زينة منصور- الانتفاضة اللبنانية 2019

  • شارك هذا الخبر
Saturday, October 19, 2019

إن مشهد اللبنانيين المنتفضين في الساحات والميادين, الرافضين للفساد ونهب المال العام  والطائفية والمحاصصة والإقطاعات السياسية  والأحزاب الطائفية والتوريث العابر على الطوائف في كل لبنان، أكد الأزمة العميقة الضاربة في الدولة العميقة التي ترزح منذ عام 1943 تحت وطأة جملة من الأسباب الموروثة والمستحدثة التي تساهم في تخلفها وعدم قيامتها وهجرة شعبها وانهاكه الإقتصادي الاجتماعي وهي : الطائفية , الفساد ، المحاصصة، الإقطاع السياسي، الطبقية والعائلية.

بعد مئوية لبنان الكبير وخمسة قرون على إعدام مهندس وباني لبنان الحديث فخر الدين، ما زالت الحياة السياسية اللبنانية تتحكم بمفاصلها المحددات التقليدية من الطائفية والإقطاعات السياسية التي تحولت من صيغتها التقليدية إلى صيغة تنفيذية سياسية دولاتية بعد انتهاء الحرب الأهلية والتعديلات الدستورية التي أعادت رسم إدارة الحكم بعد اتفاق الطائف عام 1990، وتحولت إلى صيغة المحاصصة وتقاسم مقدرات الدولة بين رؤوس الطوائف والأحزاب الطائفية، ما أدى إلى  تشوهات في بنية النظام اللبناني وإدارة المرافق العامة ومقدرات الدولة والخزينة العامة نتيجة الفساد العام الناتج عنها.

إن منظومة الفساد المنظم والمغطى عبر البرلمان والحكومة والرئاسة والمجالس المتخصصة بالمشاريع التأهيلية ومنظومة المحاصصة بين رؤوس الطوائف وتقاسم المقاعد النيابية بين الأحزاب الطائفية ولعبة التعطيل والابتزاز السياسي فضت كليا على أي بارقة أمل لقيامة الدولة اللبنانية.

شهدت الطوائف اللبنانية تاريخياً سلسلة من الانتفاضات الرافضة للهيمنة عليها سواء سياسيا، اقطاعيا، اقتصاديا واجتماعيا، وكان أقدمها ثورة الفلاحين مع طانيوس شاهين في انتفاضة مارونية  تاريخية, مروراً في الخمسين سنة الأخيرة بحركة المحرومين التي أطلقها الإمام موسى الصدر في انتفاضة شيعية تاريخية، ومرحلة الثورة الفكرية على الإقطاع التي أطلقها الراحل كمال جنبلاط والتي تم انحراف مشروعها لاحقاً، وصولا إلى بروز دور رئيس الحكومة الاسبق الراحل رفيق الحريري وما رافقه من مشروع إعماري تعليمي يعد بدولة حديثة لجميع اللبنانيين. وعليه بقيت العديد من الطوائف لأسباب عدة تعيش في مشاريع تغيير مجمدة مذوبة بالدولة أو منحرفة عن جوهر انتفاضتها.

 يشهد لبنان حاضراً مشهداً لانتفاضة شعبية واعية بعد مشاهد دراماتيكية للاثراء غير المشروع وتحاصص المال العام والتوريث ما إستدعى انتفاضات مجتمعية بعناوين شبابية نضالية مختلفة منذ العام 2013 والإصطدام بجدار أزمة الكهرباء والنفايات والمطامر والدين العام، وذلك بعد تزاحم السياسيين على جمع الثروات الخاصة وممارسة التعطيل والمحاصصة فيما بينهم، وتحويل مقدرات وموظفي القطاع العام إلى موارد مالية وبشرية في خدمة شركاتهم الخاصة. وبعد أن امعنوا في منهجية التوريث في المناطق كافة دون التطلع إلى طموحات وآمال المجتمع اللبناني، المطبوعة ذاكرته باحتكار عشرات العائلات اللبنانية للسلطة السياسية, نتيجة لموروثات حقبة الإحتلال العثماني والإنتداب الفرنسي, مروراً بمرحلة الحرب الأهلية وما بعدها من تسويات وصفقات تلت مرحلة التعديلات الدستورية فى الطائف.

إن هذه الحقبة بتقلباتها التي استفحلت بعد العام 1990 وتسليم الدولة بموجب اتفاق الطائف وتفاهم إقليمي دولي لأمراء الحرب الأهلية وأصحاب رؤوس الأموال والشركات، أصبحت تشكل عبئا على اللبنانيين والنظام الديموقراطي البرلماني والدستور وآلية عمل المؤسسات والتمثيل الصحيح للمجتمع اللبناني، في خدمة بناء الدولة القادرة على تلبية احتياجات شعبها من إقتصاد وماء وكهرباء وتعليم وصحة وبيئة نظيفة، بدلا من دولة منهوبة تجري عملية تناتشها لتغذية الأحزاب المسيطرة عليها.

ترتفع عدة مطالب من حناجر المنتفضين في الساحات في كل المناطق اللبنانية وهي على نوعين :
- الفئة الأولى وهي المطالب المتعلقة ببنية الحكم والطوائف تدعو إلى :  رحيل الزعماء وأحزابهم وتحرير الطوائف من داخلها مع إدانة صارخة للأداء السياسي الذي حرف أداء الدولة عن مساره السليم  من "دولة في خدمة انسانها" إلى "دولة لانهاك إنسانها" في خدمة بقاء
محتكريها الممسكين بزمام السلطة.

- الفئة الثانية من المطالب العاجلة المتعلقة بالآلية التنفيذية لإجراء التغيير تدعو إلى :  إسقاط الحكومة، إلغاء الضرائب الجديدة، حل مجلس النواب، انتخابات مبكرة تحت رقابة الأمم المتحدة، قانون انتخابات جديد وعادل يضمن صحة التمثيل، تشكيل حكومة مصغرة من خارج الطبقة السياسية الحالية، من متخصصين غير حزبيين، مع قضاة وعسكريين وخبراء ماليين، إستعادة الأموال المنهوبة، كشف السرية المصرفية عن حسابات الزعامات والوزراء والنواب وموظفي الفئة الأولى، إقفال المجالس والصناديق الخاضعة لهيمنة ومحاصصة الزعماء والأحزاب، تفعيل القضاء في المحاسبة وتفعيل أجهزة التفتيش والرقابة.