جيفري فيلتمان يقرأ في مستقبل لبنان... الجيش استجاب باحتراف من الزاويتين الأمنية والسياسية

  • شارك هذا الخبر
Thursday, November 21, 2019

في حديث داخل مؤسسة «بروكينغز»، وأمام لجنة مجلس النواب للشؤون الخارجية، اللجنة الفرعية المعنية بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا والإرهاب الدولي، تساءل جيفري فلتمان عن ماذا ينتظر لبنان في المرحلة القادمة؟ وأجرى تحليلاً لتداعيات الاحتجاجات الحالية التي يشهدها لبنان.
وأشار فلتمان، في بداية حديثه، إلى أنه يمثّل نفسه فقط، ولا تتبنّى مؤسسة «بروكينغز» أي مواقف سياسية أدلى بها.

وقال إنّ الاحتجاجات الحالية في لبنان لا تتعلق بالولايات المتحدة، وعلينا أن نتجنّب أي شيء قد يحوّل التركيز إلى الولايات المتحدة، لكن نتائج الاحتجاجات قد تؤثر سلباً أو إيجاباً في المصالح الأميركية. لذلك، أرحّب بشدة بتوجيه اهتمام الكونغرس إلى لبنان في لحظة يمكن أن تكون محورية في تاريخ البلاد.

لبنان مهمّ بالنسبة للولايات المتّحدة

هناك نظرتان شائعتان للبنان في الولايات المتحدة: النظرة الأولى ذات طابع «رومانسي»، ترى البلد متعدّد الطوائف، يتمتع بديمقراطية منفتحة نسبياً ومجتمعاً نابضاً بالحياة، يقدّم ثقافة وتاريخاً ومأكولات وضيافة مذهلة.

أمّا النظرة الثانية، فترى لبنان في حرب أهلية دموية، حيث تُقتل القوّات البحرية الأميركية ويُقتل الديبلوماسيون الأميركيون، وهذا محفّز لإيران، إذ إنه يمكّنها من تهديد المصالح الأميركية في المنطقة وخارجها.

مع ما يملكه كلّ من الوصفين من حقيقة، أودّ البدء بمراجعة كيف يؤثر لبنان الصغير بطريقة مهمّة على المصالح الأميركية. إنّه من الواضح أنّ إيران تعكس دورها الإقليمي الخبيث من خلال المصدر الأنجح لها وهي منظمة «حزب الله» الإرهابية، التي تملك قدرات متقدّمة لتهديد إسرائيل وغيرها من حلفاء الولايات المتّحدة.

بالإضافة إلى ذلك، تراجع إلى حدٍّ كبير خطر قيام جماعات متطرفة سنية وتنظيم «القاعدة» أو «داعش» بإنشاء معاقل في لبنان، وذلك بفضل الجهود الكبيرة التي بذلها الجيش اللبناني والقوى الأمنية. ولكن كما حصل في العراق، يمكن أن تتآكل هذه المكاسب بسرعة مع تداعيات دولية، ومن دون حذر مستمرّ.

يُبرز تاريخ «حزب الله» والجماعات الإرهابية السنية بوضوح سبب اهتمامنا بالاستقرار اللبناني: استغلّت إيران الحرب الأهلية في لبنان، ما بعد الصراع الداخلي عام 2003 في العراق، والحروب الأهلية الأكثر حداثة في سوريا واليمن لخَلق جذور عميقة يصعب اقتلاعها.

وبتعبيرٍ آخر، أصبحت الحروب الأهلية أدوات لتوسيع نفوذ إيران. كذلك، تشكّل الفوضى أرضاً خصبة أيضاً للإرهابيين مثل «القاعدة»، كما هي الحال في سوريا والعراق واليمن والصومال.

وتنظر روسيا أيضاً إلى لبنان كمكان لمواصلة توسّعها العدواني في دورها الإقليمي والمتوسطي. وروسيا راسخة في سوريا، ما يمنح موسكو مكانة في جنوب البحر الأبيض المتوسّط. وإذا استغلّت روسيا موانئ لبنان الثلاثة ومخزونات الهيدروكربون البحرية، سيبدأ الشعور بأنّ روسيا تفوز في شرق وجنوب البحر الأبيض المتوسط، على حسابنا.

ومع وجود أكثر من 400 مواطن صيني في اليونيفيل في جنوب لبنان، قد ترى الصين أيضاً إمكانات في موانئ لبنان وموقعه - وقد ينجذب اللبنانيون إلى تقنية الـ5G الصينية، نظراً إلى الحالة المؤسفة لشبكات الاتصالات الحالية في لبنان.

إنّ بشار الأسد، الذي من المفترض أنّه ديكتاتور قوي، يعتمد بشكلٍ محرج على روسيا و"حزب الله" وإيران لإعادة سيطرته على معظم سوريا، وسيحبّ من دون أيّ شكّ أن يكون وسيطاً إقليمياً قويّاً من جديد، خلافاً لخروجه المذلول في العام 2005.

باختصار، لبنان هو ساحة للمنافسة الاستراتيجية العالمية. سيملأ آخرون الفراغ بسعادة إذا تنازلنا عن الأرض.

رغم الإضطرابات التي تعانيها الديمقراطية اللبنانية، إلا أنّه لدينا مصالح في رؤية دولة عربية متوسطية، تتمتع بحرّيات مدنية مهمّة نسبياً، وتقاليد ديمقراطية، وتعايش متعدد الطوائف. مع صلاتهم الدولية القوية، يطمح معظم اللبنانيين إلى الارتباط سياسياً وثقافياً واقتصادياً ومالياً بالغرب التقليدي - أوروبا وأميركا الشمالية - أكثر من إيران أو روسيا أو الصين.

هناك تقارب طبيعي بين معظم اللبنانيين، والغرب يمكن أن يعمل لصالحنا. لكنّ اللبنانيين، كمواطنين في بلد صغير وضعيف وفي منطقة خطرة، سيبحثون، بطريقة عقلانية، عن شركاء خارجيين يمكن الاعتماد عليهم. وعلى قدر ما يمكن للبنان أن يكون محبطاً و»محتاجاً» ومعقّداً، علينا أن نلعب اللعبة الطويلة وعدم السماح لإيران أو سوريا أو الصين أو روسيا باستغلال غيابنا.

الاحتجاجات الحالية في لبنان تتوافق مع المصالح الأميركية

لم يعد باستطاعة «حزب الله» أن يدّعي بمصداقية أنه «نظيف»، كذلك مشاركته في الحكومة المستقيلة الآن أضرّت بادّعائه بتقديم خدمات بشكل أكثر فعّالٍ من غيره. هبط «حزب الله» الآن، من حيث التصوّر العلني لدوره السياسي، إلى نفس كومة القمامة التي هبطت إليها الأحزاب اللبنانية الأخرى المشكوك بأمرها.

في أيار 2008، استولى «حزب الله» و»حركة أمل» على مساحات شاسعة من بيروت والمناطق المحيطة بها لعرقلة جهود الحكومة لتفكيك شبكة الاتصالات الآمنة الموازية لـ»حزب الله». قُتل العشرات قبل أن يسيطر الجيش.

في حين لم يُبدِ «حزب الله» تبكيت الضمير بشأن القتل وحتى تجويع أعداد هائلة من المدنيين في سوريا، فأيّ محاولة لتكرار هجوم أيّار 2008 في لبنان ستبخِّر (ستنهي) ذريعة «المقاومة» المتقلصة أصلاً لدى «حزب الله».

حاولت الولايات المتحدة لسنوات دفع اللبنانيين إلى مواجهة حقيقة أنّ «حزب الله» وصواريخه تخلق خطر الحرب مع إسرائيل بدلاً من توفير الحماية من إسرائيل. قد توقظ ردات فعل «حزب الله» الخطابية والجسدية على المظاهرات الحالية مزيداً من اللبنانيين - بما فيهم الشيعة، وهو أمر أساسي لإضعاف شعبية «حزب الله» - على هذا الواقع القاتم.

تُضعف التظاهرات الحالية بشكل بنّاء الشراكة بين «حزب الله» و»التيار الوطني الحر»، وأصبح جبران باسيل الآن تجسيداً لِما يثير غضب المتظاهرين، في حين تعكس خطابات والد زوجته الرئاسية رؤية شخصٍ بعيد عن الواقع في لبنان. حتّى الآن، لا يزال «حزب الله» متمسّكاً بتحالفه مع التيار الوطني الحر، إلّا أنّ قيمة هذا التحالف انخفضت بشكلٍ ملحوظ وتزيد من خيبة الأمل العامة التي تتفاقم تجاه علامة «حزب الله» بشكل عام.

على نقيض ذلك، إنّ سمعة الجيش اللبناني، التي تمكّنت إلى حد بعيد من الابتعاد عن السياسة، تصاعدت نحو الأعلى. كانت هناك بعض المشاكل والتناقضات في رد فعل الجيش اللبناني على الاحتجاجات - حمى الجيش اللبناني المتظاهرين في بيروت ضد بلطجية «حزب الله» و«أمل»، بينما تصرّفت وحدات في النبطية بطريقة مختلفة؛ بشكل عام، إستجاب الجيش اللبناني باحتراف وضبط النفس من الزاويتين الأمنية والسياسية والتي تكون من أكثر المواقف صعوبة: ما الذي سنفكر فيه نحن الأميركيون إذا منعتنا الاحتجاجات المستمرة من الوصول إلى مطاراتنا أو مستشفياتنا أو وظائفنا؟ علاوة على ذلك، أُجبرت القوات المسلحة اللبنانية على العمل والمجازفة من دون أي توجيه - أو غطاء - سياسي متماسِك من القيادة المدنية اللبنانية، ومع تهديدات مبطّنة من «حزب الله» لإزالة الاحتجاجات.

كان أداء الجيش اللبناني رائعاً في هذه الظروف، وسلوكه يقارن بشكلٍ إيجابي ومؤيَّد مع ردات فعل قوات الأمن العراقية أو المصرية أو السورية على المحتجّين. يمكن الجيش اللبناني أن يكون مثالاً على كيف يبدأ الاحترام العام لمؤسسة وطنية مستقلة وصادقة في القضاء على الولاء لمؤسسة طائفية. هذه أيضاً ليست ظاهرة متعلّقة بالأميركيين، إنّما بالتأكيد لمصلحتنا، وعلينا الإهتمام بها.

قد يتساءل البعض في واشنطن عمّا إذا كان على القوات المسلحة اللبنانية الآن الاستعداد لمواجهة حزب الله ديناميكياً ونزع سلاحه بالقوة. ستكون هذه وصفة للحرب الأهلية، وكما ذُكر أعلاه، تميل إيران وعملاؤها إلى جانب تنظيم «القاعدة» إلى الاستغلال خلال الحرب الأهلية.

نحن بحاجة إلى التفكير على الأمد الطويل. بشكل عام، يَعي ضباط القوات المسلحة اللبنانية، الذين يحرصون على استقلالهم، مدى تحسُّن قدرات الجيش وكفاءاته المهنية بفضل التدريب الأميركي المستمرّ والمعدات الأميركية. كذلك، بدأ الشعب اللبناني يدرك ذلك أيضاً.

فخورون بمؤسستهم وإدراكهم لزيادة الدعم الشعبي، هكذا يهمس ضباط الجيش اللبناني من نَبذ حزب الله المتغطرس للقوات المسلحة اللبنانية. إنها مسألة وقت فقط قبل خروج هذا الاستياء إلى العلن.

على رغم عدم وجود تسوية تكتيكية عرضية، خصوصاً في الجنوب الذي يسيطر عليه حزب الله، يجب أن ندرك أنّ العلاقة بين القوات المسلحة اللبنانية وحزب الله ليست قصة حب أبدية.

ومع ذلك، ما زال النجاح في جذب المستثمرين الغربيين والخليجيين بعيد المنال من دون تغييرات كبيرة. وبالتالي، سيبحث المستثمرون الغربيون والخليجيون عن فرَص أخرى في مكان آخر في حال بَقي اللبنانيون راضين عن كونهم جزءاً مما يُعتبر المحور الإيراني - السوري وما إذا كانوا يتسامحون مع الالتزام المتقطع الوحيد بالشفافية وسيادة القانون.

وبشكل أكثر وضوحاً، لن يعود المستثمرون والسائحون بمبالغ كبيرة يمكن التنبؤ بها طالما أنّ حزب الله بإمكانه أن يقود لبنان إلى الحرب، من دون الإشارة إلى الرأي العام أو الرقابة الحكومية. فيتعيّن على اللبنانيين الاختيار ما بين الطريق المؤدي إلى الفقر الدائم أو الى ازدهار محتمل، وذلك من خلال تحديد ما إذا كانوا سيستمرون في قبول الخضوع تحت حكم رديء، إلى جانب الفيتو على القرارات الحكومية التي يصرّ عليها حزب الله (مع رفض أي مساءلة عامّة عن أفعال حزب الله في وقت واحد).

قد لا يستطيع اللبنانيون تجريد حزب الله من ترسانته في ليلة وضحاها، لكن بإمكانهم الإستفادة من الإنتخابات المقبلة لإطاحة نواب/شركاء حزب الله في البرلمان الذي يستخدمهم لمضاعفة قوته بهدف تأكيد إرادته سياسياً: لذلك، اعترض حزب الله على إجراء انتخابات مبكرة.

قد لا تؤدي الاحتجاجات إلى تغييرات فورية، لكن بدأت عملية بنّاءة عقب العثرات في خطابات نصرالله، لا بدّ من أنه يعيد النظر مع بعض القادة الآخرين الراهنين حول كيفية الحفاظ على صلاحياتهم بطريقة يرضون بها الشارع في الوقت نفسه.

وفقاً لإحدى الشائعات، يأمل بعض الزعماء الطائفيين التقليديين في السماح بتشكيل حكومة تكنوقراطية أصلية - اعتقاداً منهم بأنّ التكنوقراطيين سوف «يمتلكون» الانهيار المالي المتوقع، وبالتالي يمهّدون الطريق للزعماء التقليديين لاستعادة مراكزهم في السلطة على حساب الوضع المالي الرديء. أمّا الموافقة على الصفدي، فهي إشارة إلى المتظاهرين أنهم لن يحصلوا على حكومة تكنوقراطية بحتة كالتي يطالبون بها.

لكن الانتقادات المستمرة والواسعة النطاق التي تطال الطبقة السياسية والطائفية وحزب الله في لبنان، قد كسرت محرّمات كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، فإن وكلاء سوريا ووكلاء إيران في لبنان - الذين كان يُنظر إليهم على أنه لا يمكن تمييزهم فعلياً - يُظهرون علامات اختلاف حديثة غير مسبوقة. حتى لو لم تتحقق جميع المكاسب المحتملة على الفور، فلا شكّ أن عام 2019 يشكّل نقطة تحوّل للبنان.

لا يمكن للولايات المتحدة أن تحدد ما ستكون النتيجة لكن بإمكانها أن تؤثر عليها

نظراً لاهتمام الكونغرس والإدارة الأميركية ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة اليوم في ما يحدث في لبنان، بإمكانهم حماية المتظاهرين.

لكن المظاهرات لا يمكن أن تستمر لأجل غير محدد، خصوصاً أن المواطنين العاديين يشعرون بالضيق من انقطاع الحياة اليومية والقلق من الثمن الذي قد يكلّفهم نتيجة الشلل الإقتصادي. إنّ الاهتمام الأميركي المتواصل والرسائل قد تحدث فرقاً حيث يحاول اللبنانيون اتخاذ قرار إلى ما ينوون فعله بعد الاحتجاجات التي نشأت داخلياً.

الحيلة بالنسبة إلينا هي فارق بسيط. لن يكون صحيحاً التدخل مباشرة في القرارات السياسية اللبنانية، مما يسهّل على حزب الله (في سوريا، أو إيران أو روسيا) بأن يشهد بأمثلة موثوقة في محاولات لتشويه سمعة المتظاهرين ومطالبهم وزعم أنها مدعومة من الولايات المتحدة.

كما أنه ليس من شأننا اختيار رئيس مجلس الوزراء المقبل للبنان (الصفدي أو غيره) أو أي وزير معيّن، إنها قرارات لبنانية حصرية. لكن بما أنّ مصالحنا الوطنية ومصالح حلفائنا الإقليميين ستتأثر بما يحدث في لبنان، فإننا نتحمل مسؤولية توضيح وجهات نظرنا، من خلال أفعالنا وكلماتنا. يستحق اللبنانيون أن يفهموا تماماً الآثار المترتبة على القرارات التي يتخذونها بشأن التعيينات والسياسات الحكومية.

كخطوة أولى، يجب إرسال مساعدات عسكرية فورية. هذا من شأنه أن يضع الولايات المتحدة إلى جانب المؤسسات الوطنية ذات المصداقية. وبينما تزيد شعبية الجيش اللبناني مقارنة بما بتراجع في سمعة حزب الله، يمكننا تعزيز ما هو، بالنسبة إلينا وإلى لبنان، قوة دفع إيجابية. كذلك، هذه المساعدات العسكرية من شأنها إضعاف محاولات حزب الله وإيران وسوريا وروسيا المستمرة لجذب اللبنانيين إلى محاورهم من خلال التشكيك في مصداقية الولايات المتحدة.

مساعدتنا العسكرية لا تُقدّم من دون قيد أو شرط؛ إذ نستفيد أيضاً من الشراكة مع الجيش اللبناني. نتوقّع أن الجيش اللبناني قد يحسّن كفاءته وجهوزيّته التي تَجلّت بشكل واضح من خلال اتخاذ تدابير مكافحة الشغب الناجحة والاستجابة المناسبة على الاحتجاجات. يمكن للولايات المتحدة أن ترسل التمويل العسكري الأجنبي مع التشديد على أن يبقى الجيش اللبناني بعيداً عن السياسة وأن يُعامل المتظاهرين السلميين باحترام في كافة أنحاء البلاد، في النبطية وفي بيروت أيضاً.

كما أقترح العثور على طرق لمنع انهيار لبنان مالياً وسياسياً (إلا إذا وَفّرت الفوضى والحرب الأهلية مجالاً أكبر لإيران وسوريا وروسيا للتدخل)، ولكن قدرتنا على تأمين الدعم المالي والاقتصادي تعتمد على قرارات اللبنانيين أنفسهم، من ضمنها تركيبة الحكومة اللبنانية المقبلة وسياساتها.

نعم، نحن مستعدون للوقوف إلى جانب لبنان، ولكن على أساس كيف يود اللبنانيون المضي قدماً. إذا عالجت الحكومة اللبنانية مسائل الحكم والمحاسبة، عندها يستطيع المجتمع الدولي المساعدة، أمّا إذا عادت الحكومة إلى سياساتها المعتادة، فلن نكون قادرين على تأمين الدعم لمنع الانهيار.

وفيما يطالب المتظاهرون بحكومة تكنوقراط بدلاً من حكومة سياسية، فإنّ رسالتنا يمكن أن تشدّد على توقعاتنا بأنّ الحكومة الجديدة، إذا كانت تسعى إلى دعم دولي، يجب عليها فوراً الاستجابة لمطالب اللبنانيين بالإصلاح.

وطالما أنّ القرارات هي بيد اللبنانيين، الذين عاشوا لفترة طويلة مع تناقضات رغبتهم في التشبّه بالعالم الغربي فيما يوجد على أرضهم حزب ايراني إرهابي، يجب عليهم أن يفهموا تَبعات الطريق الذي يرغبون بسلوكه. في الأزمات المالية السابقة، حوّلت دول الخليج أموالاً بالعملة الصعبة مؤقتاً إلى المصرف المركزي اللبناني لرفع حجم الاحتياط، ويمكن تكرار ذلك.

الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا ودول أخرى يمكنها أن تلعب دوراً مالياً مع المؤسسات المالية العالمية لدعم لبنان. ومع وجود الأشخاص المناسبين والسياسات المناسبة، يمكن لحكومة لبنانية جديدة أن تطبّق الإصلاحات التي يمكن أن تعيد إحياء الـ11 مليار دولار الموعودة في مؤتمر «سيدر». ومثل هذه الخطوات يمكن أن تقدّم للمسؤولين اللبنانيين انتعاشاً قصيراً، فيما يطبّقون الإصلاحات التي لطالما وعدوا بها ولكن لم ينفّذوها أبداً.

ونظراً إلى التقصير في تنفيذ الوعود السابقة، يقع الحمل على المسؤولين اللبنانيين لتخطّي الشكوك المحلية والدولية، من خلال اختيار وجوه موثوق بها وسياسات واضحة للحكومة المقبلة.

إنّ المحسوبية والفساد واحتضان حزب الله تؤدي إلى تراجع مستمر، بينما الإصلاح والمحاسبة والشفافية والاعتماد على المؤسسات الوطنية بدلاً من حزب الله يمكن أن تجذب نوع الدعم الضروري للوصول إلى مكان أفضل، خصوصاً مع دعم الولايات المتحدة وجهات أخرى.

على المدى الطويل، يمكن حماية مصالح الولايات المتحدة الأميركية في لبنان من خلال مطالب الشعب اللبناني، ألا وهي: دولة لبنانية مزدهرة وديموقراطية ومستقلة بشكل تام، مع حكومة فعّالة وشفّافة وتخضع للمحاسبة الشعبية. مع تشكيل الحكومة المناسبة، وبوجود الدعم الدولي الضروري، لن يكون من المستحيل تحقيق ذلك.

ومن خلال الإفراج عن المساعدة العسكرية الآن، وبَرهنة أننا نراقب عن كثب، وبتوضيح التبعات، سواء كانت جيدة أو سيئة، للشعب اللبناني، يمكننا أن نخدم مصالحنا، والمساهمة في الحسابات اللبنانية بما يتعلّق بالحكومة الجديدة وسياساتها، ويمكننا عندها تفادي الفراغ الذي سيستفيد منه الآخرين على حسابنا.