عمّار نعمة- المعارَضة العونية تحذِّر من الإنهيار: إياكم وعودة باسيل!

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, November 6, 2019

يقارب العونيون المعارضون لقيادة التيار الوطني الحر بزعامة الوزير جبران باسيل، بواقعية مسار الأمور في البلاد، ويسجلون عن كثب الضرر الذي حلّ بصورة التيار ورئيسه.. في انتظار خطواتهم المقبلة بعد فترة التأسيس الرسمي.

أعلن هؤلاء، وهم من شخصيات ذات تاريخ محترم ومؤسس في التيار، عن أنفسهم في شكل شبه رسمي، في القداس الذي دعا إليه «رفاق شهداء 13 تشرين» في كنيسة الصعود في منطقة الضبية، والذي اختار مناسبة وجدانية قبل 24 ساعة من الإحتفال الرسمي لقيادة التيار في بلدة الحدت.

يجاهد المعارضون في وجه الظروف الموضوعية والصعاب مختارين النشاط تحت عنوان «التيار - الخط التاريخي»، وهي تسمية لم تأت من فراغ كونها تريد صبغ التحرك بتاريخية وعراقة يفتقدها باسيل كما يؤكد خصومه.

هم يجهدون لحشد التأييد، ويميز وجوههم، إضافة الى الطابع التاريخي، ذلك الثقافي النخبوي والإرث العسكري، في موازاة حضور شباب متمرد ومحتقن من هيمنة مفترضة ومجحفة من قبل باسيل على التيار. وهم يعلمون تماما أن لا مجال للمقارنة مع دفق شعبي كبير وجهه باسيل وقيادته لهم كما لغيرهم، عبّر عن نفسه في مسيرة بعبدا الأحد الماضي والتي رآها كثيرون متماهية مع توجه رئيس الجمهورية ميشال عون الذي يحتضن باسيل ويرعى خطواته.

على أن ما يميز تحرك المعارضين اليوم كونه خرج من القمقم ليجاهر علنا وأحيانا بقسوة، بانتقاداته لباسيل ولمجموعته، بينما يحيّد شخص الرئيس عون الذي لا يزال بالنسبة إليه العماد نفسه قائد مسيرة التحرير في لبنان والمنفى.. وإن كان عون نفسه ليس فوق الانتقاد بالنسبة إليهم.

والواقع أن الانتفاضة الشعبية التي اندلعت في البلد مؤخرا قد وجهت ضربة كبيرة الى العهد وخاصة الى التيار والى شخص باسيل، ما دفع التيار الى محاولة استعادة زمام المبادرة عبر مسيرة بعبدا والتي جمعت فعلا أعدادا من فئات مختلفة.

لكن الأمر يبدو مغايرا بالنسبة الى المعارضين. لا أهمية هنا للعبة الأعداد، وهم يستعيدون زمن السيطرة السورية على لبنان حين شكل مناضلو التيار أقلية جاهدت طويلا عبر فعل تراكمي قبل أن يتحقق الحلم. وحسبهم أنهم كاليوم، يعبرون عبر أعدادهم القليلة عن الآلاف من المعترضين المنكفئين عن النشاط لأسباب مختلفة.

وبالرغم من ذلك، ثمة في أوساط المعارضين تقييم خاص لمسيرة بعبدا. هو حنين جامع لكل محب للتيار ولزعيمه الأصيل ميشال عون. «كان دفاعا عن رمز تاريخي وهجوما مضادا على استهداف التيار». هكذا يقارب العونيون الذين يعارضون القيادة الحالية على الحشد في بعبدا بعد أن رأوا ان الاستهداف هو لعون نفسه وللعهد برمته.

إذا، لا اهمية كبرى للعبة الاعداد، «فقد نزل الجميع بمن فيهم من هم ضد قيادة جبران للتيار، الى الشارع، وقد غادر كثيرون الساحات مع بدء جبران لكلمته ما يعد دليلا على التململ الداخلي منه».

ماذا حدث لصورة التيار؟

شكلت سياسة قيادة التيار الأرضية الخصبة لتحرك الشارع ضده، وقد زاد من نقمة الشارع على باسيل عدم اكتراثه وفوقيته وكيل قياديي التيار الشتائم الى الحراك، بدلا من التعاون مع المحتجين في سبيل لبنان أولا ومن ثم تطهير صورة التيار المناهض للفساد والداعي الى الإصلاح.

ربما هي فرصة لهؤلاء لاقتناص النبض الشعبي في سبيل ضرب صورة باسيل، لكن المعارضين يعرفون ان دون الأمر صعوبة كبيرة، برغم ان رئيس التيار سيمضي في سياسته المناهضة للحراك وهو أمر يبدو واضحا عبر وسائل إعلام التيار، ما من شأنه مفاقمة النقمة عليه في الحراك كما حدث فعلا.

يمكن القول ان المعارضين يقفون فعليا في صف الحراك ويرون فيه بارقة أمل حقيقية وفرصة للبلاد التي تعاني الأمرّين. وبرغم عدم وجود خلافات سياسية استراتيجية مع قيادة التيار، فإن الأزمة شكلت الخلاف الأول الحقيقي بين هؤلاء والتيار وحلفائه وبينهم حزب الله وغيره من حلفاء باسيل.

المعارضون يرفضون بقوة نظرية المؤامرة والتمويل الخارجي للحراك. «لقد تحرك الناس بعفوية» من دون نفي امتطاء أفرقاء سياسيين للحراك واغتنامهم فرصة نزول الناس الى الشارع، وهو أمر طبيعي بالنسبة إليهم، لكن الاساس لا يزال يتمثل في صرخة وأوجاع المحتجين والتي عبرت عن نفسها من جديد في «أحد الوحدة».

لقد تضررت صورة العهد والتيار مثلما تضررت صورة غيرهم كرئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة سعد الحريري وآخرين، حسب وجهة النظر هذه، والحل سيكون بحكومة «شجعان» على حد تعبير أحد قيادييهم.

ولكن ما الذي يقصده بذلك؟ يجيب: نحن واقعيون. ونعلم ان حكومة تكنوقراط غير واقعية ونريد حكومة من نظيفي الكف. ومن غير الممكن أن لا يكون الوزراء مقربين من جهة ما، لكن المهم تشكيل مثل هذه الحكومة المطمئنة للبنانيين لتتولى الامور في مرحلة انتقالية.

ماذا لو عاد الجميع الى الحكومة السياسية بحجة أنه لا إمكانية لمواجهة الظروف بغير ذلك ولكي تكون مرآة للانتخابات النيابية؟

«عندها، وفي حال عودة الوجوه المرفوضة ومنها باسيل، سيتجه البلد حكما نحو الانهيار!».

خطوة خطوة

يتدرج المعارضون في خطواتهم ويدرسونها بعناية خطوة بعد الأخرى. وقد سرى إليهم ان باسيل سيقوم بالمزيد من التطهير في صفوف التيار، ويربط كثير منهم ذلك بكلام رئيس التيار في احتفال بعبدا حول «الخونة» وهو بذلك يلمح في شكل رئيسي الى النائب العميد شامل روكز الذي خرج من تكتل لبنان القوي، ويفسر البعض هذه اللغة بكون باسيل قد وضع خطة هجومية مضادة سيستهدف بها خصومه عند الفرصة الأولى.

تشير مجموعة «الخط التاريخي» الى خطة تحرك اعتراضية مقبلة من غير تحديد الزمان، لكن، في تأمل بسيط لواقع الأمور، تبدو المعركة في وجه باسيل شبه مستحيلة في هذه الظروف كونه قد شد عصب التيار وراءه في هذه الأزمة، بغض النظر عن التهشيم الذي حل في صورته عند آخرين. كما أنه حصل على دعم غير مسبوق من حزب الله، اللاعب الأهم في البلاد. وباسترجاع بسيط للفترة الماضية، لم يتمكن مناهضو باسيل من تكوين حالة شعبية كبيرة متماسكة تخوض معركة جدية ضده، حتى ان التمايزات شابت مواقفهم.

لكن، في المقابل، لدى المعارضين الكثير من الأمل، هم اليوم يشبهون زمن البدايات وفترة النضال في ظل ظروف أصعب بكثير مما هي الآن. هنا بالذات تكمن بارقة الأمل لديهم.