روزانا رمّال- علاقةُ تاريخية... ماذا يريد حزب الله من الاشتراكي؟

  • شارك هذا الخبر
Monday, September 9, 2019

من بوابة التعاطي بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي يمكن التوقف عند شكل المعادلة الممكن توصيفها محلياً، فيكاد يكون الحزبان هما الحزبان الاكثر ترجمة لمعادلات الخارج على الساحة المحلية بسياساتهما. فلا يغيب الحدث السوري عنهما لسنوات بأي شكل من الأشكال. وعلى هذا الاساس تحضر العلاقة مع دمشق كبوابة عبور لعلاقة جيدة ـو ممتازة بينهما. هكذا كان تاريخ هذه العلاقة لسنوات طويلة. فمعروف أن الحزب التقدمي الاشتراكي حظي بمكانة كبرى وخاصة عند سورية في مرحلة من المراحل. وفي هذه اللحظة تحديداً كانت العلاقة مع حزب الله توصف بالممتازة وكانت تحالفات انتخابية وسياسية لا تشوبها شائبة حتى ان حلفاء حزب الله كانوا ينتقدون تقدّمه بالعلاقة مع الاشتراكيين على حساب تقدمهم السياسي الذي كان يحتاج لدعم كبير في أكثر من مرحلة كان يرى الحزب حينها أن العلاقة مع جنبلاط استراتيجية باعتبار انه يمثل زعامة لطائفة بأكملها هي طائفة الموحدين الدروز.

تدهور العلاقة جاء إثر التصعيد حيال دعم الرئيس السوري بشار الأسد من عدمه. فبينما كان حزب الله يقدّم مقاتليه من اجل حماية سورية نظاماً وشعباً كان جنبلاط يسعى جهده محلياً ودولياً للتخلّص من هذا النظام بحكم وقوعه ضمن مروحة علاقات اقليمية ودولية كبرى جعلت منه ثقة المجتمع الدولي نفسه الذي رفض بقاء الأسد.

اللافت وبالرغم من كل هذا نجاح الطرفين بتنظيم العلاقة داخلياً، لكن هذا لم يكن بمرحلة بداية ما عرف بالثورة السورية قبل أن تتخذ شكلها العسكريّ البحت. ففي ذلك الوقت كان الخلاف يبدو واقعاً الى «غير رجعة»، خصوصاً لجهة ثقة الاشتراكي بان سقوط الأسد حتمي. كيف لا وأغلب الأنظمة انهارت وسقط رؤساؤها بالمنطقة أجمع ومنها دول بحجم مصر وسقوط نظام مبارك. وعلى هذا الأساس وبعد ان بدت مؤشرات بقاء الاسد واضحة صار تنظيم الخلاف بين الحزبين أسهل. وكل هذا أتى منعاً لانفجار او احتقان الوضع المحلي ربطاً بسورية فاستمرت «المراعاة» ومرات «المسايرة» الانتخابية والوزارية والسياسية والأمنية بين الطرفين.

الأمر نفسه جرى مع تيار المستقبل الذي رعى بري بينه وبين حزب الله عشرات الجلسات الدوريّة من أجل حفظ التوازن الداخلي بعد لحظة احتقان إقليمي ودولي كارثيّة كادت تشعل حرباً سنية – شيعية محلية بعد أن شهد لبنان مرحلة تفجيرات إرهابية غير مسبوقة تقدّم فيها الإرهاب نحو حدوده الشرقية فتم تنظيم الخلاف والاشتباك بين حزب الله وتيار المستقبل وقد التزم المستقبل بصورة واضحة بهذا الاتفاق الذي كان قوامه سحب التداول محلياً بالأوساط الإعلامية بالخلاف مع سورية، واعتبار ان المشكلة كبيرة بين الفريقين استراتيجياً، لكنها لا تمنع التعاون المحلي وعدم مهاجمة فريق للآخر من هذه البوابة.

بالعودة للحزب التقدمي الاشتراكي فان هذا الامر نفسه هو الذي كان مطلوباً ولم يحصل. ومع ذلك بقي حزب الله راغباً بأفضل علاقة وتواصل مع جنبلاط منعاً لازدياد الاحتقان وتوسيع الهوة وسط امن سياسي «هش» حتى انفجرت الأمور أخيراً بلحظة خلاف حول ما بدا كسارة في «عين دارة» وتبعتها حادثة «قبرشمون» إلا انه كان لحظة انفجار قوامها مرحلة تصعيد إقليمية كانت تعيش المنطقة لحظاتها بإمكانية وقوع حرب أميركية في الخليج تكون لحظة الاشتباك الكبير مع إيران ومعها لحظة انعدام «الكيمياء» بالكامل بين حزب الله والحزب التقدمي الاشتراكي نظراً للدعم غير المسبوق الذي حظي به حلفاء حزب الله بالجبل واتهامات بتطويق زعامة جنبلاط بأمر إقليمي سوري.

اللافت أن الخلاف كبر عند لحظة تقديم امين عام حزب الله ما أسماه جنبلاط «بمطالعة» حول الخلاف على كسارة عين دارة في حوار تلفزيوني وعندها أيقن اللبنانيون أن شيئاً ما انتهى بين الطرفين وأنه بالحد الأدنى صار مستحيلاً أن يعاود حزب الله مد اليد من اجل هذه العلاقة التي تبدو كأنها انتهت بعد ان اتهم حزب الله الاشتراكيين بمحاولة قتل وزير بالحكومة حليف لحزب الله..

لكن فجأة عاد حزب الله عن هذا الموقف وصارت مبادرة الرئيس بري قابلة للحياة وبالفعل تمّ جمع الطرفين، وعاد الحديث عن تأسيس لنقاط تحفظ الاشتباك. ومن الجهة المقابلة تقدم جنبلاط نحو مبادرة الرئيس ميشال عون في قصر بعبدا وبعدها نحو زيارة عون ببيت الدين حتى الاستقبال الأخير للوزير جبران باسيل لتيمور جنبلاط.

الأكيد أن شيئاً ما طرأ.. وهو أن لحظة اشتباك واحتقان إقليمية ودولية فرضت على الطرفين هذا المتغير الإيجابي وهي خفوت طبول الحرب والحديث عن حوار إيراني أميركي بالأفق. لا لأن هذين الحزبين يقودان حراكاً سياسياً بأجندات خاصة بل على العكس لأنهما أكثر الأحزاب تشبيكاً مع الخارج لجهة ربط الساحة السياسية المحلية بالساحة الإقليمية. وهذا ليس سراً في لبنان في منطق عمل الأحزاب وتأثر الوضع المحلي بالوضع الإقليمي كيف بالحال مع أحزاب عقائدية أو فكرية أرست خياراتها على تطوّرات قضايا نضالية ليس أقلها القضية الفلسطينية وهي صلب لعبة التوازنات أصلاً.

تتحدث مصادر «البناء» عن تفاؤل حيال تقدم هذه العلاقة، لكنها تكشف أن لحزب الله رغبة بأن يلتزم الاشتراكيون بضبط كامل للاشتباك السياسي والكلامي مع تفهّم حزب الله للخلاف الاستراتيجي، لكنه يرغب لو يتم تنظيم الخلاف على غرار ما تم تنظيمه مع المستقبل بحيث لا يهاجم الحزب الاشتراكي حزب الله ولا يطلب منه «ما لا طاقة له به» بما يضرّ بمصلحة حلفائه تحديداً التيار الوطني الحر والحزب الديمقراطي، فإذا اراد جنبلاط ان لا يكون حليفاً للحزب فهو خصم سياسي بطبيعة الحال يلتزم الحزب من جهته بضبط الاشتباك والسجال معه فلا يطلب الاشتراكي من حزب الله أن يعامله كحليف أو يطلب حفظ مكاسبه السياسية. وهو أي الاشتراكي مستمر بالتعاطي معه كخصم بالهجوم الكلامي فليختر جنبلاط ما يريده بالنظر للحزب وليصنف الحزب وفق رؤيته إليه في هذه المرحلة ويعامله على هذا الأساس. وتختم المصادر «لعل التجربة مع تيار المستقبل هي الأنجح بهذا الإطار بضبط الخلاف» دون أن يطلب المستقبل من حزب الله ما لا يعتبر حقاً له كخصم.