جوي لحود- الثورة ولادة

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, November 6, 2019

التاريخ سيذكر أن 17 تشرين الاول من العام 2019، كان موعد ولادة لبنان الجديد، الذي انبثق من انفجار شعبي واجتماعي عابر للطوائف والمناطق.
نحن نعيش اليوم لحظة تاريخية، لطالما انتظرها الشعب اللبناني طوال فترة سنوات وعقود من الحرمان والانقسام والمحاصصة.
لقد سبق للبنان أن شهد على احتجاجات وتظاهرات مطلبية، لكن دون ان تحدث اي صدمة كفيلة بهز هيكل الفساد الذي فرضته التركيبة الطائفية، لان تلك التحركات لم تكن يوما جامعة، بل كانت دائما تأخذ طابعا حزبي او فئوي او حتى طبقي.
لذلك، كان لا بد من بزوغ جيل من الشباب اللبناني، المنفتح غير الطائفي، جيل من الحالمين والطامحين المتحررين من احقاد الحرب والرافضين لموروثات الطبقية والقيود الاجتماعية.
واتت اللحظة، فاخيرا ظهر جيل من اللبنانيين الذين لا يرون في المسؤول سوى موظف يجب مساءلته، وليس نبي يجب عبادته.
يوم 17 تشرين الاول كان موعد ولادة مواطن لبناني جديد، يعرف حقوقه ولا يتردد في المطالبة بها ويضع حقوقه قبل طائفته واعتباراته السياسية!
هذه الثورة انجبت مواطن عصري ومتحرر، جريء وشجاع، لا يهاب زعيم ولا تخيفه مقامات ولا تدغدغه خطابات طائفية ولا تسحره اساليب الفاشية في مخاطبة الجموع.
نحن نشهد على شروق فكر اجتماعي جديد يرفض الشواذ وينبذ الفوضى! فمن صنع هذه الثورة هم شابات وشبان، استطاعوا من خلال هواتفهم الذكية، مقارنة حياتهم اليومية في لبنان المهترئ، مع حياة ابناء جيلهم في بلدان العالم المتحضر.
هؤلاء الشباب يريدون دولة بكل ما للكلمة من معنى ولن يرضوا بالعيش في بلد ينخره الهريان والتعصب والسلاح المتفلت!
هذا جيل قد نبذ نمط الحياة التي نشأت عليها اجيال ما بعد الحرب الاهلية، فهو لا يمانع من الانتظار بالصف لاتمام معاملة ادارية، وهو لا يرى بهذا الامر انتقاص من قدره،
هو جيل غير قادر على التأقلم في القيادة على طرقات معتمة، محفرّة وبدائية ولا يحتمل انترنت بطيء ولا يتقبّل ادارة غير ممكننة ولا يستوعب مشهد مخالفة تحصل امام شرطي دون ان يحرّك الاخير ساكنا.
صحيح ان الثورة قد حققت نتائج سياسية عدة، ان كان عبر اسقاط حكومة التسوية التي امعنت في قمع الصحافة وأصحاب الفكر وتسبّبت بهدر الاموال العمومية وارتكبت الصفقات المشبوهة وتقاسمت القضاء والادارة والمرافق، وكأن البلد شركة مملوكة من قبل اهل التسوية ومعهم غطاء السلاح المرادف للدولة!
لا شك ان الثورة قد كسرت احتكار الاحزاب للساحات وللقرار الوطني وانها الغت الخوف من التهديد والبلطجة واسقطت الاملاءات العابرة للشاشات!
لكن، أهم ما انتجته هذه الثورة، هو ولادة رابط اجتماعي ايجابي بين كل المشاركين في الثورة، والذي تجلى بالمظاهر الموحدة بين مختلف الشابات والشبان، ان كان من خلال الغناء والرقص او من خلال مشاركة الوجبات او عبر التعاون في التنظيف، والتنسيق في التنظيم، وتوحيد الهتافات بين مختلف الساحات في مختلف المناطق. وقد تجسد هذا الرابط بالتعامل المتبادل بين المتظاهرين، الذين قفزوا فوق الطبقية وتخطوا تمايزهم الطائفي وخلفياتهم الاجتماعية واسقطوا كل الاحكام المسبقة تجاه بعضهم البعض.
واخيرا حصلت المصارحة والمصالحة بين ابناء جيل من غير الحاقدين، بعد ان استحال على اسلافهم ان يتصالحوا بسبب فشلهم في تخطي ضغائن الحرب واثارها – فمن كان ليتصور ان يجتمع السني والشيعي والمسيحي والدرزي في ساحة واحدة ليهتفوا معا شعار واحد "كلنا للوطن" ومن كان ليتصور بأن طرابس ستهتف للضاحية وبأن النبطية ستهتف لجل الديب؟!
انها لحظة ولادة عائلة لبنانية جديدة!
ان هذه النتائج الاجتماعية هي اهم من اي خرق سياسي حالي قد تنجزه ثورتنا، لأن ولادة هذا الفكر الاجتماعي الجديد سيكون له حتما اثار سياسية لاحقة، وذلك بعد ان ننجح في استثمار هذه الظاهرة الاجتماعية الجديدة بهدف ارساء قواعد الوطن الذي حرمنا منه مطولاً.
فبعد ان قامت التركيبة الحاكمة للبنان عبرالعقود، بإضاعة سنوات من عمر البلد في ترقيع وتناتش ما تبقى من مؤسسات ومرافق عامة موروثة من العثمانيين والفرنسيين، حتى وجدنا انفسنا في هيكل دولة قابل للسقوط على رؤوسنا في اي لحظة وامام اي مطب اقليمي، اتت ثورتنا ووضعت حجر الاساس في ورشة بناء الوطن الذي طال انتظاره – فمن المستحيل بناء دولة ان لم تكن اسس الوطن موجودة وصلبة ومتينة!
ان من يراهن على توقف الثورة وعلى كلل الشباب، يجب ان يأخذ بعين الاعتبار ان ما بدأ يوم 17 تشرين الاول 2019، لن يتوقف!
فجيل ثورتنا قد اعاد لللبنانيين الامل بغد افضل، ودفعهم للاعتزاز مجددا بهويتهم، واعاد ربط الاواصر بين الداخل اللبناني وبين الاغتراب ووحدنا كلنا تحت راية واحدة هي "الأرزة".
جيل ثورتنا قد اجرى تحديثا على نظام التفكير الاجتماعي، وسيصعب جدا قرصنة هذا النظام، ان كان بواسطة خطط التفرقة المذهبية او عبر التهويل والتضليل!
ان قطار التغيير قد أقلع، وسيطيح بكل من يحاول عرقلته! انه عصر العولمة وعصر البرامج الذكية، فعلى اللذين لا يزالون يتمسكون بالعقلية السياسية القديمة في مقاربة شؤون الناس، ان يتنبهوا، فقد يجدون انفسهم قريبا متروكين في الخلف يخطبون بما تبقى لهم من ازلام.
يبقى أخيرا ان يستمر النفخ في نار هذه الثورة، الى حين حلول موعد الانتخابات النيابية المقبلة، فنترجم ولادة الفكر الجديد في صناديق الاقتراع، وتدخل الثورة الى داخل المجلس النيابي وتبدأ ورشة الاصلاح السياسي.
أسلافنا سيحسدوننا على ما صنعناه، والأجيال القادمة ستشكرنا على ما أنجزناه.
عاشت الثورة!
المحامي جوي لحود