الشيخ الجعيد من أنقرة: وحدة الأمة تتحقق من خلال دعم المقاومين والوقوف إلى جانبهم

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, September 17, 2019

بدعوة من مركز أبحاث الاتحاد الإسلامي التابع لحزب السعادة التركي شارك منسق عام جبهة العمل الإسلامي في لبنان الشيخ الدكتور زهير الجعيد في المؤتمر العالمي المنعقد في العاصمة التركية أنقرة تحت اسم "مستقبل العالم الإسلامي وفلسطين" يومي السبت والأحد ١٤ و ١٥ أيلول بمشاركة عدد كبير من العلماء والمفكرين من كافة الاقطار العربية والإسلامية.

وقد ألقى الشيخ زهير الجعيد كلمة في المؤتمر هذا نصها:

بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن والاه
في البداية لا بد من توجيه الشكر إلى مركز أبحاث الاتحاد الإسلامي لدعوته لهذا المؤتمر القيم، وكذلك لا بد من تهنئة الأخوة على تأسيسهم لهذا المركز والذي أرجو أن يكون باكورة العمل الحقيقي والجاد لبناء الاتحاد الإسلامي المرجو.

وضمن عنوان هذا المؤتمر (مستقبل العالم الإسلامي وفلسطين) أقول: أن مستقبل العالم الإسلامي اليوم تحدده فلسطين، فهي البوصلة التي تحدد لنا ما هو مستقبلنا في هذا العالم، فهل نعيش فيه بعزة وكرامة ووحدة إسلامية بل وحدة إنسانية على مدار كل العالم، أم أن مستقبلنا هو مزيد من النزاعات والتفرق والتمزق والخزي والعار؟.

أتيت إليكم من لبنان الذي هو بلد حقق انتصارات لم تستطع أقوى الدول العربية والإسلامية أن تحققها على مدار كل الصراع مع العدو الصهيوني منذ إنشاء هذا الكيان.. لبنان احتله العدو الصهيوني ووصل إلى قلب عاصمته بيروت فاستطاع ثلة من الشباب المجاهد المؤمن بأن يهيئوا من حالة الضعف وخروج المقاومة الفلسطينية من لبنان، فينطلقوا ببعض السلاح القليل، لا يملكون الا اعتمادهم على الله وإيمانهم العميق بوحدتهم، واستطعنا أن نخرج هذا العدو دون قيد أو شرط بينما كانت الدول العربية التي تمتلك الطائرات والدبابات وكانت أطول حروبهم ستة أيام ثم ثم يعودون لطاولة المفاوضات والاستسلام...
وحين اتحدث عن لبنان في تلك المرحلة وهو الصغير جغرافياً، لا أتحدث عن لبنان الدولة لأن دولتنا كانت تقيم اتفاقية ذل وعار مع هذا العدو هي اتفاقية 17 أيار، ولكن بمشهدية رائعة بدأت في مسجد الإمام الرضا رضي الله عنه في منطقة بئر العبد بين علماء مسلمين لبنانين سنة وشيعة من تجمع العلماء المسلمين استطعنا أن نسقط اتفاقية 17 أيار ومنها إلى تأسيس عمل مقاوم مشترك فأثمر انتصار عام ٢٠٠٠ بخروج العدو الصهيوني من لبنان دون قيد أو شرط.. هذا الانتصار الذي كان للبنان بكافة طوائفه ومذاهبه، ولكل عربي ومسلم، بل ولكل حر في هذا العالم.

ايها الاخوة خلال العدوان الصهيوني عام 2006 على لبنان كان هناك الكثير من الدول والأنظمة العربية والإسلامية تعلن بلسانها أنها مع حق لبنان في الدفاع عن نفسه ومقاومته ولكن كانت خلف الستار وتحت الطاولة تبني العلاقات والاتفاقات والمعاهدات مع الكيان الصهيوني فتعرضنا لأعتى هجوم لإنهاء المقاومة في لبنان وكان المقصود منه انهاء مشروع المقاومة في المنطقة وخاصة المقاومة في فلسطين، والمقاومة هي مشروع كل أبناء الأمة الشرفاء لذلك يعتبر انتهاء المقاومة في لبنان انتهاء للمقاومة في فلسطين وانتهاؤها في فلسطين هو انتهاء كل مشروع الأمة الإسلامية والعربية.. وكانت هناك للأسف أنظمة عربية حينها تمول هذه الحرب لإنهاء القضية الفلسطينية، ويأتي الزمان تلو الزمان ونشاهد في العلن اجتماع تحضيري لصفقة القرن يعقد في البحرين ويجتمع ممثلو الدول العربية والإسلامية العميلة وبوجود ممثلين عن الكيان الصهيوني تحت إمرة مهندس الصفقة كوشنير صهر ترامب لإنهاء القضية الفلسطينية وإنهاء كل الحقوق المشروعة من حق العودة وقيام الدولة كما كانوا يعدون سابقا إلى تهويد القدس..

ويقف المؤمنون حقاً بحق الأمة في وجه هذه الصفقة ليس من خلال خطابات وإعلانات رنانة وإعلامية فحسب بل من خلال وحدة نحن بحاجة إليها وأرجو الله أن تكون مقدمة لوحدة كل الأمة الإسلامية ألا وهي وحدة المقاومة في المنطقة كلها.
وبصراحة خلال أحداث ما يسمى بالربيع العربي (وخاصة في سوريا) كان هناك انقسام في الرؤيا بين بعض مكونات فريق المقاومة، ولكن من جديد تتحقق إعادة وحدة وضوح الرؤيا من خلال تعهد كل هذا الفريق أن أي ضرب لأي جزء من محور المقاومة فالكل معنيون بفتح المعركة الشاملة، لأن إسقاط اي فريق هو إسقاط للمقاومة في فلسطين وفي كل مكان في المنطقة.

ولذلك اسمحوا لي أن أقدم مشهدية في لبنان والمنطقة ومن خلالها سأصل إلى لب فكرتي:
هي مشهدية عشناها في لبنان قبل أيام، فمن المعلوم أن إسرائيل على مدى عقود تخرق أجواءنا وتصل إلى كل الدول العربية وقد ضربت العراق سابقاً وكذلك تضرب في سوريا إلى أن قامت في الفترة الأخيرة باستهداف سوريا من الأجواء اللبنانية وقد سقط للمقاومة اللبنانية شهيدان وحينها أعلنت المقاومة عبر أمينها العام أنها سترد على أي عملية تستهدف رجال المقاومة ويأتي الرد سريعاً بصاروخين كورنيت يستهدفان آلية للعدو الصهيوني في عمق فلسطين المحتلة على بعد 7 كليومترات من الحدود اللبنانية وكان هذا المشهد بعد أسبوع من اختفاء كل الجنود الصهاينة عن الحدود الفلسطينية المتاخمة للبنان وكان الشعب اللبناني من كل طوائفه يتوافد لتلك الحدود ليعيش حالة العزة والكرامة أمام اختباء جنود العدو، وحين تستهدف آلية العدو فيرغي ويزبد رئيس وزراء العدو نتنياهو ولأول مرة لا يستطيع أن يرد على لبنان وعلى مقاومته، لأن هناك قوة ردع حقيقية وليس كما تحاول بعض الصحف الصفراء التي تسيء وتشوه المقاومة في المنطقة، نعم هناك قدرة حقيقية اليوم للمقاومة كعين الشمس.
ومشهد عزة آخر عشناه هذه الأيام حيث يأتي النتن ياهو إلى مستوطنة اسدود فتقوم المقاومة الفلسطينية بكل عزة وجرأة وقدرة على إطلاق الصواريخ، فيفر (كالكلب الجبان) من أمام جبروت وقوة المقاومة الفلسطينية ولا يستطيع أن يرد على هذه الإهانة على المقاومة في غزة.

ومشهد آخر عشناه قبلها: حين تسقط إيران الطائرة الأمريكية (من طراز تريتون إم كيو-4 سي) الأغلى ثمنا في العالم، نعم تسقطها بكل قوة وقدرة ولا تستطيع أمريكا أن ترد بينما ترامب يطلق التهديدات والابتزازات في وجه ملك السعودية فيقول له: لولا مساعدتي ومساندتي وقوتي لم تكونوا لتستمروا خمسة عشرة يوماً.. حتى لو اختلفت مذهبيا وطائفيا ومهم كانت رؤيتك من ايران، فما حصل مشهدية قوة وعزة وكرامة لكل الأمة الإسلامية طالما أننا جميعنا توحدنا كلمة لا إله إلا الله محمد رسول الله.

في المقابل مشهدية أكثر من (400 مليار دولار) يقدمها السعودي إلى الأمريكي.. خيرات الأمة تذهب إلى الأمريكي.. ومشهدية أخرى هنا في إسطنبول: قتل جمال الخاشقجي بأبشع الطرق ويقطع تقطيعاً في السفارة السعودية.. ومشهدية جمع الأعراب وتنازلهم عن قضية فلسطين من خلال صفقة القرن والتي يروجون لها كل يوم وستعلن قريباً كما يقال والتي للأسف أن المنظر لها ليس كوشنير صهر ترامب بل من يسعى بكل قوته لتحقيقها من رؤساء وزعماء العالم الإسلامي والعربي.

هذه مشهديتان فاختر لأي مشهدية تنتمي، وللأسف يستعمل أسوأ ما يمكن أن يقدم من أجل إسقاط قوة الأمة وعزتها ألا وهي الحرب المذهبية..
قبل سنوات كان العالم العربي والإسلامي لا يتحدث لا عن طائفية ولا عن مذهبية لا سني هنا ولا شيعي هناك ولا درزي ولا علوي، وكلنا كنا نعيش حالة الوحدة العربية أو الوحدة الإسلامية فالتنوع موجود ولم نكن نعيش حالة الطائفية والمذهبية، ولكننا وقتها كنا نعيش حالة الذل والهوان والانكسار أمام العدو الصهيوني ففي الوقت الذي بدأت تتنامى فيه قوة المسلمين والمقاومة وبتنا قاب قوسين أو أقرب من تحقيق وعد الله الحق بالانتصار على العدو الصهيوني أثيرت في وجه الأمة كل شياطين التفرقة بالمال والإعلام والسياسة، فبدل أن يكون المال العربي في خدمة من يقتل ويذبح في فلسطين، وللحفاظ على القدس والمقدسات، يذهب للأمريكي والصهيوني لينهي كل هذه القضايا.. وتُنشئ محطات إعلامية للأسف السنية والشيعية وليس لها دور إلا التفرقة وتوجيه اللعن والسباب ونشر البغض والتفرقة بين المسلمين..

وفي مقابل كل هذه التحديات زاد الذين يؤمنون بالبندقية والسلاح فقط وأنها الطريق الوحيد لتحقيق النصر وازدادوا تعاوناً فيما بينهم رغم كل هذه المصاعب والمصائب.

أيها الأخوة: وحدة الأمة هي الأهم ولكن علينا أن ندرك أن وحدتها مع وجود الكيان الصهيوني والسياسة الأمريكية العنصرية المساندة للكيان الغاصب لن تتحقق طالما أن هناك أناساً رضوا أن يغردوا في السرب الأمريكي والصهيوني.
وإن وحدة الأمة تتحقق من خلال دعم المقاومين والوقوف إلى جانبهم ومن خلال إنهاء الكيان الغاصب واقتلاعه من جذروه فهو الغدة السرطانية التي تفتك بجسد الأمة.

لا أظن اليوم وفي هذا العصر نعيش معركة أنقى وأنصع وأوضح من المعركة في فلسطين، وأقولها صراحة: أنني مع من يقف إلى جانب فلسطين أيا كان دينه ومذهبه وعرقه، وإنني ضد من يتآمر على فلسطين حتى ولو كان من أهل ديني ومذهبي وبيتي ولو سمي خادماً للحرمين الشريفين أو شيخاً للإسلام.

إن مسألة الإيمان بالله والعقيدة والمذهب والدين تتعلق بحرية الفرد مع رب العالمين وهو القائل: إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ. فلسنا نحن من يحاسب الناس على دينها وعقيدتها وخياراتها ولكننا نستطيع أن نحاسب بعضنا على ما يقدم للناس من خير او شر.

من هنا نحن نبني على الدور التركي الإيراني وخاصة هذا اللقاء الذي يتم في تركيا من أجل تعاون بين الدولتين ليكون مقدمة عملية ونواة لتشكيل الاتحاد الإسلامي المرتجى.

أرجو الله عز وجل أن يحقق وحدة هذه الأمة ويجعلنا ممن يرى الحق حقاً دون أي زيغ وأن ينصر الله المجاهدين في فلسطين ولبنان وأن ينصر الحق أينما كان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.