ليلى حاطوم _ لعلّه… خير

  • شارك هذا الخبر
Thursday, January 16, 2020


الشارع العام أمام "ثكنة الحلو“ في العاصمة اللبنانية بيروت، تحوّل مساء الأربعاء إلى مشهد سريالي تُمطر فيه الحجارة والقنابل المسيلة للدموع وكأنك تعيش مواجهات في الضفة الغربية.

يُراشق المتظاهرون القوى الأمنية بالحجارة والمفرقعات والزجاجات وحتى قنابل المولوتوف، فيما تتحصن عناصر قوى مكافحة الشغب والأمن الداخلي عند زاوية مبنى قريب.

يشعر بعض ”المتظاهرين“ بالشجاعة فيتقدمون ناحية القوى الأمنية، التي سرعان ما تتحرك باتجاههم فتمسك واحداً أو إثنين وتسحبهم متراجعة نحو الثكنة.

مزيد من المعتقلين ينضمون لقافلة من المحتجين الذين تم حجزهم ليل الثلاثاء في إثر مشاركة بعضهم في أعمال تخريب واسعة طاولت أملاكاً عامة وخاصة، منها واجهات المصارف وآلات السحب والإيداع النقدي.

الوضع غير مُطَمئِن. عمليات الكر والفر استمرت حتى وقت متأخر من ساعات الليل.
المحتجون يرفضون الانسحاب حتى إطلاق سراح زملائهم وزميلاتهم، وقوى الأمن ترفض الإذعان لضغط شارع متفجر يتحرك بعاطفة الغضب والرسائل التوجيهية.

يُقال، ويقولون إنهم يحتجون على الأوضاع المعيشية الصعبة وكأن أعمال التخريب ستُصلح الوضع العام.

لعلّ تكسير واجهات المصارف، والإشارات وحرق الإطارات وإطلاق الشتائم والاعتداء على العناصر الأمنية هي ”فشّة خلق (غليل)“ من الفقير بوجه من يعتبرونه أنه احتجز أموالهم وتلاعب بسعر صرف الليرة.
ولعلّ قيام وزارة الداخلية باتباع سياسة الكيل بمكيالين وتوقيفهم هم فيما ترفض توقيف متظاهرين في مناطق أخرى، من وجهة نظر المحتجين، ساهم بحالة النقمة الشعبية.

ولعلّها التحريضات المستمرة من حسابات أحزاب فتيّة وإعلام متحمّس (كي لا أقول متواطئ)، وسياسيون غب الطلب، تسببوا في حقن وتفجير غليان مجموعات المواطنين التي تخرب بإسم الشعب.


ولعلّ الأمر أوسع من هذا بدرجة ويهدف للتصويب على رئيس الوزراء المكلّف حسّان دياب الذي من المتوقع أن يُعلن عن تشكيل حكومته المرتقبة في غضون أيام معدودة.

هناك أحزاب أرادت لدياب أن يفشل في التأليف، وأن يقدّم استقالته، كونه أصرّ أنه لن يسمح بتوزير وزراء سابقين، ولا نواب حاليين، ولا حزبيين غير مختصين.
عِلماً أن مصادر تلّة الخياط (مقر سكن الرئيس المكلّف في الوقت الراهن)، تُشير إلى أنه لم يُرد حتى توزير تكنوقراط من الأحزاب.

كانت العرقلة بداية حول عدة حقائب، وحصص. اعتقدت جميع الأحزاب أن باستطاعتها قولبة فكر دياب والضغط عليه ترغيباً وترهيباً من أجل القبول بأسماء مرشحيها.

دياب، المعروف بعناده على ما سمعت، رفض التنازل عن الشروط التي وضعها للوزراء الذين سيعمل هو معهم، ويأمل أن يساعدوه بخبراتهم من أجل تحقيق استقرار سياسي لهذا الوطن الذي يُعاني من كتلة أزمات أقلّها أزمة الثقة داخلياً وخارجياً.

هذا الرفض أدّى لتأخير إعلان الحكومة الذي كان من المفترض أن يكون مطلع العام الحالي.

ولعلّ المانع كان خيراً.

فبعدما كان رئيس أكبر كتلة نيابية مسيحية، جبران باسيل، يتحضّر لإعلان عدم المشاركة في الحكومة يوم الثلاثاء — بسبب ما يصفه البعض بـ ”تعنّت“ دياب لناحية رفضه وزراء تكنوقراط في حال كانوا منضوين ضمن أحزاب— خططت بعض الأحزاب لاستغلال إعلان باسيل، واستباقه عبر القيام باحتجاجات صاخبة تبدأ من الثلاثاء.

فمنذ أسبوع وحتى اليوم كانت تحركات وتغريدات المتحزبين داخل الحراك في لبنان في فضاء وسائل التواصل الاجتماعي تُشير إلى التصعيد. بعض أتباع الأحزاب الحديثة العهد التي نشأت خلال الانتخابات النيابية الماضية كانوا الأكثر شراسة في تغريداتهم وتحريضهم وتحركاتهم على الأرض من خلال ما ينشرونه من فيديوهات وصور.

ولم يكن هناك مانع لدى بعضهم إن أدّى ذلك إلى خراب و/أو سقوط ضحايا لإحداث ضغط هائل على دياب للاعتذار عن التأليف.

لكن أتى اجتماع رئيس مجلس النواب وحركة أمل الأستاذ نبيه برّي بوزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال ورئيس التيار الوطني الحرّ جبران باسيل يوم الثلاثاء لتعويم دياب بأنْ: ألّف حكومتك، وسنعطيك الثقة في المجلس النيابي بناءً لبيانك الوزاري، و بِغَضّ النظر عمن سيتم توزيره.

هذا الإعلان الذي لا يمكن استثماره لتأجيج الفتنة ساهم في تسريع تشكيل الحكومة، التي خضع ويخضع رئيسها المكلّف لضغوط سياسية وضغوط من الشارع.
تُرِك الأمر للمجموعات على الأرض في الهجوم والتخريب ليس فقط في بيروت، بل أيضا في مناطق متفرقة ومنها البقاع.

وتزامن الأمر مع عودة رئيس حكومة تصريف الأعمال سعد الحريري إلى لبنان، والذي، على ما يبدو، يأمل في عودة سياسية في حال فشل دياب، بالرغم من أنه يقول إنه سيعطيه ”فرصة“.

وسرعان ما اتخذت الاحتجاجات صبغة طائفية، حيث عمد العشرات للقيام بأعمال تخريب وإطلاق الشتائم والشعارات البذيئة ضد الطائفة الشيعية ورموزها.
وتناقل الأمر حسابات على وسائل التواصل الاجتماعي لكنها فشلت في محاولة جر الشارع إلى اقتتال طائفي سنّي شيعي.
وفشلت الفتنة المذهبية حتى لحظة كتابة سطور هذا المقال، والسبب يعود إلى السيطرة التي فرضتها أحزاب الثنائي الشيعي على أتباعها.

وبدلاً من التزام الحنكة لمن هو في موقع الرئاسة، قام الحريري باستغلال الوضع لتأجيج الشارع.
فبعد اجتماعه مع حاكم المصرف المركزي رياض سلامة يوم الأربعاء، أطلق الحريري رصاصة اشعلت فتيل الشارع برفضه إقالة سلامة؛ بل وحتى قام بالتبرير له والدفاع عنه، وتحميل تيار سياسي مناوئ كل أخطاء السلطات المتعاقبة منذ العام ١٩٩٠ وحتى اليوم.


ولعلّ أحداث اليومين الماضيين تُساهم أيضاً في ولادة الحكومة ولو قيصرياً، لأنه حتى تاريخ كتابة هذه الكلمات، لم تكن التشكيلة الحكومية جاهزة بالكامل.
ولعلّ المانع خيراً فنرى وزراء جدد، أكفّاء، تكنوقراط في الموقع الصح، وبغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية.