كمال ذبيان - لبنان ليس بحاجة لنصائح صندوق النقد بـل «لـقرار سياسي من أصحاب ضمير»

  • شارك هذا الخبر
Sunday, February 23, 2020

ليست الازمة المالية والاقتصادية ومعهما الوضع الاجتماعي المتردي، وليدة اليوم او الاشهر الاخيرة، بل هي تعود الى منتصف تسعينات القرن الماضي، وبدأت تظهر مع ارتفاع المديونية العامة وخدمتها، والفوائد العالية التي كانت تستنزف الخزينة، وتراكم العجز في الموازنة، وقد خرج معارضون للسياسة المالية والنهج الاقتصادي التي اتبعها الرئىس رفيق الحريري بعد توليه رئاسة الحكومة نهاية عام 1992، يحذرون منها، لان كلفتها ستكون عالية مستقبلاً على لبنان.
وتكشف مصادر سياسية رافقت تلك المرحلة، كيف كان بعض النواب، يعارضون سياسة رفيق الحريري المالية، ومنهم الرئيسان حسين الحسيني وسليم الحص والنواب زاهر الخطيب ونجاح واكيم ونسيب لحود وعمر كرامي وبطرس حرب، ويطالبون بنهج آخر.
فلبنان ليس بحاجة الى صندوق النقد الدولي ووصفاته ولا الى البنك الدولي ونصائحه، والى المؤسسات المالية الدولية، ولا الى مستشارين على اهمية ذلك، انما كان على الحكومات المتعاقبة ومجالس النواب صاحبة صلاحيات المساءلة والمراقبة واعطاء الثقة، ان تقوم بواجباتها، وقد تخلفت عنها، لان الكتل النيابية هي في الحكومة، فكيف ستراقبها، اذ كانت عقلية المحاصصة وتقاسم المغانم بين زعماء الطوائف، هي التي ادت الى الكارثة التي وقع فيها لبنان، كما تؤكد المصادر، اذ ما يطلبه المجتمع الدولي من لبنان في تحقيق الاصلاح، تأخر عنه عقوداً، ولم تكن المسألة متعلقة بنصائح ووصفات وافكار، بل بالتطبيق.
وما يحكى عن التوظيف السياسي في مؤسسات الدولة ومصالحها، والفائض فيها، انما يعود الى سنوات ما بعد الاستقلال مباشرة، ولم يتوقف، وكان آخر عمليات التوظيف، هو ما جرى بعد اقرار القانون 46 لسلسلة الرتب والرواتب في العام 2017، ومنع التوظيف، فجرى تسريب 5300 موظف عشية الانتخابات، وتم الاعتراف بحصول ذلك من خلال لجنة المال والموازنة وهيئات رقابية، ولم تلجأ وزارة المالية الى وقف رواتبهم فوراً، واسترداد ما قبضوه لانه مخالف للقانون، تقول المصادر، التي تشير الى ان من الاصلاحات المطلوبة من الجهات المانحة، هو ترشيق الادارة التي تضم اكثر من 300 الف موظف مع القوى العسكرية والامنية، وهو عدد ضخم مقياساً على عدد سكان لبنان، اذ دخل الى الوظائف الرسمية نحو 32 الف موظف منذ العام 2014، في وقت يوجد فائض في وزارات، وكان منها وزارة الاعلام التي تم توزيع بعض الفائض فيها على ادارات اخرى، لانه لا يجري احترام مباراة الدخول الى الوظيفة عبر مجلس الخدمة المدنية، ولان ثمة ثغرة في القانون، تسمح للوزير بالتعاقد او التعاون مع اشخاص كمياومين او عمال موسميين واساليب اخرى، فيتم حشد الاشخاص وهم تابعون لزعماء طوائف واحزاب وقوى وشخصيات سياسية، وغالبيتهم لا يحضر الى وظائفه، وقد حاول وزراء تعاقبوا على وزارة التنمية او الاصلاح الاداري، انشاء هيكلية للوظائف الرسمية، لكن محاولاتهم باءت بالفشل بسبب تمنع القوى المتحكمة بالسلطة، تحقيق هذا الاصلاح لانه يحرمها من الزبائنية السياسية، اذ ان غالبية الموظفين هم من المنتمين لاحزاب وقوى سياسية، وان الانتماء السياسي او الحزبي، هو بطاقة العبور الى الوظيفة.
والحكومة الحالية امامها، حل هذه المعضلة، واللجوء الى قرار جريء، وهو اخراج من دخلوا بطرق غير قانونية من وظائفهم، واسترداد الاموال منهم، او الجهة الحزبية والسياسية التي وظفتهم برأي المصادر، التي ترى بان الاصلاح الاداري المطروح منذ عقود، يبدأ من اعتماد المكننة وانشاء «الحكومة الالكترونية»، فينقص عدد الموظفين تلقائيا، وان كان لبنان سيشهد بطالة، لكن يمكن تعويضها باقتصاد منتج، اعتماداً على تغيير في المناهج التربوية، وكذلك في التوجه نحو اقتصاد المعرفة الذي تعتمد عليه العديد من الدول، وتشجيع الاستثمارات نحو صناعات ريفية وزراعية ومنزلية ودعمها برأسمال.
اما في شأن الكهرباء، التي هي من اسباب تراكم الدين والعجز، فان المصادر ترى الحل، بابعاد السياسة عن توليد الطاقة الكهربائية، لان سياسيين يتعاطون معها، بماذا تقدم لهم، من سمسرات سواء بالتلزيم، او باستجرار الطاقة في البواخر وعبر شركات الخدمات او في شراء الفيول، بحيث بات من يتعاطى بهذا الملف من السياسيين معلوماً، وهو ما ينطبق على جمع النفايات، كما على الخدمات في مطار بيروت، او في قضايا هدر وفساد اخرى.
وانقاذ لبنان من القعر الذي وقع فيه، وانتشاله منه، ليس بحاجة لوصفات من صندوق نقد او بنك دولي، او شركات مالية وخبراء، لان كل لبنان يعرف الداء والدواء، وان المنتفضين في الشارع، يطالبون بمحاربة الفساد الذي لا يكون الا بقضاء مستقل، واخراج السياسة من الادارة، وتفعيل عمل هيئات الرقابة، وكلها عناوين معلومة، ويجري التداول بها من هم في السلطة، كما من المعارضين والمتظاهرين، اذ المسألة تتعلق، بشعار وحيد يجب العمل به باننا في لبنان لسنا بحاجة الى خبير بل لصاحب ضمير، اي الى اخلاق وقيم ومناقب، ضاعت من المجتمع الذي ينتج حكامه وسلطته، بحيث تبقى الاولوية لبناء الانسان في لبنان، وهذا ما لجأ اليه حكام كانوا قدوة في القيادة.