سامر كبارة - إمضِ يا سعد بالسياسة النظيفة

  • شارك هذا الخبر
Friday, December 6, 2019

لبنان، قام منذ ولادته على تفاهم مسلم مسيحي يعزّز المساواة بين المواطنين، ولقد مرّ هذا النظام في مراحل مفصلية أهمها الحرب الأهلية عام 1975، وصولاً الى اتفاق الطائف الذي لم يطبّق من بنوده سوى الانسحاب السوري في مرحلة لاحقة، وما كان ليحصل لولا «ثورة الأرز»، ولكن ماذا عن إلغاء الطائفية السياسية؟ وتطبيق اللامركزية الإدارية؟ وإنشاء مجلس شيوخ وجعل لبنان دائرة واحدة؟

مما لا شك فيه أنّ الانتفاضة التي يشهدها لبنان، والمُعمّدة بالنفس الشبابي «الثائر»، تعود بذورها الى أول انتفاضة سَطّرتها المقاومة عام 2000، لتليها الانتفاضة الثانية التي أدّت إلى انسحاب الجيش السوري. لذلك يمكن اعتبار ما يحصل اليوم تطوراً واضحاً في فكر كل لبناني حر كسر العبودية السياسية المفروضة عليه منذ 30 عاماً.

ولكن ألم يحن الوقت ليكون للحراك قياديون أكفّهم نظيفة، قادرون على تمثيل مطالب الشعب المحقة؟

منذ عام 2005 وهذا النظام عاجز عن إدارة البلد بتعدد مشكلاته من فساد وهدر ومناصفة ومثالثة، وعاجز أيضاً عن المراقبة والمحاسبة، فلم يستطع إنتاج معارضة وموالاة، ودمّر مؤسسات الدولة، وفي المقابل وصلنا الى مراحل التسوية الإقليمية وترسيم حدود الموارد من نفط وغاز، والتي لا يمكن الاستفادة منها إلا بتسوية إقليمية.

محلياً، تم انتخاب رئيس للجمهورية حليف لـ«حزب الله»، وتعيين رئيس لحكومة يسيطر عليها «حزب الله»، ما يناقض ما يجري على مستوى التوزيع والترسيم في ملف النفط!

المعادلة الإقليمية بسيطة، وسلاح المقاومة غير مطروح طالما أنه يؤمن مصالح روسيا وأميركا وتركيا في المنطقة، وغير ذلك ستعمّ الفوضى في البلاد... والقرار النهائي يقتضي باعتبار مفاده «السلاح أغلى من المال».

اليوم نحن أمام خيارين، إمّا تأسيس الجمهورية الثالثة ضمن نظام لا طائفي وفدرالي كالإمارات العربية، أو تطبيق اتفاق الطائف ببنوده الأساسية للمحافظة على الجمهورية.

إنّ المنظومة الاقتصادية التي وضعها الشهيد رفيق الحريري والتي تتحمل أعباءها الطبقة السياسية التي حكمت لبنان باتفاق سوري-سعودي حتى عام 2005 يجب دحرها، إذ انها أنهكت الطبقة المتوسطة وكبّدت لبنان حوالى 10 مليارات دولار هدراً وفساداً، إضافة الى 7 مليارات دولار عجز الدولة سنوياً.

وفي السياق، هناك احتكار منظّم يقضي بمنع إعطاء رخص للمصارف بهدف ضرب القطاع الاقتصادي والمالي، وهذا ما يجب كسره وفتح باب استثمار الرخص المصرفية.

كما أنّ العديد من القطاعات، بدلاً من ان تشكّل نموذجاً للاقتصاد الحر، تعمل كـ»مونوبولي» وتتحكّم بالسوق، وهي تتمثّل بقطاعات الخلوي والنفط واستيراد المواد الغذائية... وبالتالي، يجب دحر هذا النظام ووضع أسس لضبطه انطلاقاً من تطبيق «اللامركزية الإدارية»، التي تنصّ على أن يكون لكل قضاء ضمن كل محافظة موارده وخدماته ومرافقه الخاصة ونظامه الضريبي الخاص، مع الإشارة الى أنّ ملف النفط والغاز يجب فصله عن وزارة الطاقة وإنشاء مجلس صندوق استثماري خاص به.

نحن مقبلون على مرحلة نفطية، وبالتالي يجب وضع معايير لإدارة الغاز الطبيعي في كل المناطق، والجمهورية الثالثة يجب أن تقوم على العدل في توزيع الموارد على المحافظات بحسب ما تملك كل منطقة. فلكل محافظة دور اقتصادي يُحدّد حسب الموارد والموقع الجغرافي ضمن منظومة ضرائبية وسوق حرة، ما يعطي كل محافظة امتيازاً اقتصادياً خاصاً بها، وتُوَزّع الواردات والضرائب بحسب عدد السكان والإنتاج، فينتج من ذلك ضريبة القضاء وضريبة الدولة.

مما لا شك فيه أننا شعب غير طائفي نتشارَك أصغر التفاصيل وأكبرها في بلدنا، إلّا اننا مناطقيون لجهة توزيع الموارد والضرائب والخدمات... لهذا علينا بناء نظام يحقق المساواة بين الجميع، والمسؤولية تقع على عاتق الجميع من سياسيين ومواطنين، فالتغيير لن يتحقق إلا ضمن المشاركة في القرار، وبخطة تنفيذ تبدأ من صناديق الاقتراع وليس من الشارع.

لنسأل سمير جعجع هل انت مع الانتفاضة وتؤيدها علناً؟ وما هي مطالبك بالاشتراك مع الشارع المسيحي بعد 17 تشرين الأول؟ وهل تعتبر أنّ مشروعك هو جسر عبور الى الدولة؟ وهل أنت مع إلغاء الطائفية السياسية وتطبيق اللامركزية الإدارية؟

لقد دفن بشير الجميّل صيغة 43 في ثورته عام 1975، ولكنه أصبح رجل دولة بامتياز حين انتخب رئيساً للجمهورية ونادى بالمناصفة، وبعدم إقامة سلام مع إسرائيل قبل أن يكون هناك إجماع وطني على ذلك، فهل تريد يا سمير جعجع أن تكون بشير 1975 أو بشير الجميّل رجل الدولة بامتياز؟

ولنتوجّه الى وليد «بك» الذي كان يقول قبل الحراك إنّ الاميركيين تخلّوا عن الأكراد في سوريا، فمن نحن مقارنة بالأكراد؟ ما بين فكر كمال جنبلاط الوطني والمطلبي المعيشي وبين الارتهان للخارج آن الأوان يا وليد «بك» وبعد هذه التجربة في السياسة أن تضع لبنان والمؤسسات أولاً، وأن تكون واضحاً في موقفك فلعبة الأمم لن تنتظر أحداً.

وسؤالي للرئيس سعد رفيق الحريري: ألم يحن الوقت لتتحمل المسؤولية التاريخية وتمضي بحلم رفيق الحريري؟ فكل مرحلة لها أدواتها ومنظومتها الاقتصادية، وأنت قادر على القيام بذلك إذا أردت، ولتبدأ بمحاسبة الفاسدين في بيتك الداخلي، وهذا ما يجب أن تفعله كل الأحزاب، وسبق أن قلتها لك في آخر اجتماع بيننا «هذه المرة الناس انتخبت سعد الحريري وليس سعد رفيق الحريري». لا يمكن القول إنّ أزمة مالية تواجهك في الوقت الذي تمتلأ جيوب من حولك جرّاء الفساد والسمسرة.

جمهورك لا يريد التخلي عنك، فامضِ يا سعد بالسياسة النظيفة وخذ لبنان الى بر الأمان، يمكنك كسر منظومة الفساد وطرح قوانين إصلاحية، ولتكن هذه القوانين شروط الحكومة الجديدة وليس شكلها أو تسميتها!

ولنحذر التعطيل وعرقلة الحلول عبر إقفال الطرق، كما حصل أمام مجلس النواب، فلعبة الشارع تترجم بالتفاوض لا بالتخريب.


الجمهورية