ميساء عبدالخالق- لبنان يحتفل بعيد استقلاله في ظل احتجاجات شعبوية

  • شارك هذا الخبر
Thursday, November 21, 2019


يحتفل لبنان غداً /الجمعة/ بالذكرى السادسة والسبعين للاستقلال الذي يطل هذا العام في الوقت الذي تتصدر فيه المظاهرات المشهد السياسي وسط أزمة حكومية جراء عدم التوافق بين القوى السياسية فيما بينها من جهة وبينها وبين الحراك الشعبي من جهة أخرى على شكل الحكومة المرتقبة التي يقع على كاهلها حل الأزمة الاقتصادية في البلاد ومكافحة الفساد إلى جانب تنفيذ مطالب معيشية وحياتية.

ستة وسبعون عاماً مرت على لبنان تخللتها صفحات بيضاء وانجازات عنوانها الأمن والاستقرار، وصفحات سوداء عنوانها الخوف والقلق على المصير، وبين هذه وتلك صفحات غلب عليها اللون الأحمر القاني، سطرتها دماء جراء سلسلة من الأحداث الدموية والفوضى الأمنية التي استهدفت قادة سياسيين وطالت أبرياء إضافة إلى اعتداءات إسرائيلية ونزاعات داخلية مسلحة بين أطراف لبنانية نتج عنها سقوط قتلى وجرحى.

يأتي عيد الاستقلال هذا العام في ظل تواصل المظاهرات في لبنان منذ 17 أكتوبر الماضي، حيث يطالب المتظاهرون بحكومة جديدة وإجراء انتخابات نيابية مبكرة، إلى جانب مكافحة الفساد ومطالب معيشية وحياتية، في حين يترقب المشهد السياسي دعوة الرئيس اللبناني العماد ميشال عون إلى استشارات نيابية ملزمة لتسمية رئيس جديد للحكومة اللبنانية بعد إعلان استقالة حكومة السيد سعد الحريري في 29 أكتوبر الماضي، وذلك تحت ضغط الحراك الشعبي في لبنان.

وجاءت الاحتجاجات تلبية لدعوات عبر مواقع التواصل الاجتماعي انتشرت عقب إعلان الحكومة، تضمين موازنة العام القادم ضرائب جديدة ، تطال قطاع الاتصالات المجانية عبر الهاتف الخلوي" الواتساب" وغيره، بهدف توفير إيرادات جديدة لخزينة الدولة.

يطل عيد الاستقلال هذا العام مع بادرة أمل للبنانيين بتحقيق تغيير وإصلاحات في بلدهم بعد انتفاضة شعبية انطلقت منذ أكثر من شهر في بيروت ومختلف المناطق اللبنانية، ووسط مطالبة بإرساء دولة مدنية بعيداً عن منطق المحاصصة الطائفية السائدة في البلاد . يطل وسط آمال أن تنتهي الأزمة السياسية وتشكيل حكومة جديدة بعد بروز عثرات في مسار تشكيلها جراء الخلاف حول شكل الحكومة وسط رفض المتظاهرين تمثيل القوى السياسية في الحكومة وتشكيل حكومة مقابل إصرار بعض من أهل السلطة وفي طليعتهم الرئيس اللبناني العماد ميشال عون أن تتمثل القوى السياسية إلى جانب الحراك أي حكومة تكنوسياسية .

وفي هذا السياق أكد الرئيس اللبناني العماد ميشال عون، في تصريح له أنه يواصل جهوده واتصالاته لتشكيل حكومة جديدة يتوافر لها الغطاء السياسي اللازم وتضم ممثلين عن مختلف المكونات السياسية في البلاد ووزراء /تكنوقراط/ من ذوي الاختصاص والكفاءة والسمعة الطيبة، إضافة إلى ممثلين عن " الحراك الشعبي".

كما يهل عيد الاستقلال في وقت يعاني فيه الاقتصاد اللبناني من وضع حرج ووسط تخفيض التصنيف الائتماني للدولة حيث أصدرت وكالة/ فيتش/ للتصنيف الائتماني شهر اغسطس الماضي تقريرا دوريا، قررت فيه خفض تصنيف الدولة اللبنانية مرتبة واحدة من B- إلى CCC.

في المقابل، أصدرت وكالة /ستاندرد اند بورز/ للتصنيف الائتماني تقريرها الدوري في الشهر نفسه، وقررت الإبقاء على تصنيف الدولة اللبنانية على ما هو (B- مع نظرة سلبية) .

ويعاني لبنان من أحد أكبر معدلات الدين العام في العالم ويعادل نحو 150 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي ، في حين يتجاوز دين الدولة 85 مليار دولار ، كما تراجعت نسبة النمو إلى صفر بالمائة لهذا العام وفقاً لما أعلنه حاكم مصرف لبنان رياض سلامة الشهر الجاري. ويعاني لبنان حالياً من شح في الدولار الذي يستورد به معظم احتياجاته من الخارج ، وقد وصل صرف الدولار الواحد إلى 1800 ليرة لبنانية في الأسواق بعد ثباته لسنوات على

1500 ليرة . كما أدى شح الدولار لدى المصارف وإجراءاتها بتحديد سقف للسحوبات سواء من الدولار أو الليرة إلى حالة ذعر لدى المودعين وذلك رغم تأكيد حاكم مصرف لبنان رياض سلامة على الحفاظ على الاستقرار بالليرة( العملة المحلية) إلى جانب حماية المودعين والودائع في لبنان.

وأعلن سلامة أن الاحتياطي الموجود لدى مصرف لبنان من دون حساب الذهب يقارب الـ 38 مليار دولار بما فيه اليوروبوند واستثمارات المصرف المركزي .

ومما يثقل كاهل الاقتصاد اللبناني تزايد أعداد النازحين السوريين الذين قارب عددهم مليون ونصف نازح في ظل صعوبة تأمين احتياجاتهم من قبل الحكومة اللبنانية والجهات الدولية المانحة في البلد الذي يتجاوز معدل البطالة فيه 35 بالمائة بين جيل الشباب .

وفي هذا السياق كشف الرئيس اللبناني أن النازحين السوريين يلقون بعبء اقتصادي يوازي 3 مليارات دولار في السنة، لافتاً إلى تراكم ديون لبنان جراء هذه الأزمة 27 مليار دولار إضافية.

ويؤكد مراقبون أن الواقع الاقتصادي والمعيشي الذي وصل إليه لبنان غير مسبوق في تاريخه، حيث لم يشهد إقفالاً للمصارف بهذا الشكل كما حصل منذ بدء الاحتجاجات ، إلى جانب ارتفاع أسعار السلع الغذائية والمواد الاستهلاكية وسط مخاوف من أزمة الوقود الذي يتم استيراده بالدولار خاصة في ظل عدم كفاية الدولار وارتفاع أسعاره في الأسواق اللبنانية، إلى جانب الخطر على تأثير عمل المستشفيات والنقص في الأدوية .

وأكد مصدر طبي ، لمراسلة وكالة الأنباء القطرية / قنا/ في بيروت ، أن القطاع الصحي يعاني أزمة كبيرة في ظل النقص في المواد الطبية مثل المعدات المستعملة في العمليات وفلاتر غسيل الكلى، وأدوية علاج السرطان، وأدوية التخدير، والمضادات الحيوية لافتا إلى أن كل هذه المواد مستوردة والأثمان مرتفعة السعر .

وأشار إلى أن المستشفيات ( كذلك الأطباء) لم تتقاض بدل أتعابهم منذ أكثر من سنتين .. لافتا إلى تفاقم ديون المستشفيات للموردين، حتى أن مستودعات المستوردين فرغت، خاصة بعد أزمة الدولار.

ويطل عيد الاستقلال بالتزامن مع قلق أمني حول مصير لبنان ومخاوف أن تؤدي المظاهرات إلى فوضى في البلاد خاصة في ظل بعض ما شهدته من صدامات بين المتظاهرين وعناصر حزبية نتيجة قطع الطرقات أو استنفار عناصر حزبية .. وما يزيد من وتيرة المخاوف الأمنية احتمال التصادم بين القوى الأمنية والمتظاهرين رغم تأكيد الجيش في بياناته المتكررة أنه مع حماية المتظاهرين ولكنه بالمقابل سيحمي حرية التنقل وبالتالي سيفتح الطرقات التي سيغلقها المحتجون مما يثير مخاوف من مواجهات قد تحصل بين القوى الأمنية والمتظاهرين إلى جانب مخاطر من وجود عناصر مدسوسة في المظاهرات تعمل على الاعتداء على القوى الأمنية بهدف القيام بأعمال شغب .

ومن ناحيته أكد قائد الجيش العماد جوزيف عون أن الجيش اللبناني مسؤول عن أمن المتظاهرين وباقي المواطنين، مجدداً التأكيد أن اقفال الطريق أمر غير مسموح به وأن حرية التنقّل مقدّسة في المواثيق الدولية.

وأكد قائد الجيش أن التوقيفات التي حصلت مؤخّراً شملت عناصر عملت على إحداث شغبٍ وواجهت الجيش وحاولت منعه من تنفيذ مهمّته وتعرّضت له .

الجدير بالذكر أن المواجهات التي حصلت بين المتظاهرين والقوى الأمنية نتج عنها إصابات بين الجانبين، وقد سقط قتيل واحد في لبنان برصاص أحد العسكريين وقد سلم نفسه للقضاء وتولت قيادة الجيش التحقيق لكشف ملابسات هذه الحادثة حيث عبر قائد الجيش عن بالغ أسفه لمقتل الشاب علاء أبو فخر، مؤكداً أن القضية أصبحت بيد القضاء، حيث لفت إلى أن هذه الحادثة هي الوحيدة التي حصلت خلال شهر من التحركات الشعبية، وقال" إن الوضع مختلف في عدد من الدول التي تشهد أحداثاً مماثلة والتي يسقط فيها عدد كبير من الضحايا، وهذا ما نعمل على تفاديه". وعلى الرغم من نيل لبنان استقلاله وجلاء الجيوش الأجنبية عن أراضيه منذ عام 1943، فإن جملة من التحديات الخارجية والضغوط الاقليمية التي باتت في بعض الأحيان تشكل عبئا على هذا الاستقلال كانت محل توقف حول أهمية الاستقلال بدون الأمن والاستقرار الذي أصبح مطلبا لدى كل الشعب اللبناني، إلى جانب عدم قدرة الأفرقاء حل أزماتهم بمعزل عن الخارج وفقا لمراقبين سياسيين في بيروت إذ يؤكدون أن بلدهم لم يكن بمعزل عن مساعدة الدول الخارجية لصون أمنه وحل أزماته طيلة العقود الماضية التي تلت الاستقلال، نظرا للتركيبة الطائفية حيث يضم لبنان 17 طائفة ومذهبا كل منها لديه ارتباطاته مع دول خارجية تحكمها روابط التاريخ والمعتقد الديني والتوجه والأحلاف السياسية، وخير دليل على ذلك أن إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية التي بدأت عام 1975 لم تتوقف إلا بعد التوصل إلى "اتفاق الطائف".

ومن الشواهد الهامة والتاريخية أيضا" اتفاق الدوحة" الذي توصلت إليه الفصائل اللبنانية في 21 مايو 2008 في الدوحة بقطر، وهو الاتفاق الذي يمثل نهاية لـ 18 شهراً من الأزمة السياسية في لبنان التي شهدت بعض الفترات منها أحداث دامية، والذي أثمر انتخاب ميشال سليمان رئيساً للجمهورية اللبنانية آنذاك.

ويرى مراقبون أن هناك تحديات كثيرة أمام الاستقلال اللبناني خاصة في ظل وجود أراض لبنانية ما زالت تحت الاحتلال (مزارع شبعا) وهو ما استدعى وجود قوات دولية متعددة الجنسيات تابعة للأمم المتحدة لحفظ السلام في جنوب لبنان بعد الحرب الإسرائيلية عام 2006.

وقد كان استقلال القرار اللبناني عن الخارج سواء عن الجوار الاقليمي (وتحديدا السوري ) أو الدول الغربية وإيران مدار جدل بين الأطراف اللبنانية التي أخذت تتبادل التهم فيما بينها حول مسألة تغليب الولاء لدولة معينة على حساب الولاء الوطني لبلدهم لبنان، والتي استفحلت في ظل الأزمة السورية.

ويرى مراقبون أن عيد الاستقلال هذا العام له وقع خاص في ظل ما اطلق عليه اللبنانيون" ثورة"،و "انتفاضة"من اجل المطالبة بحقوقهم ورفضاً للمحاصصة الطائفية ولزعماء طوائفهم وسط استشراء الفساد الذي حرم المواطن حقوقه المعيشية والحياتية في بلد يموت فيها الفقراء على أبواب المستشفيات بسبب عدم إقرار قانون لضمان الشيخوخة.

ويرى عدد من المراقبين أن لبنان استقل عن القرار السوري حديثا ، معتبرين أن ذلك مرحلة استقلالية في تاريخ الدولة الحديث.. وقد دخل الجيش السوري إلى لبنان عام 1976، بينما كانت نار الحرب الأهلية مستعرة، تحت غطاء جامعة الدول العربية ليضع حدا للنزاع العسكري وليعيد الأمور إلى ما كانت عليه قبل الحرب.. وقد خرج في عام 2005 بعد اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ، حيث يرى عدد من المراقبين أن اغتيال الحريري مهد الطريق لاستقلال القرار اللبناني عن الجوار الاقليمي، ومحطة هامة في مسيرة الاستقلال اللبناني عن القرار الخارجي.

فعند ذيوع خبر وفاة الحريري سارت مظاهرات في عدد من شوارع بيروت أطلق فيها المتظاهرون شعارات ضد النظام السوري ورددوا عبارات "حرية ،سيادة ، استقلال " في إشارة إلى الاستقلال عن القرار السوري المؤثر على الداخل اللبناني، وحمل أطراف المعارضة اللبنانية آنذاك السلطتين اللبنانية والسورية "بصفتها سلطة الوصاية" المسؤولية عن الجريمة.

وشكّل اغتيال رفيق الحريري بداية لسلسلة من الاغتيالات الجديدة التي طالت سياسيين لبنانيين يعارضون الوجود السوري في البلاد، وقد اعتصمت القوى السياسية المعارضة في وسط بيروت التجاري طيلة شهرين، أغلقت خلالها الكثير من المصالح التجارية، إلى أن تنحى رئيس الحكومة آنذاك عمر كرامي، من منصبه، ثم أعقب ذلك انسحاب للجيش السوري من لبنان بتاريخ 26 أبريل 2005 تحت ضغط مظاهرات مناصري ما عرف بقوى /14 آذار / ... وبتاريخ 18 أكتوبر 2008 تبادل لبنان وسوريا السفراء لأول مرة في تاريخهما، وهو ما اعتبره المراقبون مسارا هاما في الاستقلال اللبناني عن ما اسمته "سلطة الوصاية السورية".

ويرمز عيد الاستقلال إلى تحرر لبنان من ما عرف بـ " الانتداب الفرنسي" الذي استمر منذ عام 1920 وحتى 1943، هي فترة حكم فرنسا للبنان التي نتجت عن الحرب العالمية الأولى وسقوط الامبراطورية العثمانية، وفقا لتقسيمات اتفاقية/ سايكس-بيكو/ التي تم تأييدها لاحقا بقرارات من "عصبة الأمم "التي صدرت عام 1920، والتي أجازت نظام الانتداب على المناطق العثمانية المتفككة بحجة المساعدة في إنشاء مؤسسات للدول الجديدة.

ويبقى السؤال هل ستكتمل فرحة الاستقلال بتشكيل حكومة لبنانية جديدة وبنجاح انتفاضة شعب ثار في الشوارع والساحات منذ أكثر من شهر ويسعى لإنقاذ بلد عانى ويلات الحرب الأهلية لسنوات عديدة؟.

ميساء عبدالخالق - الوكالة الوطنية القطرية