ليال مظلوم- قراءة في ورقة افرام الإنقاذيّة وحكومة الاختصاصيين

  • شارك هذا الخبر
Friday, October 11, 2019



في مقارنة ما بين الأوراق الإنقاذية المنشورة إلى تاريخه لمواجهة الأزمة الاقتصاديّة والماليّة، يتبيّن للمراقب شبه اجماع في تبنّي الخطوط العريضة التي سبق للعديد من الخبراء والمعنيين اللبنانيين أن طرحوها، كما كان تطرّق إليها تقرير ماكينزي، كما كان فصّلها أيضاً بطريقة فجّة المبعوث الفرنسي المكلّف متابعة تنفيذ مقرّرات مؤتمر "سيدر" بيار دوكان.
في الوقت عينه، يتوقّف المراقب أمام ورقة مفصّلة بالأرقام والتواريخ نشرت حديثاً جداً، أعلنها النائب نعمة افرام في مؤتمر صحافي باسم لجنة الاقتصاد والتخطيط النيابيّة تحت عنوان "الخطّة الخمسيّة لتصفير العجز"، وعرضها على الرؤساء وعلى المسؤولين المعنيين مباشرة بالوضعين الاقتصادي والمالي.
خطّة افرام وصفت على الفور بالواقعيّة والرقميّة والعمليّة، ويصحّ فيها القول أنّها سابقة تسجّل في المجلس النيابي لأنّ مسؤوليّة مضمونها تعود أساساً إلى السلطة التنفيذيّة. إلاّ أنّ افرام كان توافق مع لجنته النيابيّة المكوّنة من تلاوين سياسيّة متناقضة، على أهميّة المواكبة المتخصّصة والجدّية للحراك الاقتصادي الإنقاذي القائم ما بين بعبدا ومجلس الوزراء من ناحية، وما بين الرؤساء الثلاثة والمعنيين المباشرين بالحلول من ناحية ثانيّة.
صحيح جداً أنّ عجز الدولة تجاوز عتبة ال 8 % من الناتج المحلي، وتخطّت كلفة خدمة الدين 6 مليارات دولار سنويّاً، وسجّل ميزان المدفوعات عجزاً تراكميّاً بأكثر من 15 %، الأمر الذي يستدعي فوراً إحداث صدمة ولو موجعة من خلال اتخاذ سلسلة من الإجراءات السريعة. بالمقابل، تعمّدت لجنة الاقتصاد والتخطيط في خطّتها إرجاء شقّ التدابير المؤلمة والغير الشعبيّة، كزيادة الضرائب على الواردات النفطيّة وعلى القيمة المضافة، إلى السنتين الأخيرتين من مسار السنوات الخمس، مع التمسّك الفوري بإعادة هيكلة الدولة، تمهيداً لاستعادة المصداقيّة بالإدارة الاقتصاديّة والماليّة للبلاد لدى المواطنين والدول كما لدى المجتمع الدولي الراغب في تقديم العون، وعندها يمكن تقبّل الضرائب الإضافيّة.
قد تتعارض هذه الخطة هنا مع ما يطمح إليه آخرون، لكنّها تكتسب أهميّة بناء على قاعدتين: الأولى في القواسم المشتركة الأساسيّة مع خطط معظم الأحزاب والتيّارات، والثانية في الأخذ بعين الاعتبار أنّ وجع المواطن لا يجوز مضاعفته ولا بدّ من تجزئته سنويّاً. ولذلك ارتأت انّ الانتقال من الموازنات السنويّة إلى موازنات مبنيّة على رؤية اقتصاديّة طويلة الأمد، بحاجة إلى تتابع واستمرار في الزمن، وهناك أيضاً الواقعيّة الزمنيّة لوضع سقف للدين العام وإعادة إطلاق عجلة النموّ كما استعادة الثقة محليّاً ودوليّاً، ولا يجوز في مطلق الأحوال أن يتحمّل المواطن وحده وفوراً تراكمات ومسبّبات الأزمة.
لذلك اعتمدت خطّة خمسيّة مبرمجة عبر محورين، بهدف تصفير العجز العام في السنة الخامسة، بناء على التجربة والخبرة من دروس الماضي وواقع التعاطي السياسي مع المواضيع الاقتصاديّة. وفيها ما يتعلّق بخفض العجز في قيمته ونسبته عبر تدابير دوريّة منصوص عليها ومقسّمة على السنوات وبأرقام دقيقة. وكذلك من خلال وضع سقف لعجز الكهرباء وضبط الحدود والتهريب إلى أقصى درجة، مع حماية جمركيّة وتقشف، وتصغير مصاريف تشغيل الدولة وزيادة ضرائب على العمال الأجانب غير العرب، ورفع إيرادات الكهرباء والرسوم الجمركيّة لتعزيز الصناعة، والتطرّق إلى مساهمات الريجي وكازينو لبنان، وإطلاق مشروع مرفأ بيروت لسكك الحديد وتأمين المزيد من الإيرادات من المطار.
الإصلاحات واضحة في الخطّة كما تحديد أماكن الخلل، أكان في المعابر والمرافئ والكهرباء والاتّصالات، أو في أوجه خفض الهدر ومكافحة الفساد، إلاّ أنّ المراقب يجد في ورقة افرام إصراراً على تحاشي تعابير الخصخصة أو بيع الأصول أو رهنها، والتي يعود لمجلس الوزراء حق القرار بها، في تفضيل تعبير "تثمير الأصول" كمحور عمل، مع استثناء بيع مؤسسة ضمان الودائع من الأصول فقط إلى المصرف المركزي وليس إلى أيّ جهّة أخرى.
في الخلاصة، إلى يومه لم نشهد توافقا صريحاً بين المعنيين على التدابير الإصلاحيّة، فلماذا لا تُعتمد صدمة تشكيل حكومة اختصاصيين من خارج الحسابات السياسيّة والمصالح النفعيّة، تتبنّى هذه الخطّة أو ما يماثلها، فنستعيد توازننا ونسترجع الثقتين المحليّة والدوليّة ونتحاشى الانهيار قيل فوات الأوان؟!