ارتفاع الفوائد... أولى نتائج خفض التصنيف الائتماني

  • شارك هذا الخبر
Friday, November 8, 2019

على الرغم من مجاهرة البنك الدولي للسلطات اللبنانية بالوضع الاقتصادي "الخطر جداً" تزامناً مع خفض وكالة موديز للتصنيف الإئتماني التصنيف السيادي للبنان درجة واحدة إلى Caa2. وهو رابع أدنى تصنيف تمنحه الوكالة لدولة أو شركة، ما زال سياسيو لبنان يتلكأون في تشكيل الحكومة و"يتناتشون" الحُصص وكأن الوضع الاقتصادي والمالي طبيعي، بما يكشف سلوكهم إما بوصفه جهلاً أو إجراماً متعمّداً، مع انعدام تام المسؤولية الوطنية.

لم توفّر وكالات التصنيف والمجتمع الدولي مناسبة إلا ودعت لبنان إلى تطبيق الإصلاحات، ومكافحة الفساد، وزيادة مستوى الشفافية، وضبط تنامي الدين العام، وخفض حاجات الدولة إلى الاستدانة وخفض العجز في الموازنة، غير أن دعواتها لم تلق آذاناً صاغية في السلطة، حتى خرجت الازمة الإقتصادية عن السيطرة إلى حد كبير.

فخفض تصنيف لبنان السيادي من قبل وكالة موديز استتبعه خفض بطبيعة الحال لتصنيف كبرى المصارف اللبنانية لارتباطها الوثيق بديون الدولة عالية المخاطر، ومن المرجّح أن يستتبعه خفض آخر من قبل وكالة S&P ستاندرد أند بورز، وكل ذلك من شأنه أن ينعكس سلباً على تعاملات المؤسسات وشركات القطاع الخاص وحياة المواطن اللبناني عموماً.

ارتفاع الفوائد آت
النتيجة الأولية والحتمية لخفض تصنيف لبنان الى Caa2 ووضعه قيد المراقبة رهن خفض جديد خلال الأشهر الثلاثة المقبلة، هي ارتفاع الفوائد المصرفية، فالتصنيف الائتماني ومعدلات الفائدة يتحرّكان بطريقة معاكسة، بمعنى أن خفض التصنيف يعني ارتفاعاً بمستويات الفائدة، وذلك تماشياً مع ارتفاع المخاطر، ويبقى الأمر الأكثر خطورة انعكاس ارتفاع فوائد السندات السيادية على الفوائد المصرفية عموماً، بما فيها الفوائد على الإقراض للأفراد والشركات. حتى أن بعض عمليات الإقراض السابقة قد يطالها ارتفاع الفوائد كالإقراض السكني على سبيل المثال.

التصنيف السيادي هو تصنيف لديون الدولة. وبالتالي، انخفاض التصنيف يشير إلى تراجع قدرة الدولة على الوفاء بالتزاماتها المحلية والخارجية. ووفق النائب الأوّل سابقاّ لحاكم مصرف لبنان ناصر السعيدي، في حديث إلى "المدن"، فإن تصنيف لبنان الجديد والذي يقارب تصنيف زيمبابوي، رفع مستوى المخاطر على ديون الدولة. ما يعني أن المستثمرين سيطالبون قطعاً بفوائد أعلى من تلك المعمول بها على السندات حالياً، ذلك لأن المستثمر اليوم فقدَ الثقة بقدرة الدولة اللبنانية على الوفاء بديونها. ولا تقتصر مفاعيل خفض التصنيف الائتماني على ارتفاع الفوائد على السندات، إذ سترتفع التكلفة على استدانة القطاع الخاص والمؤسسات وكذلك الأفراد.

قيود وشح بالسيولة
خفض التصنيف وارتفاع مستوى المخاطر على ديون الدولة، يطرح وفق أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية جاد شعبان، في حديث إلى "المدن"، علامات استفهام حول قدرة الدولة على الالتزام باستحقاقات مقبلة. فالاقتصاد يواجه اليوم -وفق شعبان- أزمة تمويل ديون خارجية وداخلية. الأمر الذي يحتّم رفع الفائدة على السندات بالعملات الأجنبية (اليوروبوندز) إلى معدلات عالية تتراوح بين 15 في المئة و20 في المئة. وهي معدلات يَصعب على أي بلد تحمّلها. وكل ذلك يعود الى غياب الثقة بالاقتصاد اللبناني، في ظل غياب الإصلاحات وتراجع التحويلات المالية واستمرار السلطة بالمراوغة والهروب من الأزمة.

أضف إلى هذا، أن المصارف تستمر بفرض قيود على التحويلات المالية من الليرة إلى الدولار، ومن لبنان إلى الخارج. ومن المرجّح أن تتزايد تلك القيود لاحقاً، حرصاً على ما تبقى من سيولة، نظراً لاستفحال الأزمة السياسية وغياب أي حلول عاجلة.

ويتوقع السعيدي المزيد من التراجع بالسيولة، إضافة إلى تراجع تدفق أموال المغتربين إلى لبنان تجنباً لتجميدها من قبل المصارف. وهو ما سيزيد العجز في ميزان المدفوعات ويساهم في خفض إحتياطات مصرف لبنان.

وإذ يذكّر السعيدي بأن 70 في المئة من موجودات القطاع المصرفي هي ديون على الدولة، ومصرف لبنان يعلّق على تعميم مصرف لبنان للمصارف، ومطالبتها بزيادة رأسمالها بما يصل إلى 20 في المئة نهاية حزيران 2020، وعدم توزيع أرباح للمساهمين عن العام 2019، في ظل خفض التصنيف وتدهور قيمة السندات السيادية، يسأل: هل المساهمون في المصارف مستعدون أن يساهموا بالمزيد من التقديمات النقدية لزيادة الرساميل؟ لاسيما في حال جاء تصنيف ستاندر أند بورز سلبياً خلال الأشهر القليلة المقبلة.

وينصح السعيدي القطاع المصرفي بممارسة الضغط على السلطة السياسية، لدفعها الى تأليف حكومة سريعاً من ذوي الكفاءات والمشهود لهم بالنزاهة، للقيام بالإصلاحات عاجلاً، على أمل الخروج من الأزمة المالية والنقدية الراهنة.


عزة الحاج حسن- المدن