش وسط عائلات تروي لهم مستقبلا كيف أن الوباء كاد يقتلهم في المخيمات لولا حقوق الإنسان الأوروبية. ربما لن تتسع سفينة نوح الأوروبية اليوم لأكثر من هؤلاء الأطفال، وربما يحالف الحظ غيرهم. ولكن ذلك لا يلغي أهمية محاكمة التقاعس الذي سبق طوفان كورونا.

قد لا يستطيع الأوروبيون اليوم دعم اللاجئين في مراكز الاحتجاز والمخيمات لمواجهة فايروس كورونا. ولكن التأخر في مساعدتهم والبت في طلبات لجوئهم طوال السنوات الماضية قبل الوباء، يجب أن يخضعا للمحكمة ذاتها التي نظرت في رفض التشيك وهنغاريا وبولندا لبرنامج توزيع اللاجئين. فهذا التأخر هو ما راكم العفن في مواطن العفن كما تطلق وسائل إعلام غربية على مراكز احتجاز اللاجئين. وهو أيضا ما قد يتسبب بأم الكوارث عندما يجتاح الوباء مراكز ومخيمات اللاجئين.

ومن باب العدالة، لا يجب أن تطال محاكمات إنصاف اللاجئين الحكومات الأوروبية فقط. هناك كثيرون ممن يجب أن يتحملوا مسؤولية ضحايا كورونا وغيره من الأوبئة والأمراض والأزمات التي تعصف بمخيمات ومراكز احتجاز اللاجئين. القائمة تطول ولكن في مقدمتها تقبع الأنظمة الاستبدادية التي أعلنت الحروب على شعوبها لتجبرها على اللجوء. ثم الدول التي عبثت بأوطان اللاجئين لحماية مصالحها. ومن بعدها يأتي دور الذين استغلوا أزمة اللاجئين لأغراض سياسية أو اقتصادية. وفي آخر القائمة يأتي الذين لم يحسنوا استضافة هؤلاء المستضعفين اليائسين.