فيوليت غزال البلعة- على ماذا يراهن سعد الحريري؟

  • شارك هذا الخبر
Monday, October 7, 2019

أما وقد هدأت عاصفة الدولار/الليرة، وبدأت آليات تعميم مصرف لبنان تسلك طريقا آمنة نحو التطبيق مع تعليق "عصيان" القطاع النفطي بدءا من اليوم، بات في الإمكان تتبع مسارات أخرى لتبيان ملامح المرحلة السياسية والأمنية التي يقبل عليها لبنان، متأبطا عوامل إقليمية ساخنة تهبّ رياحها من تغيير محتمل في ملامح النظام العراقي إنطلاقا من إحتجاجات الشارع على الفساد، في موازاة تهديد إيران بإستخدام أي وسيلة ممكنة لتصدير إنتاجها النفطي.

وفيما يستعدّ الداخل اللبناني لإلتقاط أنفاسه بعد "همروجة" الشائعات التي ثارت منذ أقفلت العقوبات الأميركية "جمال ترست بنك"، وأثارت من حينه قلق المواطنين على مدخرات مودعة في مصارف نالت ثقتهم على مدى عقود بفعل عناية مصرف لبنان ورعاية حاكمه، تأهبت الحكومة وأعدت لجولة "رود شو" بحثا عن دعائم دعم مالية قد تبدأ من الخليج على شكل "ودائع" وُعد بها لبنان ولم تصل بعد، ولا تنتهي عند "سيدر" اللاهث خلف إصلاحات لم تجد مَن يتبناها ويحررها من وعود أقنعت المجتمع الدولي حين أقرّ بإقراضه الـ11 مليار دولار لاستنهاض مشاريع البنية التحتية.

من الحسن ان تترافق جولة رئيس الحكومة الخليجية-الأوروبية مع بدء إستعداد وزارة المال لتسويق إصدار "يوروبوند" مع تكليف أربعة مصارف لإدارته وتسويقه جذبا للملياري دولار المستهدفة من السوق المحلية والعالمية. فإلى المصرفين اللبنانيين، "بنك لبنان والمهجر" (مدير الإصدار) و"بنك سوسيتيه جنرال في لبنان"، إختارت الوزارة كلا من بنك "ستاندرد تشارترد" البريطاني الموجود في أكثر من 70 دولة، و"سيتي بنك" الأميركي الذي تمّ إختياره في اللحظة الأخيرة، وهو أحد أكبر المصارف في العالم وأكثرها قدما (تأسس عام 1812)، ويعتبر الذراع المصرفي لمجموعة "سيتي غروب"، وأكبر مصرف في الولايات المتحدة من ناحية الودائع.

من المهم أن تكون الإمارات هي المحطة الأولى للرئيس سعد الحريري، مع أن الوفد المرافق "الرفيع المستوى" الذي يضمّ 6 وزراء إلى حاكم مصرف لبنان و50 شخصية إقتصادية ومصرفية، توجه للمشاركة في مؤتمر يهدف إلى تبادل الخبرات وفتح آفاق جديدة للتعاون في قطاعات حيوية. فللإمارات علاقات تاريخية تربطها بلبنان، وهي كانت ألمحت قبل نحو شهر إلى "وديعة" قد تحطّ في مصرف لبنان، فيما تردّدت معلومات أمس عن إحتمال شراء أبوظبي سندات "يوروبوند" لبنانية. أما للسعودية، فقصة أخرى غلبت "نغصة" طالت أعواما وطوّرت القطيعة السياسية والإستثمارية ضد لبنان، حيث عاد بعض من الإنتعاش الى العلاقات، وتوّجت بإعلان وزير المال السعودي محمد الجدعان الشهر الماضي "إن المملكة تناقش دعما ماليا مع بيروت"!

جولة الحريري ستشمل وفق برنامج "مقتضب"، عواصم خليجية وأوروبية لحشد دعم إقتصادي تحتاجه بشدة حكومته المحاصرة بخلافات على مشروع موازنة 2020 وإقرار سلة إصلاحات إقتصادية لم يعد في المقدور إرجائها، في ظل تخبّط الموازنة بمعايير معالجة الإختلالات المالية القاتلة وعجوزات الموازين وأثقال الديون الضخمة. فهل يراهن الحريري على دعم مالي خارجي يمتّن عروض التسويق الخاصة بإصدار الملياري دولار؟ وكيف سينجح في التزام جدول إستحقاقات الـ4 مليارات دولار، والموزعة على ديون بقيمة 1.5 مليار دولار تستحق في تشرين الثاني/نوفمبر 2019، وأخرى بقيمة 2.5 مليار دولار في الفترة ما بين آذار/مارس وحزيران/يونيو 2020؟

في الواقع، ثمة قلق يحوط هوية مشتري الإصدار الجديد. فمَن من المستثمرين والصناديق المحليين والأجانب، قد يبدي إهتماما بشراء سندات دولة باتت مصنّفة حكما بمرتبة CCC مع إرتفاع المخاطر السيادية والإحتجاجات الشعبية على "خنقة" شملت كل مكونات الناتج المحلي. سؤال طرحته وكالة "رويترز" نهاية الأسبوع، وأشارت إلى "عزوف محتمل" للمستثمرين الأجانب، إضافة الى "إستجابة دولية فاترة، إذ يميل مديرو الصناديق إلى الإحتراز في وضع أموال في دولة مثقلة بأحد أكبر أعباء الديون في العالم، وتسعى جاهدة للتغلب على العديد من مَوَاطن الخطر المحلية والجيوسياسية". وأكثر، رأت أن "الآمال تبدو ضعيفة في أن تتدخل صناديق الثروة السيادية أو حلفاء إقليميون آخرون للإنقاذ. وحتى الآن، لم تعلن السعودية أو غيرها من الدول الخليجية الثرية الداعمة للبنان، أنها تخطط للإكتتاب".

إذا، هي أموال مطلوب ضخّها في الإقتصاد اللبناني لإنعاشه من ركوده، سواء أكانت على شكل ودائع أو إكتتابات في سندات تبحث عمَن يشتريها. لكن، هل ينجح رهان الحريري على حكومة عاجزة عن إجراء إصلاحات تطالب بها باريس، راعية "سيدر"، ومؤسسات إستثمارية وصناديق دولية مانحة؟

تلبية حاجات الدولة التمويلية أوقعت لبنان في دوامة البحث في الداخل عن ملايين المصارف ومصرف لبنان، حين تباطأ الدفق النقدي من الخارج وضرب الركود عجلة الإنتاج. وإن كانت الحكومة تدرك أن مصرف لبنان مستعد دوما لسداد الإستحقاقات المالية وفق تذكير الحاكم رياض سلامة قبل أيام، فإن المغالاة في الإتكال على "المركزي" وإغفال ما يتوّجب إصلاحه ومكافحته من فساد وهدر مقابل الإنغماس في صفقات التحاصص، قادرة على إغراق البلاد أكثر فأكثر في حلقة العجوز المالية غير القابلة لأي علاج.

القليل من الثقة قادر على تصويب الإنحرافات وإن بكلفة مرتفعة ستكون قابلة حتما إلى الإنخفاض مجددا، بعدما تتأكد الأسواق أن فوائد إصدار "اليوروبوند" (10.25% لإستحقاقات الـ10 سنوات و12.50% لإستحقاقات الـ15 سنة) ليست بالمستوى الذي يفترض أن تبلغه قياسا بالمخاطر، وهو 15% وفق ما قال مديرو صناديق أنه يتعين على لبنان دفعه للنفاذ إلى السوق.

إشارة ثقة تحتاجها الأسواق. فهل يراهن الحريري ويرسلها؟

Arab Economic News فيوليت غزال البلعة