علي قاسم- العالم يواجه خبل ترامب وجنون جونسون

  • شارك هذا الخبر
Friday, August 16, 2019

ماذا يحدث عندما نُدخلُ طفلا مشاغبا إلى البيت الأبيض، ونمنحه كامل الصلاحيات لإدارة شؤون البيت، والبلد، والعالم؟

كل الاحتمالات واردة: حروب، كوارث، أزمة في العلاقات الدولية، تدهور في الأمن وانهيار خدمات الصحة والتعليم، وحتما حرب تجارية. حدث هذا كله، بينما العالم يحبس أنفاسه خشية ركود اقتصادي أصبح قاب قوسين.

يوم الأربعاء هبطت الأسهم الأوروبية إلى أدنى مستوياتها في ستة أشهر، في أعقاب بيانات قاتمة صادرة عن اقتصاديات كبرى. ودفع ركود في الصادرات الاقتصاد الألماني إلى الانكماش، بينما تباطأ نمو الإنتاج الصناعي في الصين إلى أدنى مستوى في أكثر من 17 عاما.

وأنهى المؤشر ستوكس الأوروبي جلسة التداول ملامسا أدنى مستوى له منذ 15 فبراير، بينما هبطت مؤشرات الأسهم في ألمانيا وفرنسا وإيطاليا، التي تعصف بها أزمة سياسية، بأكثر من 2 بالمئة. وأغلق المؤشر نيكي الياباني ملامسا أدنى مستوياته منذ 6 أغسطس.

وأغلقت المؤشرات الأميركية الرئيسة الثلاثة منخفضة بنحو 3 بالمئة، مع تسجيل المؤشر داو جونز أكبر خسائره في يوم واحد منذ أكتوبر الماضي. لم يكف العالم ورطة دونالد ترامب، الذي استغل تنامي المد الشعبوي، مستغلا قضايا مثل الحماية التجارية واللاجئين للفوز بالرئاسة. وهو الفوز الذي استبعده معظم المحللين السياسيين في العالم حينها. وأمام دهشة الجميع دخل “الطفل المشاغب” البيت الأبيض، ليبدأ ممارسة هوايته المفضلة. ولم يسلم أحد منه.

محطته الأولى كانت فنزويلا والمكسيك، وتابع ليصل إلى روسيا، وكوريا الشمالية، وإيران، وسوريا، والعراق.. في كل بقعة ستجد آثارا له، ولكن أخطر ألعابه كانت مع الصين. بالطبع أي قرار سياسي له تأثير مباشر على الاقتصاد، ويظهر ذلك بشكل قوي في أسواق الأسهم، وأسعار العملة والمعادن الثمينة والسلع، خاصة النفط.

هذه بديهية يعلمها الجميع. ولكن عادة يمكن توقع القرارات السياسية مسبقا، وبالتالي اتخاذ القرار الصائب واختيار أخف الأضرار. وعندما تكون القرارات مزاجية، صادرة عن شخص يتربع على أعلى القمة، لا يمكن التنبؤ بآثارها، التي غالبا ما تكون كارثية.

ولكي يزداد الأمر سوءا يواجه العالم نسخة أخرى من ترامب، نبتت في تربة مماثلة، هي بوريس جونسون، الذي دخل 10 داوننغ ستريت في لندن مدعوما بنفس الأجواء الشعبوية التي دعمت ترامب.

جونسون، حسب روجر كوهين، المعلق بصحيفة “نيويورك تايمز” لعب ببلاده وتعامل معها بطريقة متهورة لا مبالية، داعما خروجها من الاتحاد الأوروبي، متبعا نزوة من نزواته. لم يكن يتوقع أن الشعب البريطاني سيقبل الخروج، لينتهي بيدقا في يد المتشددين الداعين للبركسيت، الذين تسكنهم فكرة واحدة هي “بريطانيا الصغيرة”.

ويرى كوهين أن العالم يواجه اليوم “خبل ترامب وشذوذ جونسون”، الذي كذب ودفع طريقه ضاحكا إلى أعلى منصب في بريطانيا، مقلدا “المهرج الأحمق” ومخلفا وراءه الضرر الكبير.

يوماً بعد آخر تزداد خطورة الحرب التجارية التي أعلنها ترامب على اقتصاديات العالم، وتزيدها تهديدات جونسون بمغادرة الاتحاد الأوروبي دون اتفاق خطورة، خاصة وأن هذه التداعيات طالت قطاعات مؤثرة للغاية، شملت القطاع المالي، فبعد أن فرض ترامب رسوما إضافية على واردات الولايات المتحدة من الصين، لجأت الصين إلى تخفيض قيمة عملتها الوطنية. لم ينتظر ترامب طويلا، وسارع إلى مطالبة رئيس بنك الاحتياط الفيدرالي بتخفيض أسعار الفائدة، للتأثير باتجاه خفض سعر صرف الدولار.

اليوم يحسب العالم حجم خسائره، نتيجة الانعكاسات المؤثرة لهذه القرارات على الأسواق العالمية، فإلى جانب الانهيار الذي شهدته أسواق المال، تراجعت أسواق النفط، ليلامس مزيج برنت 55 دولارا للبرميل. بوجود جونسون في داوننغ ستريت، وترامب في البيت الأبيض، لا يمكن التنبؤ بالمفاجأة التي ستخرج من صندوق العجائب. ولكن يمكن التنبؤ بالركود الاقتصادي الذي بات يهدد العالم.