طوني بولس - القضاء اللبناني ساحة صراع جديد... و"الكل يدعي على الكل"

  • شارك هذا الخبر
Thursday, November 7, 2019



على وقع هتاف لـ"يسقط حكم الفاسد"، انطلقت حملة القضاء اللبناني لمكافحة الفساد المستشري. وبسحر ساحر، أعلن الرئيس اللبناني ميشال عون إحالة 17 ملف فساد إلى الجهات القضائية المختصة، مضيفاً أن "التحقيقات التي ستتم مع مسؤولين حاليين وسابقين تدور حولهم علامات استفهام لن تستثني أحداً من المتورطين".

ولم تمض ساعات قليلة على كلام عون حتى منح النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات الإذن إلى النيابة العامة المالية بملاحقة 13 موظفاً (بينهم رؤساء بلديات) بعد تلكؤ إداراتهم في منح إذن الملاحقة، قبل أن تدعي النيابة المالية على المدير العام للجمارك بدري الضاهر بتهم فساد، ليقدم ادعاءً مقابلاً على القضاء بتهمة تسريب معلومات سرية.

الادعاء على مدير عام الجمارك

المشهد في لبنان "الكل يدعي على الكل"، وفق ما يصف مصدر وزاري لبناني، مضيفاً بأن نظام الفساد بدأ ينهش بعضه وهذه من نتائج الانتفاضة الشعبية التي كشفت النظام الهش، حيث بات أركان النظام يتقاذفون كرة النار في ما بينهم.

واعتبر المصدر أن أولى محاولات غش الرأي العام بدأت بالهروب إلى الأمام عبر عراضة كشف السرية المصرفية، التي أرادها التيار الوطني الحر ستاراً لإبعاد شبهة الفساد عن نوابه ووزرائه، وكأن الرأي العام لا يعلم أن المال "المشبوه" له جيوب خلفية لا تظهر ببراءة السرية المصرفية.

ويرى المصدر أن إمبراطورية الوزير جبران باسيل التي بناها في الثلاث سنوات الأخيرة تتهاوى على وقع التظاهرات، حيث بدأت أدواته في السلطة تنكشف بتجاوزها للقوانين وتورطها بملفات فساد هائلة، في إشارة إلى مدير عام الجمارك المتورط بالتلاعب بأسعار سلع تم إدخالها إلى لبنان خلال السنوات الماضية لمصلحة رجال أعمال مقربين من الوزير باسيل، وكبدت الدولة خسائر كبيرة بسبب التهرب الضريبي، إضافة إلى التجاوزات والفساد في مرفأ بيروت وشبكات تهريب البضائع على الحدود اللبنانية - السورية.

واعتبر أن باسيل زرع أزلامه في الإدارات الرسمية للاستفادة منهم وتنفيذ مهمات خاصة خارج إطار الكفاءة والعدالة الوظيفية، كاشفاً أن عدداً كبيراً منهم بدأ بالخروج عن طاعته نتيجة التماسهم تراجع سيطرته على مفاصل السلطة اللبنانية، ومنهم ديبلوماسيون في دول غربية باتوا يشيعون أنهم ليسوا في معسكر باسيل السياسي.

التضحية بالأذرع

من ناحيته، شدد الناشط السياسي الدكتور حسان العلي على ضرورة أن نرى محاكمات تنتهي بعقوبات صارمة تجاه كل من مس بالمال العام، تماشياً مع مطالب الجو العام السائد في البلد، معتبراً أن العبرة تكون بالنتائج وليس من خلال البروباغندا الهادفة إلى إلهاء شارع.

ورأى العلي أن الفضائح القضائية التي نشهدها ليست صدفة. إذ "يبدو أن بعض السياسيين بدأوا التضحية بأزلامهم لإبعاد الشبهات عنهم"، معتبراً أن كف يد مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون والادعاء على مدير عام الجمارك بدري ضاهر "يأتيان في هذا السياق وهم معروفون أنهم وكلاء الوزير جبران باسيل".

واعتبر أن حزب الله يدعم هذا التوجه بهدف حماية الرؤوس الكبيرة في المنظومة من جهة وتنفيس الاحتقان الشعبي من جهة أخرى، لأنه بالنسبة إلى الحزب الحفاظ على معادلة الفساد مقابل السلاح هي الأولوية، ولو اقتضى الأمر التضحية بأشخاص باتت الشبهات ثقيلة عليهم، فالأولوية "للمنظومة" بغض النظر عن الأشخاص.

السنيورة تحت القانون

واليوم استهدفت الاعتصامات أمام "أوكار الفساد" بشكل مركز منزل رئيس الحكومة الأسبق فؤاد السنيورة، الذي استطاع لساعات أن يكون محط لقاء نادر، وتوافق على شعار "من أين لك هذا؟" بين الطلاب المنتفضين، وجماعة التيار الوطني الحر المناهضة للانتفاضة اللبنانية. وفي ما يتعلق باستدعائه اليوم أمام المدعي العام المالي علي إبراهيم، قالت مصادر السنيورة إنه سيبقى تحت حكم القانون وقد أعطى إفادته بشكل صريح بكل ما يتعلق بما يسمى هدر 11 مليار دولار أثناء توليه رئاسة الحكومة، مشيرة إلى أن السنيورة كان قد أعطى إفادته علناً أمام الرأي العام وشرح بالتفصيل والأرقام أين صرفت الأموال وأنها كلها كانت مجدولة لدى وزارة المالية.

اقرأ المزيد

الطلبة اللبنانيون يعيدون الكرة... والأحزاب لا تستجيب للاحتجاجات

تنسيقيات لبنانية... "شبكة عنكبوتية مخيفة" و"أشباح" تدير الانتفاضة؟
ولفتت المصادر إلى أن فتح هذا الملف من حين لآخر ليس من باب قضائي، إنما من باب الاستهداف السياسي، خصوصاً في هذه المرحلة الدقيقة، معتبرةً أن بعض القوى السياسية يريد قطع الطريق مسبقاً على أي احتمال لتداول طرح السنيورة على أي حكومة مقبلة، إضافة إلى أن فريق "العهد" الحاكم يريد تشتيت الأنظار عن ملفات الفساد الهائلة التي تطوقه عبر التصويب على سياسيين من الطرف الآخر. وتضيف المصادر أنه في هذه المرحلة تحديداً تحالف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله - ميشال عون يسعى إلى استفزاز الطائفة السنية من خلال التصويب قضائياً على رموز فيها، كالرئيس السابق نجيب ميقاتي، بهدف شرذمة الانتفاضة الشعبية التي تطوقه.

وأشارت المصادر إلى أن الوزير باسيل اعتاد على فتح المعارك على خصومه، مستغلاً أدواته القضائية للانتقام السياسي، "وهذا ما حصل مع المدير العام السابق لوزارة الاتصالات حيث تم اتهامه بملفات فساد بملايين الدولارات لعزله من موقعه الإداري ليتبين لاحقاً وفق أحكام القضاء أنه بريء".

الحل في مشروع القوات

مراجع قضائية اعتبرت أن الزلة التي وقعت فيها مدعي عام جبل لبنان القاضية غادة عون في تصريح صحافي بقولها إن "ملف الرئيس ميقاتي هو ملف قديم ولا يوجد أي توقيت، أنا أتعاطف مع الناس وشعرت معهم، وعندما سمعت صرختهم قلت لنفسي يجب البدء بتحريك الملفات"، يشكل فضيحة كبرى في المجريات القضائية ويكشف انتقائية القضاء ودرجة تسييسه من قبل سياسيين تابعين للعهد الحالي، ويكشف صراحة أن التعينات القضائية الأخيرة كانت سياسية وخارج إطار معايير استقلالية السلطة القضائية، حيث باتت الملفات "غب الطلب"، معتبرة أن قرار المدعي العام التمييزي غسان عويدات بكف يد القاضية عون هو خطوة أولى باتجاه استقلالية القضاء.

المراجع القضائية رأت أنه لا يمكن الشروع بعمليات مكافحة الفساد واسترجاع المال المنهوب إلا باستعادة القضاء استقلاليته عبر إعادة هيكلة شاملة، تبدأ بإقرار قانون "استقلالية القضاء" الذي اقترحه "نادي القضاة" وتبنته كتلة حزب القوات اللبنانية من خلال النائب جورج عقيص، والذي يقضي بإلغاء آلية التعيينات القضائية من خلال مجلس الوزراء واعتماد الآلية الإدارية المستقلة تحت إشراف عام من رئاسة الجمهورية.


Independent