بشارة مرهج - حكومة جديدة أم حكومة بين الحكومات!

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, March 31, 2020

القطاع المصرفي الذي برز يوماً مثالاً للتنظيم الاداري ورمزاً للتطوير التكنولوجي بات اليوم في وضع لا يحسد عليه بعد ان فقد مكانته وأهتزت سمعته بسبب الارتباك السائد في قراراته والجور الظاهر في ممارساته.

هذا القطاع الذي استفاد من أموال المودعين في مراكمة ثرواته، وأصبح أصحابه عنواناً للنجاح والتقدم في المنطقة العربية بات اليوم يسجل الاخفاق تلو الأخر سواء على جبهة الأقتصاد الوطني أو على جبهة الجمهور.

فإذا كانت الدولة تؤثر المناورة مع جهة ترفض الأنصياع لها أو لطلباتها فإن الجمهور لم يعد قادراً او راغباً في تحمل المزيد من التجارب بعدما خسر الكثير جراء ثقته بالمصارف التي تهاونت في أمواله وتصرفت بها بشكل أدى إلى هدر قسم كبير منها، وتجميد المتبقي ورهنه بمزاجيات وتعاميم لا يلتزم بها أحد. وأبلغ مثال على ذلك ما يجري لدى حفنة من الصيارفة. فهؤلاء يحددون سعر صرف الليرة بدلاً من الدولة ومؤسساتها وفي طليعتها البنك المركزي الذي يقف عاجزاً تماماً عن تقرير سعر الصرف بعد أن كان بكلمة منه ينصاع له الجميع سواء كانواصيارفة أو مصرفيين.

وما اصاب المصارف اللبنانية من فوضى وضعف وعجز عن الاستجابة، أصاب البنك المركزي الذي تحكمه سلطة منفردة، وقد غابت عنه المؤسسات أو غُيبت قسراً لغرض في نفس يعقوب. وقد تجلى ذلك في قرارات ملتبسة، اتخذتها هذه السلطة، فخدمت الأثرياء والمصرفيين وكبار السياسيين وخذلت مجموع المواطنين.

لقد ساعدت هذه السلطة المنفردة المجموعة الحاكمة على تحويل وتهريب أموالها الى الخارج دون أن يرف لها جفن، وكأن مهمتها الخضوع للنفوذ المالي والسياسي، وليس التقيّد بقانون النقد والتسليف وتأدية الأمانة لأصحابها، فيما تشدّدت و»تمرجلت» على المواطنين وحجزت أموالهم وأذلتهم على أبوابها.

وفي ظل الظروف الاستثنائية التي تعيش فيها البلاد والعالم ارتضى الناس، على مضض، تلك التدابير الظالمة بحقهم، علّهم يحصلون على جزء من أموالهم يكفل لهم السترة ولقمة العيش، ولكن سرعان ما انهالت مطرقة المصارف على رؤوسهم في ظل سكوت الحكومة و»تعاون» البنك المركزي، المفترض فيه حماية الاستقرار النقدي.. تلك الأسطورة التي تذرّع بها طيلة المرحلة الماضية لتسريب المال العام ومن ثم المال الخاص الى جيوب الأثرياء عبر فوائد مرتفعة طالما احتج عليها الجمهور والخبراء وطالبوا بتخفيضها وكسر نيرها المثبت على عنق الأقتصاد الوطني.

إنّ الفوضى العارمة التي يعيشها البنك المركزي كما المصارف التجارية اليوم، والتي أدّت الى تجريد الناس من قسم كبير من أموالهم وحقوقهم، وجعلت أهلنا وطلابنا في الخارج ينزفون ويتبهدلون، هذه الفوضى لا يمكن أن نعزوها إلى الانتفاضة الشعبية أو فيروس كورونا، فالأزمة سابقة لهما وتصاعدت بسببهما دون أن تكلف السلطة – الشريكة في مسؤولية الانهيار – نفسها مهمة تعيين الهيئات المنتهية صلاحياتها، وخاصة في البنك المركزي، الذي يتحوّل بدونها الى إقطاع شخصي يرفض الاستجابة لأبسط طلبات الحكومة العاجزة بدورها عن أسترداد صلاحياتها وأموالها من براثن الطبقة الحاكمة.

وعذر أقبح من ذنب انبهار الحكومة بالهالة المصطنعة – التي بناها إعلام مستفيد – للحاكم الذي ذهب بعيداً في هندساته وتسليفاته وتوظيفاته التي يعرفها الناس وتتداولها الحكومة دون ان تتجرأ على مساءلته عنها، علماً بأن واحدة منها تكفي لملء جزء من الصندوق الفارغ.

وبعد كل ما جرى فما هي حاجتنا الى حاكم أو مسؤول يرفض الشفافية ويرفض تسليم السلطة العليا في البلاد الارقام الدقيقة التي طلبتها؟!

ما هي حاجتنا بعد كل الذي جرى، إلى حاكم يرفض مبدأ المساواة ويقدّم تسليفات لهذه الجهة أو لهذا الشخص بمستوى 2 بالمئة، ويقدّم بالمقابل تسليفات لجهة أخرى او لشخص أخر بمستوى 8 بالمئة؟!

وما هي حاجتنا إلى حاكم لم يقف مرة واحدة بوجه الفوائد المرتفعة، مع علمه بالنتائج الكارثية لهذه الفوائد على حركة الأقتصاد. لا بل ما هي حاجتنا بعد كل الذي جرى إلى حاكم ناجح في المدار الاعلامي وفاشل في الميدان النقدي، تسبّب مع شركائه في السلطة السياسية بأكبر أزمة في تاريخ لبنان الاقتصادي؟

إنّ الحكومة أمام امتحان مصيري لأنّها أتت للتغيير والإصلاح والإنقاذ وليس للترقيع والتستير وتبويس اللحى. فإما أن تكون هذه الحكومة هي السلطة العليا في البلاد وتقوم بعملية تغيير شاملة في البنك المركزي ، وسواه من المؤسسات، وتعين الأكفاء الانقياء الذين تزخر بهم البلاد، وإما أن تكون حكومة بين الحكومات الكثيرة التي تضج منها البلاد.


اللواء