لهذه الأسباب لن أعود إلى بعبدا لأهتف جنرال...

  • شارك هذا الخبر
Sunday, November 3, 2019

جيلبير رزق - موقع الكتائب

أمام الدعوة إلى التظاهر في قصر بعبدا، تستحضر اللبنانيين ذكرى مرحلة مرّة من تاريخنا المعاصر، وأجدني مضطرًا إلى مصارحتك سيّدي الرئيس.

لبنان الذي عشقناه منذ نعومة أظفارنا، نراه ينهار أمام أعيننا اليوم. مشلّع ممزّق، اقتصاده منهار وشعبه يئنّ من سطوة الضرائب وشح مصادر التمويل. مجتمعه ينفجر شيئا فشيئا بعد أن مست كرامة أبنائه فلم يعد هناك ما يخسرونه. لبنان اليوم على مفترق طرق: إما يخرج من محنته باتجاه الجمهورية الجديدة، وإما يسقط فريسة الفساد ووحوش السلطة التي تتآكله.


وصلتنا دعوتك فعادت بي الذاكرة إلى اليوم الذي بكل بساطة صدقنا أنك ستقيم دولة عصرية يكون الإنسان فيها قيمة مطلقة. قلت لنا يومها إن لا سلاح غير سلاح الجيش اللبناني، ووحده يمتلك مركزية قرار الدفاع عن الوطن، قلت لنا إنّ زمن الميليشيات ولّى وإنّ الشرعية وحدها ستحكم.
قلت أيضًا في محاضرات دورات أنصار الجيش إن "لا شيء اسمه مقاومة طالما آخر عسكري في الجيش اللبناني يلبس بزّته ويحمل سلاحه، وعندما يسلم آخر عسكري في الجيش اللبناني سلاحه ويخلع عنه بزّته، عندها يمكن أن تنطلق المقاومة كميليشيا مسلحة، أما قبل ذلك فكل من يحمل سلاحا خارج الشرعية يجب أن ينزع منه هذا السلاح".

وتحت هذا العنوان ارتضينا على أنفسنا الجراحة الأليمة، لم نفكر لا طائفيا ولا مذهبيا... اصطدم قرارك بقرار من كان يمسك بزمام السلطة من طرفها الآخر على الأرض فكانت المأساة.


صرخنا بصوت واحد لبّيك لبنان، ووجهنا البنادق وفوهات المدافع إلى أهلنا وإخوتنا، في قرانا وبلداتنا ومدننا، فانقسمت مدافع "لبنان الحرّ" وتمترست في وجه بعضها البعض، ومزّقت البنيان والإنسان في المناطق المحررة والمناطق التي كانت حتى حينه سليمة من نير الإحتلالات.
كان ما كان من مآس وجراح لم تندمل، وقلوب أمهات احترقت وما زالت تنزف وجعا حتى يومنا هذا.
كل هذا لماذا؟ لكي يكون السلاح في يد الجيش وحده ولكي تكون السيادة للدولة وحدها. لهذا دفعنا فاتورة الدم وبعدها التنكيل والتهجير والنفي واليأس، فاستُنزفنا واستُنزف مجتمعنا معنا وتضاءل حضورنا في مؤسسات الوطن.
ارتضيناها ذبيحة كبرى، ذبيحة الإخوة على رجاء قيامة الوطن، ولملمنا جراحنا وسامحنا في سبيل الدولة الحقّة من دون أن ننسَى، من أجل دولة الإنسان كقيمة مطلقة، دولة المواطنة واحترام القانون.


لكن سيّدي الرئيس كل هذا ذهب هباء، كل هذا تبين أنه وهم مواطن موجوع ووهن ثائر مخدوع.
لماذا؟
لأن التسوية السياسية التي أبرمتموها للعودة إلى قصر الشعب اقتضت بأن تُحكم الدولة من رؤوس عدّة، واقتضت أيضا السكوت عن الدويلة ضمن الدولة، لا بل ذهبتم من خلال فريقكم السياسي إلى حدّ الدفاع عنها والكرازة بها في أدبيات التخاطب وفي الإطلالات الإعلامية والإعداد الشبابي، فبانت لنا حقيقة مرّة أن ما رفضنا الإذعان له مع "جورج وفرنسيس" رضينا عنه في دويلة المرشد.


نعم سيّدي الرئيس، نجدكم اليوم، وأنتم في السلطة تدافعون عن سلاح رديف للجيش، ودويلة قائمة في الدولة، يحكمها غيركم إلى حدّ تقرير المصير في الوطن كله.
وأكثر من هذا نقف بعد 3 سنوات على انطلاق عهدكم ونعدد بعضا من الذي ضاق به اللبنانيون ذرعا حتى خرجوا ثائرين على هذا النظام القائم، وأعني بالنظام ليس النظام اللبناني كما نص عليه الدستور بل نظام المحاصصة المافيوقراطي الذي فتّت الدولة.


ويكفي سرد بعض إنجازات العهد لكي تعرف سيّدي الرئيس لماذا يستحيل علينا العودة إلى التجمهر في بعبدا:
1- تجنيس أسماء ترتبط بنظام الأسد.
2- تهريب الدواعش الذين قتلوا عناصر وضباط جيشنا البطل وحرمان الجيش الإحتفال بانتصاره على داعش.
3- صفقة بواخر الكهرباء واصرار الوزير التابع لفريقكم السياسي على التهرب من إدارة المناقصات.
4- قطاع الاتصالات تحت وطأة الإحتكار من شركتين وفاتورة الإتصالات الأغلى في العالم.
5- استدعاء مئات الناشطين والصحافيين بسبب مقالات ومنشورات عبر التواصل الإجتماعي تعبّر عن آرائهم.
6- فضيحة جهاز امن الدولة بملف زياد عيتاني.
7- تصنيف المدن اللبنانية البحرية من بين المدن الأكثر تلوثا عربيا وعالميا.
8- الفشل الذريع في ملف النفايات، والذهاب نحو انشاء ٢٥ مطمرًا ومكبًا عشوائيًا والتسويق للمحارق.
9- تصنيف لبنان بالمرتبة الأولى بنسبة الاصابة بالسرطان بين دول غرب آسيا.
10- تشريع وجود مافيات المولدات من خلال بدعة العدادات بدل تأمين الكهرباء الذي يشكل موجبا على الدولة.

11- فضائح الصفقات وفساد التلزيمات من خارج المناقصات، ابرزها فضيحة شراء أجهزة التفتيش Scanner قبيل القمة العربية الإقتصادية وما ترافق معها من لفلفة للموضوع وتشكيلات لمسؤولين أمنيين بسبب فظاعة ما حصل. ناهيك عن فضيحة المازوت الأحمر وغيرها...
12- وصف الشعب اللبناني بالساذج والعبارات النابية الأخرى (سجلّ حافل).
13- تعطيل التوظيف عبر مجلس الخدمة المدنية واستمراره للأقرباء والمقربين، ليبدو فريق عملكم أشبه بالحاشية منه إلى فريق تقني عصري.
14- أكبر نسبة ارتكابات في انتخابات نيابية منذ انتخابات التزوير التي أجراها الرئيس الراحل بشارة الخوري وما كان يعرف بالسلطان سليم.
15- رفض الوزير سيزار ابي خليل عرض شركة ألمانية أبدت رغبة في بناء معامل كهرباء بكلفة أقل بكثير من كلفة استئجار البواخر.
16- الانكماش الاقتصادي بفعل هروب الاستثمارات والرساميل التي اختفت منذ دخول حزب الله على خط المواجهة العسكرية مع العرب في بلدانهم واستمرار وزير خارجية لبنان، رئيس تياركم السياسي، الوزير باسيل بالدفاع عن حزب الله في المحافل الدولية، ناهيك عن استقباله وزير خارجية فنزويلا وحربه الديبلوماسية لإعادة النظام السوري إلى الجامعة العربية.
17- الزيارات الباهظة لفخامتكم إلى الخارج واصطحاب من يلزم ومن لا يلزم لتتخطى أرقاما قياسية في نفقات السفر بالنسبة لدولة وضعها الإقتصادي يُرثى له.
18- بفضل سياسة تلازم المسار والمصير مع محور ايران وجهود وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال جبران باسيل أصبح جواز السفر اللبناني بالمرتبه ١٠٠ من بين ١٠٦، ما يعني اننا قاب قوسين من فوزنا بجائزة اسوأ جواز سفر في العالم.
19- اللبنانيون يُذلون يوميًا على الطرقات لغياب البنى التحتية.
20- اللبنانيون يذلّون على محطات الوقود دوريا بسبب الأزمات المتكررة للبنزين.

21- اللبنانيّون يبحثون عن الدولار ولا يجدونه في السوق والسلطة تخبئ رأسها في الرمال.
22- اللبنانيون منقسمون حول شكل انهيار الليرة وكيف سيكون السيناريو لكنهم مجمعون على انهيارها قريبا.
23- لبنان يحترق أمام أعين نيرون أي السلطة، والطوافات موجودة لكن من دون صيانة، عسى أن "نزمّط" صفقة طوافات جديدة.
24- فضيحة أدوية السرطان المزورة (اختفى الملف كليا من الوزارة) وبطلته التي خرجت حرّة لأننا في دولة القانون ودولة "كل شي بيتظبّط لعيون الزعيم".
25- فضيحة مرفأ بيروت الذي يجمع كل أفرقاء السلطة على السرقة فيه من دون أن نعرف أين تذهب الملايين. وفضيحة السيارات الفخمة فيه التي تترك من دون جمرك ليأتي صاحبها ويشتريها في المزاد العلني بعد أن يتفق على توزيع المواد المعروضة.
26- التهرب الجمركي والضريبي لمئات الشركات والتي تفوت على خزينة الدولة مئات الملايين من الدولارات تذهب إلى جيوب المنتفعين من رجال الأعمال والسياسية ويستعاض عنها بالضرائب على كاهل المواطنين. منها شركات كتبت عنها تقارير صحافية ومعروفة بالإسم وموجود ملفها لدى القاضي المالي علي ابراهيم ولا يحرك ساكنا في هذا الإطار لأنها من المحميات.
27- توظيف أكثر من ٣٠ الف محازب بالدولة بصورة غير قانونية.
28- توظيف ٥٢٠٠ شخص عقب اقرار سلسلة الرتب والرواتب، عشية الإنتخابات النيابية، بالرغم من صدور قانون يمنع التوظيف في هذه الفترة.
29- إقرار سلسلة الرتب والرواتب على أساس أن كلفتها مليار و800 مليون دولار ليتبين أن الكلفة تبلغ مرة ونصف قيمة المبلغ المطروح وبالتالي لا تعرف السلطة عدد موظفيها وقيمة رواتبهم.
30- الإستمرار في نزوة فرض الضرائب حتى وصل الأمر إلى اقتطاع حقوق العسكريين المتقاعدين الأبطال والشهداء الأحياء.

31- الجريمة البيئية المتمثلة بالمكبات العشوائية في المناطق والمكبين الشهيرين في الجديدة برج حمود والكوستابرافا، حيث تطمر النفايات من دون معالجة.
32- حرمان شباب لبنان قرض الإسكان هم الذين ارتضوا أن يحملوا وزر قرض يسدّدونه على مدى 30 عاما لكي "ينستروا" تحت سقف يأويهم، ولكن حتى هذا القرض حرموا منه في عهدكم.
33- الجامعة اللبنانية ومستواها التعليمي الذي ينهار بفعل إهمال السلطة.
34- المدارس الرسمية التي باتت أشبه بالزرائب لا المدارس.
35- البطالة التي وصلت إلى حدود الـ 30% وأكثر من 45% من العاطلين عن العمل ما دون الـ 30 من العمر.
36- اللاجئون السوريون وانتشارهم العشوائي وعوض وضع خطة واستراتيجية وطنية لمعالجة هذا الخطر وهذه المشكلة نكتفي بالخطاب العنصري والشحن الطائفي بانتظار أن يأتي الحل من عند ربنا.
37- البؤر الأمنية والمناطق المحرومة وازدياد الفارق بين الوسط والأطراف من الناحية الإنمائية وما ينتج عنه من فوارق طبقية وازدياد لمستوى الفقر.
38- غياب قطع الحساب عن الموازنة سنة جديدة على الرغم من الوعود التي قطعت والنبرة العالية التي تم التأكيد فيها على إتمامه وعدم القبول بتأجيل تقديمه ما يشكل ارتكابا ومخالفة دستورية.



وغيرها وغيرها من النقاط التي يطول الحديث عنها ويمكن الاستمرار في تفنيدها، ويخرج من يقول: "لا يدعوننا نعمل".

سيّدي الرئيس، في التحصيل السياسي لم يبخل عليكم اللبنانيون بشيء ومنطقيا لا يمكن لأي سياسي أن يحصل مناصب أكثر من التي منحكم اياها الشعب اللبناني وبالتالي حقه عليكم الآن بموجب نتيجة ألا وهو وطنٌ على مستوى طموح مواطنيه.
- حصّلتم رئاسة الجمهورية مع ما يحيط بالرئاسة من جهاز مستشارين وإداريين.
- أوصلتكم أكبر مروحة تحالفات سياسية.
- عيّنتم 11 وزيرًا .
- معكم تكتل نيابي من 29 نائبًا.
- وزير العدل وزيركم (يحرك الضابطة العدلية).
- عيّنتم قائدًا للجيش.
- عيّنتم مدير أمن الدولة.
- أكثر من 55 مديرًا عامًا في الإدارات الرسمية.
- تعيينات قضائية كما أردتم.
- تعيينات دبلوماسية كما أردتم.
- رئيس التفتيش المركزي
- عشرات رؤساء البلديات وعدد من رؤساء اتحادات البلديات
- عدد من المحافظين
- تشكيلات أمنية كما أردتم
- تشكيلات قضائية حدّث ولا حرج

كل هذا والنتيجة كما ذكرنا أعلاه. سيّدي الرئيس سيبقى لديكم تياركم السياسي ومناصريكم وهذا لا شك فيه، وعندما تستدعيهم لدعمك في العلن ودعم الوزير باسيل ضمنا فلا شك أنهم سيملأون ساحة أمام قصر بعبدا، أو شارعا فرعيا مؤديا إليه، فكلنا يعرف البلد وطبيعة العلاقة بين الزعيم والمناصرين، لكن ماذا عن شعب لبنان العظيم الذي خرج بالأمس في عشرات الساحات والطرقات في لبنان وحول العالم؟
شعب لبنان العظيم الذي خرج يوما إلى قصر بعبدا ليقدم أمواله ومجوهراته دعما للسلطة التي ستصنع له وطنا، خرج بالأمس يتظاهر على مقربة من القصر وفي مختلف المدن اللبنانية للتخلص من هذه السلطة.


لقد أهدرت السلطة، التي فريقكم السياسي جزء أساسي منها، كل الثقة التي منحت إليكم ولم يعد أمامكم سوى مخرج لائق واحد لا غير، الارتقاء إلى مستوى الوطن والمواطن والإستماع إلى المطالب وتنفيذها لا الالتفاف عليها، فمنظر قصور السلطة كلها مطوقة بالشريط الشائك والجيوش لحماية أهل السلطة من الشعب، مشهد مؤسف يضاف إلى مشاهد مؤسفة عديدة يستفيق عليها شعبك في هذه الأيام البائسة كما أراد وصفها غبطة البطريرك صفير.
سيّدي الرئيس إليك سؤال من القلب وقد مرّ على عهدك أكثر من نصفه وقد تهاوت التحالفات وكثرت الإنقسامات بين أهل التسوية على وقع الصوت الصارخ للثوار في الطرقات والساحات،
ماذا تريد أن يقال عن عهدك بعد انقضائه؟