ميسم رزق - التعيينات الإداريّة: محاصصة وإقصاء

  • شارك هذا الخبر
Friday, September 6, 2019

رغم فتح ملف التعيينات على مصراعيه، لكن يستمر احتجازه بفعل الخلافات السياسية بين مكونات السلطة. من أصل 160 موقعاً في الفئة الأولى، كان 29 شاغراً بداية العام الجاري. لكن الشغور تمدد ليتجاوز خمسين موقعاً اليوم، بانتظار الاتفاق عليها

لا شيء في الجمهورية يسير كما يجِب أن يسير. فمَن في يدهم زِمام السلطة، لا يزالون، بلا أسباب «منطقية»، يؤخرون البت بواحِد من أهم الملفات في البلاد: ملف التعيينات الإدارية، في وظائف الفئة الأولى تحديداً. يطلّ هذا الملف إلى الواجهة، ثم يعود ليختفي بسبب الخلافات بين القوى السياسية الراغبة في حصص أكبر داخل النظام، من دون الركون إلى آليات واضحة تلتزم معايير الكفاءة وتكافؤ الفرص. المشكلة بحسب المطلعين على «طبخة البحص» هذه، لا تنحصر في عدم اعتماد آلية واضحة للتعيين، ولا في التوزيع الطائفي للمواقع (الذي بات يجري التعامل معه كتوزيع مقدّس، خلافاً للدستور الذي يوجب المداورة بين الطوائف)، بل ينسحِب الخلاف على أسماء المرشحين لشغل المناصب الشاغرة بين الحلفاء في بعض الأحيان، حتى في تلكَ المحسومة طائفياً. إلى الآن لا يزال الشغور في مناصب كبيرة وأساسية قائماً، علماً أن التعيين فيها حاجة مُلحة من أجل انتظام عمل السلطة والإدارات. وقد أدى هذا التعطيل إلى شغور إضافي في عدد من المواقع حتى بلغت أكثر من خمسين. وتُترجَم هذه الخلافات توتراً بين المكونات السياسية، في ظل إقصاء بعضها عن الحصول على حصة في التعيينات، كما يحصل اليوم مع القوات اللبنانية، أو في ظل وضع فيتوات على أسماء تطرحها جهة معينة، لأن فريقاً آخر لا يريدها، كما صارَ سابقاً بين رئيس الحكومة سعد الحريري والوطني الحرّ الذي رفض مرشّح الأول إلى رئاسة مجلس الإنماء والإعمار.

ترتفع حدة التوتر، بما أن المبعَدين، كالقوات وإلى جانبها تيار المردة، يدركون أن اعتراضهم لن يغير في واقع الحال شيئاً. فالجزء الأكبر من التعيينات سيمرّ بموافقتهم أو من دون رضاهم. لكن ذلك لا يمنع المعترضين من شنّ حملة على الحكومة التي يشاركون فيها، كما هي حال معراب التي تتكتم على المواقع التي تضعها نصب أعينها. كلما سئل القواتيون عن التعيينات، يجيبون بالإشارة إلى أن التيار الوطني الحر «لم يلتزم ما اتُّفق عليه في ورقة النيّات حول بند التعيينات». العبارة، كما هو منصوص عليها، حرفياً تقول بأن «تتوزع القوات اللبنانية والتيار الوطني الحر مناصفة المقاعد الوزارية المخصصة للطائفة المسيحية، وفي حكومات العهد كافة». من هنا، بدأ «عدم الالتزام» يقول القواتيون، ويستكملون كلامهم ببند آخر عن التعيينات ينصّ على «توزيع مراكز الفئة الأولى في الإدارات الرسمية والمؤسسات العامة ومجالس الإدارة العائدة للمسيحيين، بما فيها المراكز القيادية الأولى في المؤسسات الرسمية (ومن ضمنها قيادة الجيش وحاكمية مصرف لبنان) بالاتفاق بين الطرفين، وفقاً لمعايير الكفاءة والنزاهة ومع احترام الآلية المقررة في مجلس الوزراء. ويأتي تبادل المراكز بين الطرفين حلاً، حيث ينتفي الاتفاق بينهما»، لكن ذلك لم يحصل. يضيف القواتيون أنه «تم الاتفاق على تشكيل فريق عمل بين الطرفين لتنسيق خطوات العهد وسياساته تبعاً لنظرة الفريقين». ينطلقون من هنا للقول بأن «عدم تشكيل هذا الفريق هو ما أدخل القوات والتيار في نفق الخلافات من الكهرباء، وصولاً إلى التعيينات، وكان الهدف من عدم التشكيل، الانقلاب على الشراكة».

هل كان رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل، يستطيع إقصاء القوات لو لم يجِد لنفسه مُعيناً كرئيس الحكومة سعد الحريري؟ يومَ تعيين أعضاء المجلس الدستوري، نعى وزير الشؤون الاجتماعية ريشارد قيومجيان «الأخلاق السياسية والصدقية في لبنان»، بسبب «عدم التزام الحريري ورئيس مجلس النواب نبيه بري الاتفاق على تعيين عضو محسوب على القوات». يذكر القواتيون هذه «السالفة» رداً على سؤال عمّا إذا كانت التعيينات هي نفسها سبب التوتر بينهم وبين رئيس مجلس الوزراء، الذي وصل إلى حد مطالبة سمير جعجع باستقالة الحكومة.

والراجح أن هذا التوتر مع الحريري يمتد إلى الساحة الدرزية أيضاً، حيث يتمسّك النائب السابق وليد جنبلاط بكل التعيينات المحسوبة للطائفة، رغم أن العاملين على خط الاتصالات يؤكدون أنه جرى «التفاهم على إعطاء الوزير طلال أرسلان واحداً من المواقع الدرزية»، يبدو الاشتراكيون مستشرسين أكثر من أي وقت مضى للسيطرة عليها كاملة، «بعدَ التنازل عن وزير في الحكومة ليكون من حصة أرسلان». على الجهة الشيعية، تؤكد مصادر مطلعة أن «اتفاقاً تمّ بين حزب الله وحركة أمل على اقتراح ثلاثة أسماء لكل موقع شيعي بالتفاهم فيما بينهما، على أن يصار إلى اعتماد واحد منها في مجلس الوزراء وفق الآلية المتفق عليها». أما «المردة» فتؤكد مصادره أنه «لم يطلب شيئاً معيناً حتى الآن، ولم يجرِ مشاورات مع أحد في هذا الشأن».

هذا في السياسة. أما في الأرقام، فيتبين من تقرير أصدرته «الدولية للمعلومات» في شهر كانون الثاني الماضي عن وظائف الفئة الأولى والشواغر فيها، أن عدد الوظائف في هذه الفئة في داخل الإدارات وبعض الشركات المملوكة من الدولة، يبلغ 160 وظيفة، منها 29 شاغرة. لكن بعد ثمانية أشهر، أصبح عدد الشواغر (بعض من يشغلها انتهت ولايته ومستمر في ممارسة مهماته) في هذه الفئة وحدها 52 مركزاً، تحتكرها الطوائف، فضلاً عن وظائف لم تُشغَل ولم تُحسَم «طائفياً» بعد، ومنها (وسيط الجمهورية، رئيس شركة لبنان تيليكوم، والمدير العام لهيئة إنشاء وإدارة المراكز الصناعية). في حين أن بعض المواقع في الدولة يُستبعد التعيين فيها لأنها محسوبة على طائفة محددة، لكن لا تزال تخضع للتجاذبات السياسية، كموقع المدير العام لفرع الشؤون الوزارية في رئاسة مجلس الوزراء وهو محسوب من حصة الشيعة. وبعدما كان تيار «المستقبل» يرفض تعيين أحد فيه خشية «اختراق السرايا من قبل حزب الله»، يدور الحديث اليوم عن قبول الحريري بأن لدى رئيس مجلس النواب نبيه بري مرشحاً لشغل المنصب المذكور. ويسري الحال نفسه على موقع آخر هو المدير العام للفرع الفني في رئاسة الجمهورية (محسوب على الكاثوليك وشغله شيعي لفترة قصيرة). ويقال إن حركة أمل تتمسك بالموقع، ولا سيما أن المدير العام لفرع الأمانة العامة في رئاسة الجمهورية، من حصة الكاثوليك. ومن جهة أخرى، يستمر التجاذب حول موقع رئاسة الهيئة الناظمة للاتصالات، التي يطالب كل من حزب الله وحركة أمل من جهة بتعيين شيعي فيها، ويطالب التيار الوطني الحر من جهة أخرى بأن يكون شاغلها مارونياً. ويتذرّع كل من الفريقين بعدم وجود مدير شيعي أو ماروني في وزارة الاتصالات. فالمدير العام لهيئة «أوجيرو» ومدير الاستثمار والصيانة في «الاتصالات» سنّيان، فيما المدير العام للتجهيز كاثوليكي.


الأخبار