تشويه الجمال ... طب أم فن؟

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, August 14, 2019

"يولد الجمال بأشكال عديدة، ما عليك إلا أن تغيّر الزاوية التي تنظر منها حتى تلمس الجمال في كلّ مكان"، هي نظريّة د. سيغموند فرويد التي يؤكّد عليها أنطون تشيخوف على طريقته بالقول "لا ينبغي أن يكون الجمال في الجسد فقط، بل في الروح"، وإنطلاقاً من هذا الفكر الفلسفي نؤكّد أنّ الجمال ليس جسديّاً فحسب بل هو مزيج من روح جميلة، وقلب طيّب، وعقل نيّر، وفكر عميق، وأخلاق جميلة، وأدب رفيع تضاف جميعها الى القامة.
وإن كان الجمال نسبيّاً، فهناك بعض المعايير التي تتوحّد حولها معظم الآراء لتشكّل الوعي الجَماعي؛ ولكنّ الجمال الجسدي مثل فاكهة الصيف يسهل الحصول عليه في موسمه إلا أنّه سرعان ما يندثر ويصعب الاحتفاظ به، فنلجأ عندها الى الإبتسامة لتُظهر جمال الروح، والى الفكاهة لنظهر جمال النفسيّة، والى العطاء والمساعدة لإبراز جمال القلب، والى العيادات التجميليّة للمحافظة على جمال الطبيعة أو لمحاولة خلقه في حال انعدامه.
لاحظنا في العقدين الأخيرين تضاعف عمليات التجميل، التي كان للكثير منها آثاراً سلبيّة أكثر منها ايجابيّة؛ فكم من سيّدة فقدت الـ "كاريزما" خاصّتها عندمّا قلّدت هذه النجمة أو تلك، وكم من ابتسامة فقدت رونقها عندما زار السيليكون شفاهاً طريّة نضرة، وكم من تعبير فقدناه عندما امتلأت الوجنات بالفيلر...
لعلّ أكثر من يعاني من الآثار السلبيّة لعمليات التجميل هم من يكون عملهم في الضوء، لا في لبنان فحسب بل في العالم.
هل تذكرون "راكيل" (لوسيا منديز) بطلة المسلسل المكسيكي الأشهر "أنت أو لا أحد"، كانت ضحيّة مقبض تجميلي خطف جمالها الصارخ الوحشي فأضاف الى تجاعيد العمر قباحةً في المنظر وغرابة في الشكل وتشوّهاً واضحاً في الوجه.
ومن نجمات الغرب الى نجمتنا الذهبيّة نوال الزغبي التي خسرت الكثير من جمالها عندما قامت بمسح علامات السنين عن ابتسامتها وضخّمت شفتيها فبات وجهها "غريب الراي" وهي بنفسها قد صرّحت في إحدى حلقات برنامج "مجموعة إنسان" أنّها تتلقّى العلاج التجميلي المناسب، وأنّ وجهها سيعود الى طبيعته يوماً ما ... مع الوقت؛ وكانت نوال قد لاقت انتقادات كثيرة بسبب ما أقدمت عليه من تشويه لوجهها الذي امتاز بجماله البسيط.
وهل من يفهم نطق المذيعة "ديانا فاخوري" غير الواضح بسبب تكبير شفتيها، وهي المخوّلة نقل المادة الإخباريّة بتجرّد؛ لم تكن بحاجة الى هذا التشويه الذي يطلق عليه اسم "التجميل" سيما وأنّها كانت يوماً ملكة جمال الإعلاميات العرب، وستعيد لنفسها هذا اللقب حتماً بعدما بدأ حجم التضخّم يتلاشى عن الشاشة.
أمّــا المفاجأة الكبرى فكانت الصورة الأخيرة للممثلة اللبنانية النجمة نادين نسيب نجيم بشعر أشقر وماكياج جعلها أشبه بالمغنية مادلين مطر، وإن كان هذا اللوك الجديد لدور رمضاني مقبل، فإنّ الصورة بالمطلق قد صدمت معجبيها بسبب هذه النقلة النوعيّة في الشكل؛ يذكر أنّ نادين أيضاً قد عانت من تضخّم شفتيها اللافت وتغيير في شكل حنكها ممّا أدّى الى تضاؤل في مخارج حروفها في أدوارها الأخيرة.
وفي مصر، عانت نجمتها الأولى نبيلة عبيد من غياب التعابير الكلّي عن وجهها جرّاء عمليات شدّ الوجه، فبتنا لا نعرف حزنها من فرحها على الشاشة، وهي حال العديد من ممثلات الوطن العربي اللواتي فقدن مصداقيّتهنّ في الأداء بسبب مبالغتهنّ في الحقن ومكابرة الزمن.
وبعد،
الأسماء الواردة في هذا النص ليست حصراً، بل هي أمثلة ونقطة في بحر الكثير من التشويه الذي يطال أجمل الوجوه؛ فهل من سبب وجيه يدفع بملكة جمال الى مقبض طبيب التجميل؟ وهل من دافع لنثور على تجاعيد الطبيعة ونلغي سنوات العمر وضحكاته وتعابيره؟
ألا نكتب كلّ يوم قصّة، أو نأخذ عبرة، أو نمسح دمعة، أو نخلق بسمة؟
ألا يكفي خزّان ذاكرتنا ليعطينا وحده الثقة بالنفس لمواجهة المستقبل؟
هل كنّا وصلنا الى ما نحن عليه اليوم لولا خبرة الأمس وسنواته التي غيّرت في ثقافتنا الكثير، وفي خبرتنا الكثير، وطالت التغييرات أيضاً الشكل الخارجي فكان ضريبة الحياة؟
تعالوا نتصالح مع ذواتنا ...
تعالوا نسرق من العمر فرحه، وخبرته، ونتلذّذ بمراحله، لأنّنا مهما كابرنا فلن نغلب قوانين الطبيعة...

#خدوني_ع_قد_عقلاتي
روي ج. حرب