فيوليت غزال البلعة- تسلل أميركي إستثماري الى لبنان!

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, September 11, 2019

ليس خفيا أن إقتصاد لبنان يمرّ بمرحلة ركود قاسية، قد تطول أمدها أو تقصر وفقا لفسحات الإنفراج أو التأزم التي تحوط ظروف منطقة الشرق الأوسط. لكن ما يُعزّي هو أن الركود لا يقتصر على إقتصاد لبنان، حيث تلفّ تلك الحال إقتصادات معظم دول العالم، وفي مقدمها الولايات المتحدة.

في وسط تلك المناخات المشحونة التي تزيد سخونتها داخليا، سجالات أهل البيت السياسي و"نقارهم" المتواصل على بعض المصالح الضيقة والمكاسب المزمنة والمكتسبة حديثا، يبدو أن لبنان مقبل على مرحلة بيضاء جديدة تظهر ملامحها من خلال ما يمكن تسميته بـ"التسلّل الصامت" لواشنطن على مشاريع إستثمارية في لبنان، سواء بالمباشر أو بالواسطة، مستغلة الركود القائم لفرض قواعد جديدة من العمل تقوم على تشغيل مؤسسات وشركات أميركية وإعتماد إسعار تنافسية وتنفيذ مشاريع ضمن مواصفات عالمية، يكمن أهمها في عزلها عن مكامن الهدر المعتادة وإلزام المشغّلين "أجندات تسليم زمنية" تتلاءم والمواعيد المحددة في العقود.

ليست واشنطن هي وحدها مَن يقود تلك "الهجمة" الإستثمارية، إذ تعاونها في ذلك باريس التي تشغل أحيانا دور "الوسيط"، وتتولى التفاوض و"أوامر الدفع" الى مقدمي الخدمات اللبنانيين.

هذه الهجمة الإستثمارية المزدوجة، تثير تحفظ الطرف الواقع ضمن محور إيران-"حزب الله"، الذي بات قسرا خارج إطار "سيدر" وبرنامج الإستثمار الشامل، ويعجز حتى ولو أراد، أن يفرمل الحماسة الفرنسية والأميركية، لوقوعه تحت تأثير وضغط إرضاء القواعد الشعبية التي تتحسّس معاناة الضائقة الاجتماعية والاقتصادية.

هذا الـMomentun أو "قوة الدفع" الجديدة التي بدأت تلفح رياح لبنان، تشبه ما طُبّق سابقا في العراق، حيث مناخ الأعمال والمصالح كما التركيبة الحكومية، ممسوكين من واشنطن وطهران. ويعتمد نجاح هذا النمط على قدرته في مجاورة الزخم الداخلي الذي يفترض أن يميّز أداء الدولة المستقبلي.

ويبدو أن تلك القاعدة التي إنطلقت فعلا عبر سلسلة مشاريع، ستكون هي المؤسس لمرحلة النمو المقبلة في لبنان، ولكن إن بقي السياسيون على إقتناعهم بتصغير حجم "الكعكعة" التي ينهلون منها، والقبول بقواعد جديدة للمنافع قد تكون على شكل خفض البدلات المالية التي كان يتقاضونها، أو عبر توظيفات اضافية لقاعدة الموالين لهم.

ووفق معلومات خاصة من واشنطن لموقع Arab Economic News، فان الإستثمارات الأميركية التي بدأت تقتحم مناخ الأعمال في لبنان، قد تصل الى ما بين 7 و8 مليارات دولار، بدأت تتوزع عمليا وفق خريطة استثمارية يشارك في جزء منها أيضا البنك الدولي بحصة تبلغ نحو 4 مليارات دولار، ويمكن إدراجها كالآتي:
1- وديعة الـ1.4 مليار دولار التي قدمها بنك "غولدمان ساكس" الى مصرف لبنان عبر "بنك سوسيتيه جنرال في لبنان"، وهي توظيف إستثماري في السندات اللبنانية لمدة خمس سنوات وبفائدة 12%. وهي المرة الأولى في تاريخ الولايات المتحدة التي يقدم فيها مصرف أميركي كبير وديعة استثمارية لبنك مركزي، وتُفسّر سياسيا بجرعة دعم جديدة من واشنطن لحاكم مصرف لبنان رياض سلامة.
2- دخول شركتا "جنرال إلكتريك" GE و"أوبيك" OPIC الاميركييتين الى قطاع الكهرباء عبر توقيع مشروع تلزيم "هوا عكار" المرتقب منتصف الشهر الجاري مع "بنك عوده".
3- دخول شركة Vantage Drilling الأميركية الى قطاع النفط والغاز عبر شركة "توتال" الفرنسية للتنقيب في البلوك رقم 9 المجاور لإسرائيل، حيث لها عمليات مماثلة في حقل "كاريش" النفطي الإسرائيلي.
4- إقامة مركز تدريب في قاعدة حامات الشمالية بالتنسيق مع الجيش اللبناني.
5- البدء بتنفيذ مشروع سدّ بسري عبر البنك الدولي، وهو بقيمة 600 مليون دولار، رغم إعتراضات الأهالي والدعاوى القضائية المرفوعة على ظلامة لحقت بالإستملاكات التي لم تراع بتقييماتها ما يخص بعض السياسيين، وفي مقدمهم عقارات لرئيس الحكومة سعد الحريري ولنائب صيدا أوسامة سعد.
6- مشروع بناء مقرّ السفارة الأميركية الجديد في بيروت، والتي تفوق قيمته التقديرات السابقة التي توقفت عند سقف المليار دولار.

الى ذلك، ينشط الفرنسيون على خط التلزيمات في خطوة تفسرها المصادر من واشنطن، بحرص باريسي على تفتيت مشاريع "سيدر" ضمانا لحسن التنفيذ وصرف قروض الـ11 مليار دولار، والمباشرة بتوقيع عقود تلزيم لمشاريع البنى التحتية، وأهمها تلزيم مشروع توسعة اوتوستراد نهر الكلب، حيث بدا الموقف الفرنسي صارما ومتشددا حيال شروط المناقصة، الامر الذي ظهر جليا من خلال خفض قيمة العرض المطروح من 73 مليون يورو الى 53 مليونا، والزام الثنائي الشويري-حورية إنجاز الاشغال وتسليم المشروع في مهلة لا تتجاوز السنتين.

تبدو هذه الانطلاقة وكأنها ترجمة لرغبات أميركية وفرنسية بتمرير الأحوال الضيقة في لبنان ولو بالقوة، بما يمنحه فرصة جديدة رغم ثقل العقوبات المتشددة على قنوات تمويل "حزب الله" والتي تطول بعض فئات المجتمع المحلي وبعض القطاعات ومنها المصارف، بأضرار جانبية قابلة للتعويض، في رأي المصادر الأميركية المواكبة لهذا الملف.

لا شك في أن كل ركود ينظّف الاقتصاد من الطفيليات والمتطفلين على قطاعات وعلى مبادئ الأعمال. وفي الحال اللبنانية، يؤمل في ان يفضي الركود القائم منذ أعوام، الى تنظيف الاقتصاد الوطني من الصفقات والسمسرات، فضلا عن تضييق الخناق على منظومة الفساد والهدر المتفشيتين، بما يكفل العودة الى اعتماد أصول النهضة الاقتصادية الموعودة.

المصدر: Arab Economic News