محمد عبيد‎- الإبراء المستحيل

  • شارك هذا الخبر
Monday, November 4, 2019

"الإبراء المستحيل" يَصُح أن يكون شعار إنتفاضة الشعب اللبناني على أن يشمل كافة مكونات السلطة قديمها وجديدها.
يبدو أن هذه السلطة الموزعة بين من يتقصد إنكار التحولات التي فرضتها هذه الإنتفاضة في المزاج العام اللبناني، وبين من يتعمد تجاهل تداعياتها المباشرة والمستقبلية على إقطاعيته الطائفية-السياسية، وأيضاً بين من يسعى لتبرئة نفسه أو حيثيته الحزبية من جميع الإرتكابات الفاسدة وتبرير مشاركته مع المرتكبين في إدارة البلاد على المستويات السياسية والإقتصادية والمالية والإنمائية والإجتماعية والمعيشية.. قد فقدت الشرعية الوطنية التي تجاوزت "الشرعيات" الطائفية والمذهبية والحزبية التي وزعت اللبنانيين ساحات متقابلة يتم إستحضارها كلما دعت الحاجة.
لكن الأسوأ أن أركان هذه السلطة الذين راكموا عوامل إنهيار بنية الدولة الإقتصادية والمالية وحتى الإدارية، ما زالوا يعتمدون في مقاربتهم لهذه الإنتفاضة الآليات التقليدية ذاتها في محاولاتهم الخجولة لإحتوائها. والأكثر سوءاً أن هؤلاء لم يجدوا سبباً مقنعاً يدفعهم على الأقل الى تغيير خطابهم السياسي أو تعديل وعودهم الإصلاحية أو البحث عن لغة مشتركة تقربهم من اللبنانيين المنتفضين.
من هذا المنطلق، تبدو تظاهرة "أهل الوفاء" على طريق قصر بعبدا اليوم فِعلاً حزبياً محدوداً لا يرقى الى الحيثية الدستورية التي منحها اللبنانيون لفخامة الرئيس ميشال عون، كما أنه لم ينجح في إستعادة شبه الإجماع الشعبي الذي حمله معه العماد عون كأملٍ لتحقيق مشروع الإصلاح والتغيير المنشود.
كذلك لم يكن الرئيس عون بحاجة الى هذه التظاهرة كي يمنع "إسقاط العهد"، فولايته الرئاسية محمية أولاً بتوازنات سياسية داخلية وإقليمية كانت قد قادته الى سدة الرئاسة ولم تتغير، وثانياً بحُرمٍ كنسي وسياسي ماروني سيتم إستحضاره إذا دعت الحاجة كما حصل مع حملة "فِلّ" ضد الرئيس الأسبق إميل لحود.
أفترض مشهداً سوريالياً بعض الشيء: لو صحونا اليوم على أخبارٍ تفيد بأن فخامة الرئيس أرسل كتاباً الى مجلس النواب يطالب أعضاءه بالعمل في مهلة زمنية لاتتجاوز الثلاثة أشهر لإقرار قانون إنشاء "الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية"، كخطوة تمهيدية للوصول التدريجي الى قيام الدولة المدنية، وأخبار أخرى أنه أعاد الى المتقدمين الى إمتحانات مجلس الخدمة المدنية وخفراء الجمارك والمعلمين المتعاقدين وغيرهم حقوقهم المكتسبة، وأخبار ثالثة عن تعيين موعد الإستشارات النيابية المُلزمة لتسمية رئيس حكومة ودعوته لتشكيل حكومة نظيفة كما قال منذ أيام قليلة، وأخبار وأخبار تلاقي وجع اللبنانيين وآمالهم وأحلامهم بوطن العدالة الإجتماعية والمساواة.. لكان ذلك أشد حباً للبنانيين وأكثر وطنيةً وأفعل أثراً من تظاهرة إنتهى مفعولها بمجرد إخلاء حضورها ساحة الإحتشاد الحزبي.
إسقاط العهد مستحيل، إلا أن الإستمرار بإضعافه وشَلِ قدراته كامنٌ في بطانته، وقد لاتكفي السنوات الثلاثة المتبقية منه لتصحيح ذلك.
وإبراء أركان السلطة القدامى منهم والجدد أيضا مستحيل..

محمد عبيد
المدير العام السابق لوزارة الإعلام