خطة إنقاذ اقتصادية طارئة للبنان

  • شارك هذا الخبر
Monday, November 11, 2019

ضمن الحوارات المفتوحة والجامعة التي وفرتها فضاءات الانتفاضة اللبنانية، اجتمعت مجموعة من الاقتصاديين وخبراء السياسة والحقوقيين اللبنانيين بتاريخ 1 تشرين الثاني 2019 ضمت: سامي عطاالله، جوزيف باحوط، كريم إميل بيطار، عامر بساط، جاد شعبان، جورج قرم، كريم ضاهر، إسحاق ديوان، جمال حيدر، كمال حمدان، نديم حوري، شبلي ملاط، سيبيل رزق، نزار صاغية، بول سالم، نسرين سلطي، فادي تويني، مها يحيى.

المجموعة قدمت توصياتها بشأن كيفية التعامل مع التحديات المالية والاقتصادية الطارئة التي تواجهها البلاد راهناً. واعتبرت المجموعة أنه يجب على لبنان أن يتحرك الآن للعمل بسرعة وبتصميم لتجنب خطر الانهيار المالي والاقتصادي، مشيرين إلى إن الفشل في التصرف بسرعة سيؤدي إلى انخفاض حاد في قيمة الليرة اللبنانية، ما يولد التضخم والبطالة والفقر وتدهوراً إضافياً في الخدمات العامة الأساسية.

استنتاجات رئيسية
تتعلق الاستنتاجات الرئيسية بالحاجة الملحة لتطوير حزمة إنقاذ اقتصادية شاملة، يتم تنفيذها بطريقة منسقة، والتي تشمل:

- إدارة دقيقة للاحتياطيات الأجنبية المستنزفة بسرعة، للدفاع عن قيمة الليرة اللبنانية، بما في ذلك وضع تدابير أكثر صرامة للسيطرة على رأس المال.

- إصلاح مالي عميق مع خطط موثوقة لمكافحة الفساد.

- سياسات اجتماعية جديدة لحماية أكثر المتضررين من الأزمة الحالية.

- وضع خطة للتفاوض بشأن تخفيض الديون، مع تقاسم عبء عادل في المجتمع.

- آلية مراقبة تسمح للشعب بالضغط لتنفيذ هذه الإصلاحات، بينما يتم تعزيز آليات الرقابة الحكومية.

وفي حين أن هناك حاجة ملحة لتشكيل حكومة ذات مصداقية يمكنها أن تعزز الثقة، فإن بعض الإجراءات التي تمت مناقشتها من قبل الخبراء أدناه، لا يمكن أن تنتظر، ويجب ألا تكون رهينة للأحداث السياسية. كما أنها تطلب من حكومة تصريف الأعمال الحالية تعيين "مجموعة أزمات" على الفور للتعامل مع هذه الأمور الأكثر إلحاحاً.

على المدى الطويل، تعتقد مجموعة الخبراء أن الاقتصاد الوطني يستطيع أن يقدم أكثير بكثير من إمكاناته، وأن نظام الحوكمة الأكثر فاعلية هو أمر حاسم للسماح له بتصدير السلع والخدمات. ومن شأن نموذج النمو الشامل أن يكون متنوعاً، بحيث لا يقتصر وحسب على السياحة والخدمات المالية، ولكن أيضاً على التصنيع والتكنولوجيا المتقدمة والزراعة والإنتاج الثقافي. كما يجب أن تكون العدالة الاجتماعية، والمساواة بين الجنسين، واحترام البيئة في صميم هذا النموذج، بالإضافة إلى التنافس على المستوى الميداني والابتكار والانفتاح على العالم وعلى الشتات اللبناني الكبير.

الأزمة المالية
يُرجع الخبراء المشكلة المالية التي يعاني منها لبنان إلى العبء المتزايد لخدمة تمويل الدين العام. والانخفاض الحاد في صافي تدفقات رأس المال، والتي كانت في الماضي تمول عجز الحساب الجاري وخدمة الدين المقوم بالدولار. ويترابط ما ذُكر آنفاً ارتباطاً وثيقاً، ما يتسبب باستنفاد سريع لاحتياطيات النقد الأجنبي. إذ أن الخوف من حدوث انهيار مالي يقلل التدفقات الداخلة ويشجع هروب رأس المال، كما أن تقلص التدفقات الداخلية الصافية تجعل الدين العام أكثر خطورة، ما يجعل إعادة تمويله بشروط معقولة أكثر صعوبة.

تنعكس الأزمة المالية المتفاقمة في الارتفاع السريع لأسعار الفائدة (تبلغ 15 في المئة وأكثر، مع ارتفاع التكاليف بعد الهندسات المالية التي قام بها مصرف لبنان، وهي عمليات معقدة تهدف إلى جذب ودائع بالعملات الأجنبية)؛ والتخفيض السريع في قيمة الليرة اللبنانية في السوق غير الرسمي (وصلت حتى 1800 ليرة مقابل الدولار الشهر الماضي)؛ وتسارع التضخم بنسبة 5 في المئة على الأقل خلال الشهر الماضي على السلع الاستهلاكية الأساسية (وفقاً للتقديرات الأولية لمعهد الاستشارات والبحوث). وفي غياب التدابير التصحيحية، ستستمر قيمة العملة الوطنية في الانخفاض في الفترة المقبلة، مع إمكانية خروج الأمور عن السيطرة، إذا استمرت الاحتياطيات في النضوب.

تعود هذه الأزمة إلى ما قبل تاريخ ثورة 17 تشرين أول، حين بدأ مصرف لبنان بالتوقف جزئياً عن ضخ الدولار في السوق في أيلول الماضي. وازدادت الأزمة عندما رفض الشعب اتباع نهج لتقليص الاختلالات المالية عن طريق زيادة الضرائب غير المباشرة وخفض الخدمات العامة، بالنظر إلى تدهور الوضع الاجتماعي. ومن الجدير الذكر، أن نسبة السكان الذين يعيشون في فقرٍ تقترب من 30 في المئة (تقدير البنك الدولي)، إضافةً إلى وجود بطالة مرتفعة، ووجود مستويات قياسية لهجرة الشباب المهرة.

لم يكن المتظاهرون مقتنعين بحزمة الإصلاح الأخيرة التي تبناها مجلس الوزراء في 21 تشرين الأول. تحتوي الخطة على عناصر جيدة، مثل تقليص خسائر شركة كهرباء لبنان، ولكن هناك شكوك حول استعداد الحكومة لتنفيذ الإصلاح المطروح على الطاولة منذ عدة سنوات. وتعد الضرائب المفروضة على المصارف في الورقة الإصلاحية التي عرضتها الحكومة، خطوةً في الاتجاه الصحيح، رغم أن الضريبة المتوقعة (600 مليار ليرة لبنانية) هي ضريبة واحدة، وهي صغيرة مقارنة بالأرباح الضخمة التي حققها القطاع في السنوات الأخيرة (2.6 مليار دولار في عام 2018). ويعتمد جزء كبير من تمويل العجز في خطة مجلس الوزراء على مصرف لبنان، المكلف بتخفيض خدمة الدين العام إلى النصف.

تمويل العجز من قبل مصرف لبنان، يعني في الأساس دعوة لطباعة النقود، الأمر الذي سيخلق ضغوطاً تضخمية ويزيد من الضغط على الليرة اللبنانية. وعليه، فإن تقييم المجموعة يشير إلى أن خطة إصلاح مجلس الوزراء غير كافية، وأنها تضغط على سعر الصرف، الأمر الذي سيضر بالأسر المنخفضة والمتوسطة الدخل بشكل رئيسي.

الدفاع عن الليرة اللبنانية
ما لا شك فيه، حسب الخبراء، أن الانخفاض الحاد في قيمة الليرة اللبنانية، من شأنه أن يخفف من عبء الدين العام المتراكم عن طريق محو القيمة الحقيقية للدين المقوم بالليرة، والذي يمثل حوالى 60 في المئة من الدين العام. وفي حين أن هذه قد تكون إحدى الطرق الممكنة لحل عبء الديون المتراكمة، إلا أنها تسبب تكاليف اجتماعية ضخمة، عبر القضاء على صناديق التقاعد ومدخرات الطبقة الوسطى، ما يؤدي إلى انخفاض حقيقي في الأجور. وسيؤدي ذلك أيضاً إلى موجة من حالات إفلاس الشركات المدينة بالدولار، ما يزيد من معدل البطالة المرتفع أساساً، وإضعاف القطاع المصرفي، والإضرار بآفاق النمو المستقبلية. لذا، هناك حاجة لتخفيض قيمة العملة بشكل معتدل وخاضع للرقابة، كجزء من أجندة مؤيدة للنمو لجعل الصادرات اللبنانية أكثر قدرة على المنافسة. ويستطرد الخبراء بالقول أنه لا ينبغي أن يكون هذا الحل هو الأداة الرئيسية لحل عبء الديون المتراكمة.

توصي مجموعة الخبراء بالدفاع عن الليرة اللبنانية على المدى القصير، لإعطاء بعض الوقت للقوى الاجتماعية والسياسية لوضع خطط سياسية ومالية واجتماعية واقتصادية يمكنها التعامل مع التحديات الهائلة التي تواجه البلاد. وتدرك المجموعة أن تكلفة حماية الليرة يمكن أن تكون كبيرة للغاية قبل إعادة الثقة إلى السوق، إذ أن السماح بتخفيض قيمة العملة الوطنية بطريقة غير خاضعة للرقابة لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة الاجتماعية.

ويضيف الخبراء بأنه يجب وضع تدابير طموحة وإنقاذية على المدى القصير بطريقة مسؤولة اجتماعياً. فأفضل طريقة للدفاع عن قيمة الليرة هي إطلاق الإصلاحات اللازمة في أسرع وقت ممكن، من أجل التعزيز السريع لمصداقية البلد. أما في حالة تأخير إجراءات الاستقرار وانخفاض الاحتياطيات الأجنبية إلى مستوى يهدد قدرة البلاد على استيراد السلع الأساسية (مثل الغذاء والدواء والوقود)، فقد يصبح من المستحيل الاستمرار في خدمة الديون الخارجية للبنان. وهنا تصبح المدفوعات المستحقة في 28 تشرين ثاني 2019، وفي الربع الثاني من عام 2020، مثيرة للقلق بشكل خاص.

تعديل مالي موثوق
تشمل السياسات المطلوبة على المدى القصير، لتحقيق الاستقرار في الوضع المالي، الاتفاق السريع على تخفيضات كبيرة في النفقات غير الفعالة، المرتبطة بالفساد وسوء الإدارة، بدءاً من الإصلاح العاجل لقطاع الكهرباء. وينبغي أن تكون هذه التدابير السريعة مصحوبة بقرارات كان يجب اتخاذها منذ وقت طويل بشأن تنفيذ الإصلاحات المؤسسية.

على الرغم من أن آثار هذه السياسات ستظهر على المدى المتوسط والطويل، إلا أنها ضرورية للإشارة إلى مصداقية الحكومة. وفيما يتعلق بالإنفاق، تشمل الجهود التي يلزم الشروع فيها: استرداد الأموال العامة المنهوبة؛ إعادة هيكلة المؤسسات العامة، بما في ذلك دمج أو إلغاء المؤسسات التي لا ضرورة لها؛ وخفض أجور ومنتفعات كبار موظفي القطاع العام. وعلى جانب الإيرادات العامة، ينبغي على الحكومة الشروع في إصلاحات لتوحيد نظام ضريبة الدخل وجعله أكثر تصاعديةً، وكذلك الحد من التهرب الضريبي وتوسيع القاعدة الضريبية، لا سيما عن طريق إزالة الإعفاءات الضريبية على قطاعات وشركات محددة.


المدن