ميشال جبّور: الشعب... من سيلتفت إليك يا شعب لبنان؟

  • شارك هذا الخبر
Sunday, February 16, 2020

لا يخفى على أحد ومنذ اللحظة الأولى أن الأزمة المالية والإقتصادية التي تعصف بلبنان إنما أسبابها ومسببيها هم من أركان الداخل أكثر منهم من الخارج.
الدولار مفقود من السوق ويتحكم الصرافون برقاب من يحتاج الدولار، حتى أن الصرافين يملكون من الدولارات أكثر من المصارف وهذه عجيبة تضاف الى عجائب الدنيا السبعة وما هو إلا تقاعس متعمد من مصرف لبنان وبأس شرس لزيادة الأرباح من الصيارفة المرخص لهم وغير المرخص لهم وبغض النظر عنهم من قبل جمعية المصارف والمصرف المركزي، أقل ما يقال، يُذبح المواطن ويموت ألف ميتة كل يوم أمام أبواب المصارف.
أكثر ما يؤلم هو تعميمات من المصرف المركزي يواكبها أصحاب المصارف، تعميمات مجحفة بتخفيف الفائدة للمودع الذي وضع جنى عمره في أمانة من لا يحترم الأمانة، والمؤلم أكثر هو عدم إنقاص الفائدة على المقترض الذي بات يرزح تحت أضعاف أضعاف الأعباء التي أصلاً فرضتها عليه المصارف التي دائماً تظهر وكأنها مغبونة بينما هي تمص دم المقترض والمودع صباحاً ومساءً.
حاكم مصرف لبنان يدير الأذن الصماء لمواجع الناس ورئيس جمعية المصارف أثبت أنه ليس رجل المرحلة، تطمينات على المنابر الإعلامية ومن ثم قرارات وتعميمات جوفاء وخشبية بحق الناس الموجوعة... أما الدولة، فكما يقال باللبناني أين هي هذه الدولة، لا وزارة مالية تحركت ولا وزارة اقتصاد انهزت من أجل خير الشعب المتروك بين براثن المصارف والصيارفة وغلاء الأسعار، الشعب بات يدمي من قساوة الأسعار وجيوبه أصبحت فارغة وتدمي بدورها.
إلى أين نحن ذاهبون؟ قالتها أهم الرجالات ولم تلقى آذان صاغية لأن من في الأعلى لا يشعر بمن في القعر، من في الأعلى لم يعرف يوماً ثمن ربطة الخبز وبالطبع لن يشتاق لطعمها مثل من في القعر، ولم يعد في لبنان من طبقة ميسورة ترفد الإقتصاد ببعض الإنتعاش لأن السياسات المالية وتلك التي يسمونها الهندسات المالية انعكست افقاراً للناس وتحجيماً لقدراتهم الشرائية وكأن كل ما يهم السلطة والمصارف هو عصر جيوب الناس إلى آخر قطرة.
الرواتب فقدت أربعين في المئة من قيمتها وما زال حاكم مصرف لبنان مكتف الأيدي وبجانبه جمعية المصارف يشاهدون ويتلذذون بمفاعيل الكابيتال الكونترول المقنع الذي يمارسونه وربما يتحضرون للهيركات عبر التفافهم مثل العادة على التطمينات، بالامس كانت الليرة بألف خير أما اليوم فأصبحت في خبر كان، والدولة بكل كوادرها تتفرج عاجزة بدل أن تبادر إلى حماية الشعب.
حقق الصيارفة أرباحاً طائلة وما زالوا لأنهم على ما يبدو لديهم غطاء سياسي ومصرفي، تواطئ ثلاثي الأبعاد والضحية ذلك المواطن الذي أودع كل ما يملكه وسلّم رقبته لمقصلة المصارف.
واليوم بدأ الحديث عن تولي صندوق النقد الدولي لزمام الأمور، أي أنهم يريدون تسليم البلد لوحش سيكسر عظام الناس ويقتات على أواخر مقدرات الدولة، خوف مهول من كلمة صندوق سيبتلع مالية الدولة ويعيد العملة الوطنية إلى نصف ما هي عليه من قيمة، وكأنهم لا يعرفون أنه متى سلّموا الدولة الى ذلك الصندوق يكونوا قد خانوا كل أمل فيهم وكل من وثق فيهم يوماً لكي يوصلونا إلى بر الأمان الذي يتحفوننا به كل يوم كفرض الصلاة، بل والأسوأ المرير إطلالة اليوروبوند، مستحقات اليوروبوند،فالدولة عاجزة عن تسديدها إلا من جيوب المودعين وهذا أمر مفروغ منه، فبلحظة تردد من الدولة خوفاً منها ليس على الشعب بل على مظهرها وسمعة الحكام أمام الناس، أتت جمعية المصارف لتقنعها بضرورة دفعها، فبعد أن اشترى المحميون من السلطة سندات اليوروبوند بأبخس الأثمان يريدون جني الأرباح الطائلة على حساب المودعين،سرقة موصوفة وتواطؤ مثل العادة، وكأن اليوروبوند أصبح أهم من الشعب الكادح الذي على أكتافه ألف عبء وعبء، وجمعية المصارف بنصائحها الملتوية تبث سمومها في آذان من يحتكم لها من المسؤولين وعلنا لا نخطئ القول إن قلنا أن جمعية المصارف هي الدولة بقلب الدولة وأقوى ربما من الدولة، وبالوقت نفسه يتم التعتيم على من ينادي بضرورة إعادة هيكلة وجدولة الدين العام لإعطاء فرصة للشعب لإلتقاط أنفاسه، وكأن أركان هذه الأزمة يريدون الإنقضاض على الوطن ومؤسساته لكي يملاؤا خزاناتهم إلى آخر فلس في جيوب الناس وتطبيق أجنداتهم الخارجية في الداخل لكي يتسنى لهم التصفيق لبعضهم على طاولة صفقة القرن، الحكام يأكلون الحصرم والشعب يضرس،فأين من يلتفت إلى الشعب من كل هؤلاء الذين يتبجحون بحبهم للبنان وشعبه.