طوني بولس- هل يتحول لبنان من "سويسرا الشرق" إلى "فنزويلا الشرق الأوسط"؟

  • شارك هذا الخبر
Monday, December 2, 2019

يتهافت اللبنانيون في مثل هذه الأوقات من كل عام على الأسواق التجارية للتبضّع والاستعداد لمناسبتَيْ عيد الميلاد ورأس السنة، إلاّ أنّ هذا العام يبدو مختلفاً، إذ حلّ شبح الانهيار الاقتصادي ضيفاً ثقيلاً ليزيد منسوب القلق والخوف بين المواطنين، فتراهم يتهافتون على الأسواق لتخزين ما تيسّر من مواد غذائية وسلع أساسية قابلة للتخزين، خوفاً من الأسابيع والأشهر المقبلة التي باتت تخفي الكثير من الحذر، وأعادت إلى أذهانهم الأخبار التي سمعوها والأحداث التي درسوها في كتب التاريخ عن المجاعة التي ضربت لبنان خلال الحرب العالمية الأولى وقضت على ثلث الشعب.



غرفة "المؤن" تتصدر المنازل


وفق مراقبين، فإن بيوت اللبنانيين باتت عبارة عن مستودعات للمواد الغذائية والسلع الاستهلاكية، وعادت غرفة "المؤن" إلى الظهور من جديد التي كانت تضم عادةً ما تيسر من حبوب ومربيات وطحين وعشرات أنواع المواد الغذائية، لتُضاف إليها في الأزمة الراهنة المعلبات وأنواع أخرى قابلة للصمود لأشهر عدّة. ويقدر خبراء أن حجم الأموال التي أنفقها اللبنانيون للتموين الاحترازي، خوفاً من فقدان السلع في الأسواق بحوالى 1.2 مليار دولار خلال الأشهر الثلاثة الماضية.


في كل بيت صيدلية

ويوضح مراقبون أن هواجس اللبنانيين لم تقتصر على تأمين المواد الغذائية فقط، بل تخطتها لتشمل الخوف من فقدان الأدوية من الصيدليات أيضاً، بخاصة بعدما دقّت نقابة الصيادلة وبعض المستشفيات ناقوس الخطر إزاء احتمال انقطاع أنواع كثيرة من الأدوية، فتهافت اللبنانيون عليها وخزّنوها في الصيدليات المنزلية، خصوصاً الذين يشكون من أمراض مزمنة.
وكان نقيب الصيادلة غسان الأمين حذّر من فقدان الأدوية التي لا بديل لها بعد شهر أو شهرين، شارحاً أن أزمة الدولار أثّرت في مستوردي الدواء من دون أن تنعكس ارتفاعاً في أسعاره.


تراجع الثقة بالمصارف

ويشير المراقبون إلى أن حالة الهلع الاقتصادية انعكست أيضاً على تراجع ثقة المواطنين بالمصارف الذين عمدوا إلى الاحتفاظ بمدخراتهم النقدية، لا سيما تلك التي يملكونها بالدولار، في منازلهم. وقدّر وزير الاقتصاد في حكومة تصريف الأعمال منصور بطيش أن "هناك 4 مليارات دولار سُحبت من المصارف إلى المنازل منذ شهر سبتمبر (أيلول) الماضي، وهي تشكل 3 في المئة فقط من قيمة الإيداعات في المصارف"، في وقت تستمر هذه الأخيرة بوضع قيود مشدّدة على العمليات المالية للحد من السحب بالدولار الأميركي، بهدف حماية الودائع والحفاظ على التوازن الاقتصادي.
ويعتقد المراقبون أن تلك القيود ستزداد حمايةً للنقد والاقتصاد الوطني، في ظل الهوة التي باتت كبيرة جداً بين سعر الصرف الرسمي وسعر الصرف لدى المصارف والتي باتت بهامش الـ 30 في المئة، ما يؤدي الى استنزاف قدرة المواطنين الشرائية.


إفلاس غير معلن؟

أمام هذا الواقع، يتخوف خبراء اقتصاديون أن يكون لبنان أمام حالة إفلاس غير معلنة، بحيث وصلت الأمور إلى مرحلة أصبحت الدولة تعيش فيها على حساب مصرف لبنان بالكامل وهو أمر غير مقبول في الأسواق المالية، معتبرين أن ما زاد الاعتقاد بأن لبنان على شفير الإفلاس هو التقرير الذي صدر عن "معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى" والذي طرح سيناريو إنشاء "حكومة موالية لحزب الله" وأهم استنتاج فيه إفلاس لبنان نتيجة العزل الأميركي، ليُصبح بحسب التقرير "فنزويلا الشرق الأوسط".
وما يزيد من حالة الهلع، التقرير الصادر عن وحدة الأبحاث التابعة لـ"بنك أوف أميركا" الذي يشير إلى أن المصرف المركزي اللبناني قد يواجه أزمة سيولة في منتصف عام 2020، إذا استمرت حالة الشلل السياسي والأزمة المالية وإذا لم يُتّخذ أي إجراء لتدارك الموقف، معتبراً أن "وتيرة خسارة احتياطي العملات الأجنبية في مصرف لبنان التي أظهرتها بيانات منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) تشير إلى أن عام 2020 قد يكون عام أزمة، وأن احتياطات المصرف المركزي من العملات الصعبة ستنفذ بحلول نهاية النصف الأول من عام 2020".


هجرة الشباب

ويتخوف الخبراء الاقتصاديون من ارتفاعات شديدة في معدلات الهجرة إلى الخارج، حيث بات أكثر من 60 في المئة من الشباب اللبناني عاطلاً عن العمل، أما نسبة الشباب اللبناني الذين هاجروا، فوصلت إلى 44 في المئة، بينما بلغ عدد فرص العمل المتاحة في لبنان 3800 وظيفة فقط، في حين أن البلاد تحتاج إلى أكثر من 30 ألف وظيفة. كما سُجل إقفال حوالى 4000 مؤسسة بين صغيرة ومتوسطة في الأعوام الثلاثة الماضية.


إجراءات فورية

في ظل هذه الأزمة الحادة التي قد تكون لها تداعيات اجتماعية خطرة جداً، يقول البروفيسور جاسم عجاقة إنه يتوجّب على المعنيين اتخاذ إجراءات فورية عدّة، بخاصة في حال استمر الفراغ الحكومي:
أولاً، من جهة المصارف: يجب على المصارف تلبية طلبات المودعين في ما يخص إنفاقهم اليومي، خصوصاً بالليرة اللبنانية وقبول تقسيط القروض وفواتير الهاتف بالليرة اللبنانية. كما يجب أن تطبّق تعميم مصرف لبنان في ما يخص المواد الأساسية (محروقات وقمح وأدوية).
ثانياً، من جهة حكومة تصريف الأعمال: يجب على الحكومة وقف كل إنفاق بالدولار الأميركي، خصوصاً الاستيراد والاستشارات والسفر وخفض ساعات الكهرباء وكل ما له علاقة بدولار الاستيراد.
ثالثاً، من جهة التجّار: من الضروري وقف الاستيراد غير المُجدي مهما كان نوعه، خصوصاً الكماليات، نظراً إلى أنها تستهلك دولارات من دون جدوى في ظلّ هذه الظروف. كما يجب أن يمتنعوا عن تخزين الدولارات بشكلٍ غير مبرّر.
رابعاً، من جهة المواطنين: التوقّف عن تخزين الدولارات في المنازل نظراً إلى الخطر الأمني الذي يرتّبه ذلك ولكن أيضاً، نظراً إلى صعوبة تبرير مصدر هذه الأموال أمام هيئة التحقيق الخاصة بعد انتهاء الأزمة. ويبقى الأهم أن زيادة الطلب على الدولار الأميركي يفاقم الأزمة. فمثلاً، إذا كان الطلب هو 500 دولار أميركي للعائلة الواحدة، فهذا يعني أن هناك 625 مليون دولار أميركي ستخرج من المصارف ومن الدورة الاقتصادية، لترقد في المنازل.
خامساً، من جهة وزارة الاقتصاد والتجارة: على وزارة الاقتصاد التشدّد في الرقابة على أسعار السلع والبضائع المنتجة محلياً لما لهذا الأمر من ضرورة اجتماعية، حفاظاً على الطبقة الفقيرة.