العميد المتقاعد طوني مخايل-الإمبراطورية الكورونية

  • شارك هذا الخبر
Saturday, March 28, 2020


نعني بالإمبراطورية سيطرة دولة ما على مساحات شاسعة من الأراضي يسكنها شعوب من عرقيات وإثنيات مختلفة، وعادة تُحكم هذه الإمبراطورية بسلطة مركزية قوية تمتد حتى الى أطرافها، وباستثناءات يُمكن منح بعض أطرافها نوع من الحكم الذاتي، ومن مقاييس عظمتها المساحة، عدد السكان، القوة الاقتصادية وفترة الحكم...
عرفتْ الأرض إمبراطوريات عديدة منها ما ترك اثراً على البشرية ومنها ما إندثر وبقي ذكرى في كتب التاريخ، فعلى سبيل المثال ولا الحصر فإن الإمبراطورية الفارسية تميزت بنظام بريدي ولغة واحدة للإدارة والديانة الزرادشتية التي تناولت الجنة والجحيم، اما الإمبراطورية الرومانية فمن أهم إنجازاتها هو القانون الروماني الذي ترك اثراً واضحاً على المنظومة القانونية في الغرب ومن ثم اعتنقوا المسيحية وساعدوا في نشرها في ارجاء العالم، ومن ثم نأتي الى الإمبراطورية العربية-الإسلامية التي نشرت الدين الإسلامي وتجلت في فترات من حكمها بانها ليست دولة يتم فيها توارث السلطة بل يتم تداولها بناءً على المشورة، وفي الحقبة الاموية كان يساعد الخليفة ديوان المال، ديوان الرسائل، ديوان القضاة...
الإمبراطورية البريطانية تُعتبر في رأي البعض أساس العالم الحديث من حيث سلطات الحكومات الحديثة، والليبرالية، والحنكة في استعمال الأموال لتعزيز السلطة والسيطرة( غزو بريطانيا للهند تم بواسطة القبائل الهندية الذين تعاونوا مع بريطانيا مقابل رواتب منتظمة وفوائد كثيرة).
الإمبراطورية الاميركية وان لم يُطلق عليها هذا الاسم، ولكنها تُعتبر نسخة متطورة للإمبراطورية البريطانية، ففيها نشأت النيوليبرالية، والاقتصاد المعولم والعملة المحورية(الدولار) الى جانب الانترنت.
الإمبراطورية الكورونية آخر الإمبراطوريات وليست الأخيرة، تتقاسم مع بقية الإمبراطوريات بعض العوامل المشتركة كالإنتشار على مساحات واسعة، السيطرة على شعوب من مختلف الأعراق والإثنيات... ولكن بالمقابل لديها خصائص تُمَّيزها عن غيرها ومنها:
- إنها تظهر وتختفي ثم تعود لتطل من جديد في فترات تاريخية غير منتظمة وقصيرة الأمد.
- جيوشها غير تقليدية فهي نانومترية الحجم وغير مرئية.
- مصادر أسلحتها وذخيرتها من عدوها الانسان (بروتينات الخلايا).
- إستراتيجيتها العسكرية تعتمد بشكل رئيسي على الهجوم العشوائي غير المنظم.
زوال هذه الإمبراطورية مُحتم وسيكون إما بدحرها بواسطة العلم والتكنولوجيا، أو بواسطة الطبيعة والطقس، أو بكل بساطة إنسحاب طوعي لجنودها بإعتبار انها أدَّت دورها وتركت خلفها عالم يسود فيه عدم الإستقرار والخوف على مختلف الأصعدة ( اقتصادياً، سياسياً، اجتماعياً وحتى دينياً...)
والمُراقب لمجرى التطورات منذ بداية أزمة الوباء يستنتج إن الواجبات الدفاعية تجاه هذا الاجتياح تتوزع على مختلف شرائح المجتمع بكافة مستوياته الاجتماعية وتنوعاته المهنية وحصة القطاع العام من المسؤولية هي الأكبر، وكما ذكرنا سابقاً فإن من أبرز مميزات هذه الإمبراطورية الإختفاء والظهور مجدداً، وبالتالي فمن الحكمة والمنطق (التي يتباهى بهما الجنس البشري) أن يتعلم الانسان من التجارب والأحداث التي عصفت به ويحاول تفاديها مستقبلاً لذلك فإن المعركة يجب ان تُخاض على مرحلتين :
المرحلة الاولى او الآنية: تتضمن الاجراءات التي يجب على كل فرد التقيد بها( العزل المنزلي، التباعد الاجتماعي، النظافة الشخصية...)، أضف اليها التضامن البشري بين الافراد والدول بانتظار انحسار الوباء واكتشاف لقاح له.
المرحلة الثانية: هي مرحلة ما بعد زوال هذه الامبراطورية، وهي من مسؤولية الدول والحكومات ومن أهم مقوماتها:
١- التخلي عن العولمة الاقتصادية التي تعتبر الإنسان سلعة للإستهلاك وإعتماد العولمة الإجتماعية التي تُعيد للبشر قيمتهم الانسانية وتمنحهم الحق بالعيش الكريم.
٢- إستعادت الحكومات خلال هذه الأزمة دورها الإقتصادي والإجتماعي من الشركات المتعددة الجنسيات والمؤسسات المالية الدولية ويجب عدم التخلي عن هذا الواجب بعد انتهاء الأزمة كما حصل سابقاً.
٣- عدم المس بتوازنات الطبيعة والبيئة.
٤- العودة الى التعاليم الدينية(المحبة،التسامح،المساعدة...) وليس بالضرورة الى أماكن العبادة.