ابراهيم ناصر الدين- «الانقلاب» الاميركي على الحلفاء في المنطقة يلقي بظلاله على الساحة اللبنانية

  • شارك هذا الخبر
Friday, October 11, 2019

على وقع التطورات الخطيرة المتلاحقة في المنطقة، وعنوانها تخلي الولايات المتحدة الاميركية عن حلفائها، وفي ظل تفاقم الاوضاع الاقتصادية الداخلية، «حط» رئيس مجلس النواب نبيه بري في قصر بعبدا على نحو مفاجىء في زيارة حملت ابعاداً محلية واستراتيجية سيكون لها ما بعدها على المستوى الداخلي والاقليمي بعدما نجح الرجلان في 45 دقيقة من مقاربة كافة الملفات الداخلية والخارجية وتدارسا كيفية استفادة لبنان في هذه المتغيرات...

وفي هذا السياق، تشير اوساط وزارية بارزة الى ان بري حاول من خلال زيارته «القوطبة» على محاولة البعض تأخير اقرار الموازنة في موعدها، ولذلك اضطر الى ابلاغ الرئيس عون بضرورة عدم المغامرة في ارسال «رسائل» سلبية الى المجتمع الدولي، ولمس تأييدا من الرئاسة الاولى على ذلك، وتم الاتفاق على ممارسة اقصى الضغوط على الحكومة لاقرار الموازنة في موعدها..اما بالنسبة الى جلسة تفسير المادة 95 من الدستور فقد تم التفاهم على ضرورة حصر النقاش بصلب المادة وترك للرئيس بري ادارة الجلسة، وترك له تقدير مسألة رفعها عندما يشعر ان الامور خرجت عن السيطرة...

وقد عبر بري بعد «الجلسة عن ارتياحه لنتائجها مشيرا الى انها كانت اكثر من جيّدة وممتازة وتناولت كل المواضيع التي ندور في فلكها الآن لا سيما الوضع المالي والنقدي والموازنة». وقال بري من بعبدا: «كان هناك اتفاق أنه إذا تأخرت الحلول عن الأسبوع المقبل في موضوع الموازنة فسندعو الى لجنة الطوارئ التي تقررت في اجتماع بعبدا في 2 أيلول». كما اعلن أن «جلسة 17 تشرين الأوّل لمناقشة رسالة رئيس الجمهورية وتفسير المادة 95 من الدستور قائمة».

«جلسة» استراتيجية...

وكان التخلي الاميركي عن الاكراد في سوريا الذي اصاب بالاحباط فريقاً لبنانياً كان يراهن على العقوبات الاميركية لاضعاف حزب الله، قد ادخل هؤلاء في الساعات القليلة الماضية بمرحلة من اختلال التوازن بعدما بات واضحا للعيان ان المرحلة المقبلة ستكون «شاقة» «وصعبة» للغاية خصوصا اذا ما اخذ الفريق الاخر قرارا باستثمار هذه التحولات الاستراتيجية للاستفادة من الانكفاء الاميركي عن المنطقة...

وفي هذا السياق، تشير اوساط مقرب من بعبدا الى ان هذا الحدث كان على طاولة البحث بين بري وعون، واشارت الى ان اولويات العهد الان بعد الانتهاء من الموازنة وطمأنة مانحي «سيدر» العلاقات مع الدولة السورية ومقاربة ملف النازحين وفق رؤية جديدة، واذا كانت المساعدة الاميركية في هذا السياق غير واردة فان التعويل هذه المرة سيكون على دور اوروبي فاعل لايجاد حل لهذه الازمة «المفتعلة» وفي هذا السياق منح حزب الله عبر رئيس كتلة الوفاء للمقاومة محمد رعد «ورقة» تهديد فاعلة للدولة في وجه تعنت الاوروبيين من خلال «فتح الباب» امام التلويح «بورقة» حث النازحين على الانتقال الى القارة الاوروبية كرد على عدم تعاونهم في هذا الملف.

انتصار خيارات العهد...

ومن الواضح ان رئيس الجمهورية ميشال عون، يشعر بالارتياح مرة جديدة لان خياراته ورؤيته الاستراتيجية تنتصر من جديد من خلال سياسته القائمة على عدم التطلع للسياسات الاميركية في المنطقة، وهو من المقتنعين بحتمية تراجع الدور الاميركي، انطلاقا من تقدم محور المقاومة وتراجع حلفاء واشنطن غير القادرين على الخروج من «المستنقعات» التي غرقوا فيها، واذا خرجوا كما حصل في سوريا والعراق فهم خرجوا دون مكاسب وربما على نحو ادق طردوا من هناك ولم يخرجوا بارادتهم، وهو انطلاقا من هذه المعادلات سيتخذ قرارات حاسمة في المرحلة المقبلة في اكثر من ملف داخلي وخارجي، وفي هذا السياق سيكون موقف رئيس الجمهورية اكثر تشددا في ترسيم الحدود البرية والبحرية الجنوبية، وسوف يتم استغلال الرغبة الاميركية في الاستثمار في النفط اللبناني في ظل ابداء شركات اميركية رغبتها في المشاركة في عمليات التنقيب.. وهو في هذا الموقف على تفاهم تام مع الرئيس بري..

«تحجيم» القوات اللبنانية..؟

داخليا لن يتراجع عن معركة «تحجيم» القوات اللبنانية التي يعتبرها «حصان طروادة» خارجي في الحكومة وتعمل في السر والعلن على اضعاف العهد، وكذلك «رسم» حدود واضحة للعلاقة مع رئيس الحكومة سعد الحريري لجهة استعادة زمام المبادرة في العناوين الاستراتيجية الخاصة بعلاقات لبنان الخارجية ولعل «اول الغيث» سيكون ملف العلاقة مع سوريا الذي لن يبقى معلقا على بعض الشعارات التي لم تعد تصلح لهذه المرحلة خصوصا ان الحريري نفسه دعا من الامارات الى الاستفادة من اعادة اعمار سوريا، وهذا الامر يحتاج الى تغيير واضح في استراتيجية التعامل مع هذا الملف لان من يريد الاستفادة لا يمكن ان يبقى على «ضفة» العداء مع النظام السوري...

ووفقا لتلك الاوساط، لا ينفع بعض اللبنانيين «المكابرة» فسحب القوات الأميركية من سوريا سيزيد من تعقيد الوضع في المنطقة وسيفتح الطريق البري من طهران إلى البحر المتوسط، دون اي عوائق، وهذا ما يثير الذعر والقلق في اسرائيل وكذلك في السعودية التي ستضطر الان الى «البحث» عن «رقم» «هاتف» الرئيس الايراني حسن روحاني بعدما ايقنت ان واشنطن ليست مستعدة في المواجهة الخاسرة مع ايران، وعلى اللبنانيين غير المدركين لحقيقة التحولات ان يستلحقوا انفسهم بعدما تبين ان الايرانيين وحلفاءهم قد فهموا عقلية ترامب أحسن من حلفائه بالمنطقة...!

«رسائل» سورية..؟

وفي هذا السياق، نقل زوار العاصمة السورية عن مسؤول سوري بارز تاكيده ان دمشق ليست في وارد القبول بهذه «الازدواجية» في المواقف، ومن تورط «بدماء» السوريين وساهم بخراب سوريا لا يستطيع ان يجني ثروات جديدة على حساب خراب ودمار هذا البلد، فالتعامل مع الدولة السورية باعتبارها «بئر نفط» او فرصة «للاسترزاق « غير وارد، ولن يسمح للبعض ممن «فاته القطار» السياسي والاقتصادي بالدخول الى «السوق» السورية، ويبقى لدمشق في لبنان حلفاء واصدقاء ممن وقفوا معها في «وقت الشدة»، ويبقى ان تتخذ الدولة اللبنانية خطوات جدية باتجاه الحكومة السورية المنفتحة على تفعيل العلاقات الثنائية..

«رسائل» «برتقالية»..

وفي السياق نفسه سيكون الاحتفال الذي ينظمه التيار الوطني الحر الأحد في ذكرى 13 تشرين مناسبة للعهد لتوجيه رسائل داخلية وخارجية لمن يعنيهم الامر بانه لا يزال يملك «شارعا» «حيويا» قادراً على مواجهة اي مؤمرات تستهدف الرئاسة الاولى وستكون مناسبة للتأكيد على القدرة على تجاوز الماضي والتحاور مع سوريا من دولة لدولة بعدما خرج الجيش السوري من لبنان، وستكون هناك مواقف حاسمة لرئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل من ملف النزوح السوري..

«سباق» بين المزايدات والموازنة

في هذا الوقت تتوقع مصادر وزارية مطلعة ان تقر الموازنة الاسبوع المقبل قبل الموعد القانوني لاحالتها الى مجلس النواب، الا اذا ادت المزايدات السياسية الى تخريب الجهود المبذولة في «الربع الساعة» الاخير، فيما نفى رئيس الحكومة سعد الحريري المعلومات التي تحدثت عن وجود وعد اماراتي بوضع وديعة بقيمة 1,4 مليار دولار في مصرف لبنان من دون فوائد... وقال ان هذا الخبر عارٍ من الصحّة جملة وتفصيلاً، ولا يمتّ الى الحقيقة بصلة..

سجالات في «الجلسة الحكومية...؟

فعلى وقع اضراب الهيئات الاقتصادية واقفالها المحال التجارية لساعة من الوقت احتجاجا على ما بلغه الوضع الاقتصادي، وتحت وطأة اعلان اصحاب الافران الاضراب الاثنين المقبل متأثرين بأزمة شح الدولار، اجتمع مجلس الوزراء في السراي لاستكمال درس مشروع موازنة 2020 والذي سيتابعه الاثنين المقبل، وخلال الجلسة حصلت الكثير من السجالات بين الوزراء على قضايا داخلية وخارجية، ابرزها السجال بين وزير الخارجية جبران باسيل الذي اقترح تكليف احد الوزراء لزيارة دمشق وفتح ملف النازحين معها، لكن وزير القوات اللبنانية اعلن رفض فريقه السياسي لهذا الامر وقال ان ثمة وزراء يزورون سوريا فليتحدثوا هم مع النظام ونحتفظ نحن «بحق الرجعة»..سجال آخر دار بين باسيل والوزير وائل ابو فاعور الذي اعترض على بيان وزير الخارجية الذي ادان الهجوم التركي على الارضي السورية واعتبره خروجا عن «النأي بالنفس»، فسأله وزير الخارجية عما اذا كان يؤيد احتلالا يجري لدولة عربية... كما اعترض وزراء «القوات» و«الاشتراكي» على طرح نواب حزب الله تفعيل الاتصالات مع سوريا للاستفادة من معبر «البوكمال» مع العراق... وبعد الجلسة، قال وزير الاعلام جمال الجراح «هناك دراسات ستقدّم يوم الاثنين في جلسة مجلس الوزراء ومن الممكن ان نعقد جلسة للجنة الاصلاحات قبل الجلسة الحكومية». اضاف «هناك توجّه لضبط نفقات المحروقات في كل ادارات الدولة بشكل عام واتّفاق شبه كامل على قانون الشراء العام والالتزام الضريبي والجمارك وضمان الشيخوخة وهذا امر اساسي لانه يوفّر الحماية الاجتماعية لكبار السن». وشدد على «اهمية اتخاذ قرارت لوضع كاميرات على المعابر الجمركية لضبط عمليات التهريب».

الغاء مؤسسات «وصناديق»..؟

وقد برز في الجلسة استمرار اعتراضات وزراء «القوات» «والتيار»على الموازنة كما هي مشددين على عدم الموافقة على تمريرها دون «اصلاحات»، وفيما يصر وزير المال علي حسن خليل على التاكيد بان الموازنة ستمر كما هي وفي موعدها، تتخوف تلك الاوساط من ان تؤدي «المزايدات» بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية الى «عرقلة» تمرير الموازنة في موعدها..وفي هذا السياق، يجري العمل على ان تشمل الموازنة بعض الاجراءات الاصلاحية خصوصا في موضوع الكهرباء حيث طرح خفض الاعتماد للكهرباء من 2800 مليار الى 1800 مليار. وتردد ان الحديث يدور عن 12 مؤسسة سيعاد النظر بها فإما تضم إلى مؤسسات أخرى او يتم الغاؤها مثل صندوق المهجرين ومجلس الجنوب.

تفاهم على التعيينات

وقد تحدثت تلك الاوساط عن اتفاق حصل بين رئيس الحكومة سعد الحريري والوزير جبران باسيل على سلة تعيينات كما على اقرار الموازنة ببعض البنود الاصلاحية وفصل عمليا مشروع الموازنة عن عمل لجنة الاصلاحات. وعلم ان لقاء الحريري باسيل تطرق للتعيينات المرتقبة في الكهرباء او نواب حاكم مصرف لبنان او مجلس الانماء والاعمار.

اتصالات على خط «قانون الانتخابات»

في هذا الوقت، تدور اتصالات حثيثة على خط «لملمة» تداعيات الانقسام العامودي على اقتراح قانون الانتخاب الذي تقدمت به كتلة التنمية والتحرير وإحاله رئيس المجلس النيابي نبيه بري الى اللجان النيابية المشتركة، وبحسب اوساط نيابية فان رئيس المجلس سيمضي قدما بمشروعه على «قاعدة» «اللهم اني قد بلغت» وهو يريد ان يضع جميع الاطراف امام مسؤولياتهم الوطنية وهو سيسعى الى تبديد هواجس الفريق المسيحي المتمثل في التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية وحزب الكتائب المعترضين بقوة على القانون بحجة انه محاولة لفرض الديمقراطية العددية.. ولا تخفي تلك الاوساط انزعاج رئيس المجلس من هذه النظرة الضيقة لاقتراحه الذي سيؤمن التمثيل الشعبي والوطني ويمهد لإلغاء الطائفية...

وما لا يفهمه بري في هذا السياق موقف تيار المستقبل المعترض على الاقتراح، ولكنه يؤكد انه منفتح على اي نقاش جدي، لكنه يظهر تشددا في هذا الاطار لناحية التأكيد ان الجهة الوحيدة التي تستطيع رده هي الهيئة العامة للمجلس...وفي المقابل يرى احد نواب تيار المستقبل ان القانون فيه الكثير من الثغرات الكفيلة «بالاطاحة به»...