هيام القصيفي - عون من نيويورك إلى المجلس: ما مصير تفسير المادة 95؟

  • شارك هذا الخبر
Friday, September 6, 2019

أطاحت التطورات بين حزب الله وإسرائيل ملفات داخلية عالقة، تنتظر التوقيت الملائم لإعادة طرحها مجدداً، وتبيان ما ستؤول إليه، انطلاقاً من الجوّ التوافقي الذي عاد ليسود في أعقاب حادثة قبرشمون. ورغم المخاوف التي فرضت نفسها أخيراً على الوضع الداخلي، جراء الاحتمالات الناجمة عن العملية الإسرائيلية وردّ حزب الله عليها، إلا أن ارتفاع مستوى الخطر ساهم في وقف النقاش الحاد من هذه الملفات العالقة، وحرفه في اتجاه تمتين المواقف الداخلية من الاعتداءات الإسرائيلية.

فرئيس الجمهورية العماد ميشال عون، وجّه رسالة إلى المجلس النيابي لتفسير المادة 95 من الدستور، والرئيس نبيه بري حدد موعداً لدرسها في 17 تشرين الأول المقبل. وبين هذين الموعدين، طرأت متغيرات كثيرة يفترض أن تترك بصماتها، لا على مقاربة تفسير المادة، من الناحية الدستورية، بل على الجو الذي قد يرافق التفسير وإخراج السيناريو الذي يناسب عدم الدخول في مواجهات متجددة. ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل الذي كرر مراراً، في حضور رئيس الجمهورية، رفضه للمادة 80 من الموازنة، وأيد من الديمان فكرة الاتفاق المسيحي على قراءة واحدة للمادة 95 من الدستور، ربطاً بما أُقر في نص موازنة 2019، من الصعب أن يستكين. وهو المبتعد علانية عن كل ما يتصل بالاعتداء الإسرائيلي أو التوتر مع تركيا، حرص مع خطابه الرئاسي في التيار على إعادة التذكير مجدداً بالمناصفة والشراكة، ولا يمكن تبعاً لذلك التراجع عمّا يعتبره لبنة أساسية في مشروعه السياسي.

من الآن وحتى يحين موعد قراءة الرسالة، يذهب رئيس الجمهورية إلى نيويورك حاملاً ملف لبنان والاعتداءات الإسرائيلية من ضمنها، ويعطي حزب الله من أعلى منبر دولي شرعية للرد على هذه الاعتداءات، بعدما غطى موقفه رسمياً عبر المجلس الأعلى للدفاع، كما فعل رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري أيضاً. صحيح أن رئيس الجمهورية لم يتبنّ موقفه الرسمي ضد إسرائيل، في إطار المقايضة مع ملفات داخلية، لكن الاستثمار السياسي حق مشروع في السياسة أيضاً، وهذا ما يطرح تحدياً أمام عون وباسيل معاً، في تحديد الخطوة التالية بعدما استثمرا كثيراً في موضوع المادة 95 من الدستور في ضوء ثلاث ملاحظات: الأولى أن الكلام السياسي منذ طرح موضوع الرسالة والموازنة حول المناصفة، يتعدى أي إشكالية دستورية حول تفسير الرسالة ومضمونها وحق رئيس الجمهورية بتوجيهها. فالرسالة سياسية، والرد عليها سيكون سياسياً أيضاً، لأنه سيشرع الأبواب لوضع هذه الإشكالية المتعلقة بالمناصفة وتفسير التدرج نحو إلغاء الطائفية السياسية أمام احتمالات كثيرة، ومنها أنه له يكون شرحاً ظرفياً مرهوناً بقضية محددة وبزمن محدد، بل يؤسس مستقبلاً لاجتهادات وتفسيرات تُبنى عليها قضايا حساسة.
الملاحظة الثانية أن النقاش في لبنان لا يبقى نقاشاً بالمطلق، بل يتحول مباشرة إلى خلاف وتوتر.

وتبعاً لذلك، احتمالات تجدد التوتر على خلفية تفسير المادة 95 قائمة، وبجدية. لأن الأطراف المعنيين لم يتراجعوا عن مواقفهم. فرئيس مجلس النواب حدد موقفه سلفاً من الرسالة الرئاسية لجهة تحديد موعدها، (قبل تحرك عون في شأن الاعتداءات الإسرائيلية) وفي رسم أعلى حدّ يمكن أن تصل إليه الموافقة على مطالب عون وباسيل، في خطاب 31 آب من النبطية بعد الاعتداءات، بدعوته إلى «تنفيذ اتفاق الطائف بكامله أي كل النصوص الدستورية التي لم تنفذ، الأمر الذي يدخلنا حتماً وتلقائياً ويضعنا على مشارف الدولة المدنية (...) معيداً التذكير بمجلس الشيوخ الذي نص عليه الدستور حامياً لحقوق الطوائف والعقائد والأحوال الشخصية والأمور المصيرية». وهذا يعني بحسب شخصيات مواكبة لإقرار اتفاق الطائف، التلويح بالفكرة الأساسية التي توسعت بها «القوى الإسلامية»، ومنها بري، ومعه رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط، حتى أقرت في الاتفاق الثلاثي حول آلية «التدرج نحو اللاطائفية السياسية»، لأنها تضمنت بنوداً تفصيلية، سواء بالنسبة إلى مجلس النواب أو الحكومة، وصولاً إلى إلغاء الطائفية في التمثيل النيابي والرئاسات والوزراء ووظائف الفئة الأولى وما يعادلها. وهذه الآلية ليست موجودة بهذا التفصيل في نص المادة 95 من الدستور المطلوب شرحها في المجلس النيابي.

الملاحظة الثالثة، أن أي فكرة لتوحيد رؤية «الأحزاب المسيحية» للمادة 95 تحتاج إلى الحد الأدنى من التفاهم المسيحي الداخلي، وهذا ليس موجوداً حتى الآن، ولا سيما بعد مشاهد الأيام الأخيرة وما حدث في المجلس الدستوري من إقصاء التيار الوطني للقوات اللبنانية، وانتقال القوات في مواقفها التصعيدية إلى مرحلة التوجه مباشرة إلى رئيس الجمهورية بعد فترة مهادنة له والتركيز على التيار وحده، وانتقاد القفز فوق القرار 1701. وإعادة تجميع القوى المسيحية حول خطاب المناصفة والشراكة والحفاظ على الحقوق المسيحية يحتاج إلى أكثر من لقاء «وجداني» في بكركي.

كل ذلك يفضي إلى خلاصة، أن ما قبل العملية الإسرائيلية لا يزال على حاله، والمادة 95 لا تزال عالقة عند اليوم الذي أرسل فيه عون الرسالة إلى المجلس.


الأخبار