حسين شبكشي - السعودية... وقوة الاختيار

  • شارك هذا الخبر
Sunday, August 11, 2019

في آخر لقاءاتها التلفزيونية اختصرت السفيرة السعودية في واشنطن الأميرة ريما بنت بندر المشهد الجديد في بلادها بأنه يمنح الناس «الاختيار» في أسلوب حياتهم، وكم هي محقة في ذلك.
لسنوات طويلة جداً ارتبطت الصورة الذهنية عن السعوديين بشيء شبيه بألوان ما يلبسون من ثياب: أبيض وأسود. واقع الأمر أن السعوديين بأهوائهم وطباعهم وثراء تنوعهم العرقي والمناطقي، هم ثراء من الميول والعواطف والآراء تماماً كما صورها مركز الحوار الوطني في صور مختلفة مؤخراً. اليوم يكتشف السعوديون أنهم أمام «بوفيه مفتوح» من الخيارات في مجالات الدراسة والتعليم والعمل والترفيه والملابس وغير ذلك، بعد أن كان الأسلوب القديم يتعامل مع هذه المسائل بنظام «طبق اليوم»، نفس الوجبة لا تتغير. الخيار متعة.
«ستاربكس» عملاق صناعة القهوة المعروفة يبيع القهوة لزبائنه من خلال 88 ألف اختيار بين النكهات والمقاسات وأنواع البن والألبان (نعم 88 ألف اختيار لم تخطئوا في قراءة الرقم)! موقع التواصل الاجتماعي المعروف «فيسبوك» يمنح للمشتركين فيه 86 اختياراً للتعريف عن النفس!. أيضاً شركات الألبان زادت من حصصها السوقية وتنوع مستهلكيها عندما توسعت في نكهات «الزبادي» مطعماً بأصناف الفواكه المختلفة، وقدمت أيضاً بدائل الحليب المستخرجة من اللوز والصويا والقمح والأرز وجوز الهند والشوفان والفانيليا. كذلك كان الأمر مع شركات الآيس كريم عندما توسعت في تقديم خيارات النكهات بعيداً عن حصرها في الشوكولاته والفانيليا، والفراولة.
إنها قوة الاختيار، وقد تبدو هذه الأمور من البديهيات الآن، ولكنها في كل خطوة كان كل من أقدم عليها يتحدى المألوف والمريح والسائد والمعروف ويخرج بالتالي من مربع الأمان. وهذه الأيام المباركة من شهر ذي الحجة، والعالم يتابع أداء الملايين لمناسك الحج المعظمة يدرك تماماً المقصود فعلياً وعملياً بقوة الاختيار، فالسعودية انحازت لسعة الاختيار وتوسع الأفق في الآراء الفقهية، بعد أن كانت تتبنى الآراء الأحادية الضيقة، الأمر الذي أدى إلى التعسير على الناس. آراء كانت تحرم أفعالاً في مناسك الحج بالأمس أصبحت مباحة اليوم ومرحباً بها جداً، واستمرار في المطالبات بتتبع الرخص عملاً بمبدأ «يسروا ولا تعسروا وبشروا ولا تنفروا»، وأصبح «الرمي» مثلاً «في أي وقت» وعدم ربطه «بالزوال» فقط، وغير ذلك من الآراء الميسرة. إنها قوة الاختيار ولا شك.
منذ أيام تداول النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي لقطات استقبال لوزير الشؤون الإسلامية لحاجة من نيوزيلندا أتت للسعودية بعد أن فقدت أهلها في الحادث الإرهابي الشهير هناك وذلك عبر مكرمة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز مع أهالي الضحايا الآخرين. وانهارت بالبكاء لدى وصولها، وفي إجابة له عن سؤال إعلامي عن مشاعره لم يستطع الرجل الإجابة وصمت متأثراً واغرورقت عيناه بالدموع وقبّل رأس السيدة المسنة في مشهد مؤثر للغاية، وتفاعل الناس بين مؤيد ومعترض لأنهم لم يتعودوا من رجل الدين الرسمي إظهار العواطف والمشاعر الإنسانية، فلقد عرف عن معظمهم الحدة والجفاف.
إنها مرة أخرى قوة الاختيار، ويبقى «البوفيه» أكثر سعة من طبق «اليوم».