سماهر الخطيب- أرقامٌ مخيفة في دولنا العربية، فهل يكون الخلاص بالثقافة ؟

  • شارك هذا الخبر
Friday, February 28, 2020

لو دقّقنا قليلا بالإحصائيات الدولية حول الفقر والبطالة والأمية في وطننا العربي، لأدركنا أن وجود مثقفين ما عاد ترفا ورفاهية وانما واجبٌّ لإنقاذ ما تبقى من جسدنا العربي المفتّت والمتشظّي. لكن الفاتورة التي على المثقّف العربي دفعها ان لم يكن من المدّاحين والمتملّقين على أبواب السلاطين، باهظة جدا حتى في ما يتعلق بالبديهيات من سينما ومسرح وكتب وموسيقى وغيرها، حتى لكأن هذه البديهيات صارت من الكماليات.

اليكم الواقع بالأرقام:

تقول الإحصائيات أنّ معدلات الفقر تتزايد في البلدان العربية من المحيط إلى الخليج ففي "السعودية يبلغ معدل الفقر 12.7%، وفي تونس 15%، ولبنان 30%، ومورتانيا 30%، أما فلسطين فـ 30% في حين يبلغ معدل الفقر في قطاع غزة المحاصر 65%، ومصر 32.5 %، والجزائر 38%، والعراق 41%، ويرتفع المعدل في المغرب وليبيا ليصل إلى 45%، فيما يزداد في الأردن ليصل لـ 56%، ويقترب في سورية من 80%، وفي السودان 82%، وتتصدر اليمن قائمة الدول الأكثر فقراً بالمنطقة بنسبة 85% من عدد السكان".

من جانبه كشف "مؤشر الفقر متعدد الأبعاد لعام 2019" الذي أصدره برنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن "منطقتي أفريقيا جنوب الصحراء وجنوب آسيا تحتويان على أكبر نسبة من الفقراء في العالم، حوالي 84.5%"، وبلادنا العربية تقع في هاتين المنطقتين..

ليست الخطورة فقط بمعدلات الفقر المتفاقمة، وانما بما يرفاقها من ارتفاع معدلات البطالة الذي ينعكس على تهديد اجتماعي وثقافي، إذ تعتبر المنطقة العربية أعلى منطقة جغرافية في العالم في نسب البطالة التي تصل الى 9.81%، بينما يتمحور المعدل العالمي حول 5.38 فقط، وفق إحصائيات البنك الدولي بالتعاون مع منظمة العمل الدولية.

هنا ايضا نجد اليمن في أعلى القائمة بنسبة 60% من العاطلين عن العمل، ثم فلسطين 27.4%، وليبيا 19.2%، والأردن 18%، فسلطنة عمان 17.5%، وتونس 15.3%، فالعراق 14%، والسودان 13.3%، والسعودية 12.8%، والجزائر 10.7%، ومصر 10.6%، والإمارات 2.7%، وقطر 0.1%".

وكأنما الفقر والبطالة لا يكفيان، حتى تتربع فوقهما ايضا الأمية ، حيث أظهرت إحصائيات المنظمة العربية للثقافة والعلوم "ألكسو"، أن "معدلات الأمية في الوطن العربي وصلت الى 21في المئة" وأن "من ضمن كل خمسة مواطنين عرب هناك واحد لا يمكنه القراءة ولا الكتابة".

يُلاحظ من هذه الاحصائيات الدولية أن نسبة الأمية لدى الذكور في الوطن العربي تبلغ 14.6%، بينما ترتفع لدى الإناث إلى 25.9%، وتتراوح نسبة الإناث الأميات في عدد من دول المنطقة بين 60 و80%".

هنا يدق ناقوس الخطر في ضرورة الحفاظ على فئة المثقفين ذلك انه في حال تآكلها، لا يمكن للمجتمعات النهوض وفق هيكل اجتماعي حضاري تقدمي، وتصبح مجتمعاتنا بيئة حاضنة للجريمة والتطرف..

ما يزيد الطين بلّة أن مدننا أضاعت طريق صعودها لتنحدر في مستوى ثقافاتها؛ والتي كانت تعمّ شوارعها دور السينما ومحال الكتب والمسارح في فترة السبعينيات، فأقفلت اليوم تلك الدور "الشعبية" لتحل محلها "المولات" وبدأت الرأسمالية تسيطر على هذه الدور، وتسعّر تذاكر الحضور، ليصبح حلم الشباب الجامعي الذهاب للسينما أو المسرح أو حضور حفلة موسيقية حلماً بعيد المنال، ناهيك عن العجز عن شراء الكتب.

وفي هذا السياق ، يقول تقرير أصدرته مؤسسة "الفكر العربي" أنّ "متوسط قراءة الفرد الأوروبي يبلغ نحو 200 ساعة سنوياً، بينما لا يتعدى المتوسط العربي 6 دقائق". وبحسب إحصاءات "ألسكو" فإن "العالم العربي يصدر كتابين مقابل كل مائة كتاب في دول أوروبا الغربية"، علماً بأن هذه الأخيرة تنشر كل سنة كتاباً لكل خمسة آلاف شخص.

في حين أورد تقرير "بريندان براون"، الذي نشره موقع "غلوبال إنغليش إديتينغ" حول عادات القراءة في العالم، أن "مصر احتلت المرتبة الخامسة في ساعات القراءة أسبوعياً، فيما حلت السعودية بالمرتبة الحادية عشرة، متقدمتين على دول غربية صناعية".

هذه الإحصاءات تجعل القاعدة الأساسية الصلبة في المجتمع "رخوة" و"متزعزعة" تنعكس على واقع غير واعد، وغير قادر على بناء الإنسان، الأمر الذي يجعل المثقفين الذين يحاولون البقاء مضطرين لدفع كلفة باهظة للحفاظ على وجودهم في كواليس المجتمع.

علّمنا التاريخ الحديث ان الشعوب يُمكن ان تنتصر أو تنهزم، لكن لا شيء يُنقذ الأمم في الحالتين سوى مشاريع تستند الى الفكر والثقافة، فبلا مشروع تبقى الأوطان على شفير المخاطر، أكانت منتصرة أم مهزومة.