العميد المتقاعد طوني مخايل- المقاومة الاقتصادية

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, February 18, 2020

سِمة المقاومة ملازمة للإنسان اللبناني منذ سنين طويلة، بدأت مع طبيعة الأرض اللبنانية الجبلية بأغلبيتها التي حتَّمت مقاومتها بالإرادة الصلبة وقساوة العيش لإستصلاحها وزراعتها،
أضف اليها المقاومة العسكرية لمختلف الجيوش التي غزت لبنان القديم والجديد، فغدت المقاومة عند اللبنانيين نهج حياة تبنوه ليؤمنوا مستلزمات صمودهم وبقاءهم في هذا الوطن.
تعددت المقاومات عند اللبنانيين بتعدد أعدائهم، فكانت لكل فئة لبنانية مقاومتها وعدُّوها، ولم يتفق اللبنانيون الا في مطلع التسعينات على إن العدو الإسرائيلي هو العدو المشترك، ولكنهم إختلفوا على طريقة محاربته، فمنهم من نادى باستعمال السلاح ومنهم من فضَّل الأسلوب الدبلوماسي، وهذا الإختلاف كان احد الأسباب في زيادة الشرخ السياسي بين الأطراف اللبنانية.
هذا فيما خص المقاومة العسكرية الحالية في لبنان، فماذا عن المقاومة الاقتصادية الذي نادى بها الرئيس عون في الأشهر الاولى من سنة ٢٠١٩ وضرورة إنتقال الشعب اللبناني ليكون شعب مقاوم" يأكل مما يزرع، ويمتنع عن شراء المنتوجات الأجنبية..."وعلى جعل هذه المقاومة الحصن المنيع للاقتصاد الوطني للوقوف في وجه العقوبات والضغوط التي يتعرض لها، هل كانت هذه الدعوة مؤشر او إنذار للحالة التي وصل اليها لبنان، وماذا عن دعوة أمين عام حزب الله السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير الى مقاطعة البضائع الاميركية فهل هي بداية معركة المقاومة الاقتصادية؟
بتحليل عوامل القوة التي يتمتع بها لبنان اقتصادياً من ناحية إمتلاكه للموارد والطاقات الاولية وبنية اقتصاده التي تقوم على القطاع الخاص بنسبة تزيد عن ٧٥٪‏ وقدراته الصناعية، التجارية والزراعية وحاجاته للعملات الصعبة لتأمين المتطلبات الأساسية للمقاومة( الغذاء، الدواء، المحروقات)، يُمكننا الإستنتاج على ان المعركة ستكون قاسية جداً، دون إغفال العامل الأهم في هذا الصراع القادم إلا وهو الإنقسام العامودي والافقي بين اللبنانيين لناحية هوية العدو الجديد وكيفية مقاومته.
فئة من اللبنانيين تُعلن إن الحالة الاقتصادية والمالية المتردية التي وصل اليها لبنان أسبابها داخلية فقط، وقد جاءت نتيجة السياسات الاقتصادية المعتمدة منذ عشرات السنين والفساد المستشري في الإدارة العامة على كافة مستوياتها، ونهب المال العام والمخرج الوحيد من هذه الأزمة هي مقاومة سياسية قضائية تعمل على محاكمة الفاسدين وإسترداد الأموال المنهوبة فعلياً وليس اعلامياً، اما الفئة الثانية ومع الإعتراف بأهمية هذه الأسباب، إلا أنها تُضيف اليها العامل الخارجي الذي يعتمد الضغط الاقتصادي والمالي لأسباب سياسية، هدفه إضعاف العهد ومحور المقاومة وإجبارهما على الرضوخ للإملاءات الاميركية ومن خلفها العدو الاسرائيلي فيما خص الحدود الجنوبية ومستقبل الغاز والنفط في المياه الإقليمية اللبنانية، لذلك هي تدعو إضافة الى الإصلاح الداخلي للمقاومة الاقتصادية في وجه الخارج.

الركيزتين الاساسيتين لنجاح المقاومة الاقتصادية بغض النظر عن الامكانيات الاقتصادية المتوفرة هما: القيادة الصالحة والحكيمة، والتكاتف الشعبي بمختلف شرائحه، فعند الحديث عن النضال الاقتصادي فهذا يعني شد الأحزمة، التعديل في نمط العيش، التخفيض من مستوى الإستهلاك الذي إعتاد عليه اللبنانيون منذ عشرات السنين، فهل اللبنانيون جميعهم جاهزون لهذا النوع من التغيير أم إن هذا الأمر سيزيدهم انقساماً وبالتالي ضعفاً، هل يثقون بأهل السلطة لقيادتهم في هذه المعركة والشريحة الأكبر من اللبنانيين يحملونهم مسؤولية تردي أوضاعهم، والسؤال الأهم هل القيادة اللبنانية وممثليهم في الحكم على استعداد ليكونوا قدوة لشعبهم في هذه المعركة، هل هم قادرين على الاقل لتنفيذ هذه الدعوات " نأكل مما نزرع" و " مقاطعة البضائع الاميركية"؟