العميد المتقاعد طوني مخايل - اللعبة الإسرائيلية

  • شارك هذا الخبر
Friday, February 14, 2020

إضافة الى العقيدة الصهيونية التي تُركز على القوة والقتال لتحقيق الأهداف،عاشت إسرائيل منذ قيامها في ظل ظروف عسكرية غير مستقرة وضمن محيط جغرافي يتهدد وجودها، هذا ما أعطى مؤسستها العسكرية تأثيراً مميزاً في تحديد السياسات والاهداف العليا للدولة بخلاف كل الدول الديموقراطية البرلمانية التي تقوم مؤسساتها الدستورية المدنية بذلك، وتنامى دور هذه المؤسسة ضمن السلطة السياسية للكيان الإسرائيلي حتى قيل في الماضي "ان إسرائيل جيش له دولة، وليست دولة لها جيش" ونتج عن ذلك حُكماً تنامي طموح الضباط الكبار لترسيخ هذا المناخ والسعي الى تبؤ مناصب سياسية وحزبية بعد التقاعد.

تدل الإحصاءات ان ما يزيد على ٢٠٪‏ من كبار الضباط المتقاعدين يتجهون الى العمل السياسي وقد تولى عدد كبير منهم مراتب بارزة في السلطة السياسية والحزبية( ٣ رؤساء مجالس وزراء كانوا ضباطاً في الجيش، حالياً ١٣ من اصل ٢٠ رئيس اركان سابق هم أعضاء في الحكومة والكنيست ).

هذا التعاظم في النفوذ للمؤسسة العسكرية في مفاصل السلطة السياسية الإسرائيلية الناتج عن الوضع العسكري والأمني المضطرب، شجع المنظومة العسكرية على الاستثمار في هذا المناخ وخلق حالة من لا حرب ولا سلم، فالحرب الشاملة ربحاً كانت أم خسارةً ستضعف من أهمية الجيش وتأثيره، وهذا ما يُمكن إسقاطه على حالة السلام الدائم، وقد سعت السلطة السياسية ومن خلفها البصمات القوية للسلطة العسكرية لجعل هذا الجو من اللاستقرار مسار سياسي واقعي تتعامل من خلاله مع أعدائها وخاصة الفلسطينيين وبالتالي تعزيز هذا النفوذ والتأثير، ومن العوامل التي ساعدت على إمكانية تبني هذه السياسة الرمادية هو زوال الخطر الوجودي لإسرائيل بعد توقيعها اتفاقية سلام مع كل من مصر ١٩٧٨ والأردن ١٩٩٤ والأوضاع الداخلية لسوريا خاصة والدول العربية عامة.

بدأ هذا المسار يأخذ خطواته العملية حين باشرت إسرائيل منذ مؤتمر مدريد للسلام عام ١٩٩١وصولاً الى ما يسمى بصفقة القرن الى تقديم إتفاقيات للفلسطينيين(أوسلو الاولى ١٩٩٣،غزة-اريحا ١٩٩٤، أوسلو الثانية ١٩٩٥، واي ريفر ١٩٩٨، جنيف٢٠٠٣، انابوليس٢٠٠٧... ) من خلال دول وسيطة، عناوينها الرئيسة المُعلنة إقامة دولة فلسطينية تتمتع بحكم ذاتي وإعطاء الفلسطينيين كامل حقوقهم السياسية والاجتماعية ولكنها تتضمن بين بنودها مطالب وقيود مشروطة ومحبوكة بصورة ممتازة بحيث تكون دوماً تحت سقف مقررات المبادرة العربية للسلام التي أُعلن عنها في بيروت عام٢٠٠٢ وبذلك تأتي ردات فعل الطرف الفلسطيني وفقاً للمطلوب، إلا وهي الرفض والإصرار على الحقوق كاملة يرافقها عمليات أمنية صغيرة( عبوة ناسفة، صاروخ...)، تظاهرات وإحراق للأعلام الإسرائيلية، فتتظهر الصورة للرأي العام الدولي على إن الاسرائيليين يريدون السلام في المنطقة والذي يعارضه هم الفلسطينيين وحلفائهم من الدول العربية وغيرها، وكانت إسرائيل تعمد في الفترات الزمنية الفاصلة بين الاتفاقيات الى ضم أراضي جديدة وإقامة مستوطنات وشق طرقات استراتيجية وبناء جدران امنية (٦ جدران) تعزز من سيطرتها وسلطتها وتمنع قيام دولة فلسطينية متواصلة جغرافياً، هذا المد والجزر في الاستراتيجية السياسية الإسرائيلية تجاه القضية الفلسطينية كما ذكرنا، بدأ منذ عقود وسيستمر الى مستقبل يصعب تحديد توقيته، فلا إسرائيل والقيادة العسكرية العليا يريدون السلام الشامل وحل القضية الفلسطينية بصورة نهائية ولا الفلسطينيين ومن معهم قادرين على فرض السلام وإقامة الدولة الفلسطينية وفقاً للمبادرة العربية.

بعض الأمثلة على هذه السياسة:
- مجزرة الحرم الابراهيمي عام ١٩٩٤ على يد مستوطن متطرف بالتواطؤ مع عناصر من الجيش لإفشال اتفاقية أوسلو.
- اغتيال إسحق رابين عام ١٩٩٥الذي لعب دوراً اساسياً في معاهدة أوسلو وحاز على جائزة نوبل للسلام، على يد متطرف آخر وقد قيل الكثير عن تواطؤ المؤسسة الأمنية الإسرائيلية بالعملية" الشاباك".
-٣٠٠ ضابط إسرائيلي يرفضون صفقة القرن.