في بلد تكثر فيه الجرائم والسرقات وكلّ ما هو غريب عن مجتمعنا على شاكلة أعمال الإغتصاب والإعتداءات على مختلف أنواعها، نجد أنّ التعليم المتوسط والثانوي قد تراجع بنسبة سبعة بالمائة تقريباً (7%) وفق آخر التقارير العلميّة، وكلنا يعلم بأنّ الثقافة والعمل يُبعدان عنّا شروراً ثلاث: الملل، والعوز، والرذيلة؛ فكيف الحريّ بطفل حُرم من المدرسة واضطر للعمل منذ نعومة أظافره أو أجبر على التسوّل، ماذا تكون نهايته غير الإجرام بحق نفسه وبحق المجتمع؟
تلفتني ظاهرة المتسوّلين الصغار، وأعيش الصراع بين مساعدتهم من جهة، لأنّ قلبي ينفطر عندما أرى مسحة الحزن في عيونهم، وبين تحكيم عقلي من جهة أخرى الذي يؤكّد لي أنّهم أسرى شبكة إجراميّة تسرق آمالهم وطموحاتهم وتحدّها بلقمة عيش مغمّسة بالذل والدم.
وهنا نسأل أين دور الدولة التي يفترض أن تضع التعليم المجاني الإجباري موضع التنفيذ، وأن تمنع عمالة الأطفال وتسوّلهم وتتقصّى مصدر العصابات وتحدّ من تصرّفه الغوغائي، وأن تحمي بالتالي مجتمع الغد من سقوط محتّم؟
**
في هذا البلد، الذي كان يوماً قبلة أنظار الغرب والشرق، وملتقى الحضارات، نجد النزوح والهجرة واختلاط ثقافات غريبة عن مجتمعنا، فتجد العهر على أنواعه، والفجور، وعبادة الشياطين تحت راية حريّة التعبير.
لا بدّ من توضيح هاتين الكلمتين؛ فحريّة الفرد تنتهي عندما تبدأ حرية معتقد الآخر، وحرية التعبير التي كان لبنان رائداً فيها حيث فيه المطبعة الأولى في الشرق، وفي عاصمته لا تزال تنبض دماء شهداء الصحافة، هذا التعبير لا يكون بالتطاول على المقدّسات الدينيّة تحت أيّ ظرف وأيّة حجّة؛ فإن أردنا التمثّل بالغرب، علينا إذاً بأخذ أفضل ما لديهم، وليس بما يرذلونه.
وهنا نعود لنسأل اين الدور الذي يفترض أن تلعبه الدولة من أجل توعية شعبها الغارق معظمه بالسطحية والسذاجة؟ وهل بات تجاوز خطوط الأخلاق الحمراء حرية في التعبير؟ وهل يجب احترام الآخر حين يوجّه لنا إهانة أم قمعه؟
** وسط هذه البلبلة، نرى رجلاً غير قادر على الدخول الى متجر لشراء حاجياته لأنّ هذا المحل غير مجهز لذوي الإرادة الصلبة، وإن كانت بعض المؤسسات (حكوميّة كانت أم غير حكوميّة) مجهّزة بشكل خجول ...
ونرى فتاة مثقفة لكن بلا عمل لأنّها من ذوي الإرادة الصلبة؛
ونرى من يكافح ويناضل ويكتب كل يوم مئة قصة وقصّة من النجاح ولكنّه مهمّش من مجتمعه ومن دولته لأنّه ببساطة لا يشبه الأكثرية الساحقة الغارقة بقشور هذا العالم الزائف. هنا نسأل الدولة أما حان الوقت لاتخاذ خطوات عمليّة، لا إداريّة ونظريّة فحسب، لتطبيق كوتا الوظائف والحفاظ على حق من نحكم عليه بأنّه مختلف؟ ولماذا لا يكون الإختلاف ايجابيّاً فيتحلّى من فقد سمعاً أو بصراً أو طرفاً بقدرة على التحليل والمنطق أكثر بكثير ممّن يستهلك عطايا الخالق بملذات تافهة أو بعشوائيّة وفوضى تجعله أسيراً لأطرافه، بينما الآخرون قد تحرّروا من أسرهم؟.
ألا يجب على الدولة، بوزاراتها المعنيّة، ومختلف أجهزتها، أن تضع خطة شاملة لمعالجة هذه الآفات ولترسيم الطريق لمستقبل أكثر إشراقاً يليق بلبنان، الرسالة والمنارة؟ فهل من مجيب؟