نجيب نصر الله - إسرائيل الجديدة!

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, September 3, 2019

لم يسبق لإسرائيل بما تمثله أن كانت بهذا الهزال! فالمحمية التي وُلدت من رحم الإرهاب المجنون، في الأيام الأخيرة التي تلت تجرّؤها على العبث بالقواعد الحاكمة التي سبق للمقاومة أن فرضتها، عبر استهدافي الضاحية ودمشق، بدت كنمر من ورق. إن لم نقل جرواً مذعوراً يسأل استنزال الدعم من عواصم «القرار»، وملحقاتها الإقليمية الذليلة (لم يتأخر وزير الخارجية البحريني عن تكرار تظهيره بصفاقة موصوفة).

وعليه، ومن غير مبالغة أو تسرّع، واستناداً إلى الوقائع التي تلت «العبث» الإسرائيلي الأخير، أو تلك التي سبقت الردّ (لم يقو أحد في «العالم» على منعه أو الحؤول دونه)، يمكن اعتبار الأول من أيلول ٢٠١٩ (تاريخ تنفيذ الردّ) بمثابة التأريخ المرجعي لولادة إسرائيل أخرى، أو لنقل إسرائيل جديدة. والأرجح، وهو ما ستبيّنه الأيام والأسابيع المقبلة، أن هذا التاريخ لن يكون قليل الحضور عند التأريخ لمقدمات وأسباب النهاية المحتومة لكيان استُدخل قسراً في نسيج المنطقة، لكنه عجز، وبالرغم من كل أُتيح له، عن الاستمرار. فكان الموت المحتوم على يد مقاومة شعبية استبطنت الانتصار وامتلكت أسبابه وهيّأت لها.

فالكيان الذي اعتاد التهديد والوعيد والضرب والقتل يميناً ويساراً، بل وحيثما كان يخطر له، بدا خلال الأيام الأخيرة، مقيّداً وملجوماً، بل و«مسبوعاً» كما لم يحدث من قبل، حتى لا نقول إنه بدا عاجزاً كل العجز. ولم يقيّض لكل أسباب القوة العسكرية وعناصرها التي تشمل كل ما هو متطور وحديث ومتقدم في ترسانة الموت الغربية أن تفلح في فرض أو ترميم المنعة التي طالما كانت للكيان. بل أن الكيان، كل الكيان، عاش أياماً تاريخية تجلّت، أكثر ما تجلّت، في تهيّب المواجهة الواضح، والخشية، والتواري الكامل خلف التحصينات والدشم العسكرية والسياسية في الإقليم والعالم.

إن صورة إسرائيل التي وصلت إلى العالم هي صورة الجرو المتسخ الذي أرعبه ذيله المجدوع فحار في كيفية مواراة نفسه عن الأنظار فجعل يصدر أصواتاً غير مألوفة.
وهنا، ومن باب التذكير يجدر الإشارة إلى جملة من العناصر التي ربما فاتت أعتى «المحللين» والسياسيين الإسرائيليين، من الذين راحوا يفاخرون بانعدام الإصابات في صفوف القوة المستهدفة. فالهدف المرحلي الذي حدده السيّد حسن نصرالله، في خطاب الردّ، كان واضحاً ومختصراً. وهو منع إسرائيل من تجاوز المعادلة التي كان سبق للمقاومة أن أرستها في مراحل المواجهات السابقة، حتى لو قاد ذلك إلى مواجهة شاملة، ثبت، وبالملموس، عجز العدو عنها برغم كل ما يملكه. والأمر الآخر، وهو الأهم، إن الردّ الذي توعدت المقاومة به لا يعني الردّ للردّ فحسب، بل كان يتجاوز هذا الأمر ليصل، وهو ما تحقّق، ومن دون أدنى جهد، بسبب من حزم الإرادة وشجاعة القرار إلى إرغام العدو، وكل من معه، على التسليم بحرمة الأرض ومعها الدماء اللبنانية، والكلفة الباهظة التي يمكن أن تترتب على أي خرق لها. ومن شأن القراءة الأولية للعملية ولسياقاتها أن يكشف أن الرد، على أهميته وضرورته، لم يكن هدفاً بذاته، بل كان تعبيراً عن أفق هذه المقاومة وجذريتها في المواجهة التي لن تتوقف إلا بمحو هذا الكيان محواً لا عودة بعده.

إن حال الذعر والقلق المديدين التي عاشها من في الكيان على مدى أسبوع أو أكثر ليس بالأمر البسيط، ولا بد للدارسين والمحللين من التوقف عنده. وسيكون تجاهل هذه الجزئية غير العادية، مستقبلاً، في غير محله تماماً. فهذه الجزئية تشي بالكثير عن الحال الذي صار إليه الكيان برمّته، بعد طول أمان واطمئنان. فالأمان ومعه الاطمئنان كانا جوهريين في مسيرة هذا الكيان، بل وواحداً من «الضمانات» التي أطالت من عمره، وتجريده منها اليوم، وهو ما تمّ بنجاح غير قليل، يفتح الباب أمام تجريده مما هو أكبر وأعظم، وهو ما تزداد المؤشرات على إمكان تحقيقه.

إنها المرة الأولى التي يسيطر فيها الخوف الإسرائيلي ويتجسّد في صورة فاقعة عكستها سلوكيات قادته السياسيين والعسكريين. وظهر أنه خوف عميق. فالقرار بالرد ثم تحققه اعقب انتظار وترقب وحبس أنفاس إسرائيلي غير مسبوق. وسيكون لذلك الاثر في الوعي الإسرائيلي الجمعي.
ما قامت به المقاومة بعد ظهر الأحد، يندرج في باب أقل ما يقال فيه إنه فتح صفحة جديدة في المواجهة المفتوحة والتي تزداد المؤشرات، كما المعطيات، على قرب حسمها لصالح المنطقة وأهلها.

لقد كُتب، مرة جديدة، لإرادة المقاومة أن تنتصر، وأن تفرض على العدو، ومن معه، التسليم والإذعان. وهذا ليس بالتفصيل البسيط. ومن شأن أي مراجعة لمحطات المواجهة مع هذا العدو أن تشي بأهمية هذا المعطى الذي كان واحداً من أسباب التفوّق الإسرائيلي الموهوم. وستكشف الأيام المقبلة أن الردّ الذي تحقّق ستكون له مفاعيل وتأثيرات ذات وزن حاسم، لن يتوقف عند حماية المعادلات القائمة فحسب، بل سيطاول فرض ما هو جديد ونوعي، وأول هذا الجديد والنوعي سيكون الارتداع الإسرائيلي عن استباحة السماء اللبنانية، وهو ما قالته المقاومة ووعدت به، وهو ما سيقود، حتماً، إن تحقّق سواء بشكل كلّي أو جزئي، إلى انسداد آخر في شريان إضافي من شرايين هذا الكيان.


الأخبار