مريم سيف الدين- تجنيس "التهريبة"... يللي ضرب ضرب

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, August 6, 2019

بتاريخ 11 أيار من العام الماضي، صدر مرسوم التجنيس "الخاص" بطريقة ملتبسة وكأننا أمام "تهريبة" قبل أن يضبط ويطلق عليه اسم "المرسوم الفضيحة " لما تضمّنه من أسماء تثير الشكوك والشبهات ومعظمها لمتموّلين ورجال أعمال. يومها سارع النواب بلال عبدالله وهادي ابو الحسن وفيصل الصايغ لتقديم طعن بالمرسوم أمام مجلس شورى الدولة باسم الحزب التقدمي الإشتراكي مطالبين بإبطال المرسوم فوراً. بعدها بأيام قليلة تقدم النواب جورج عقيص وانطوان حبشي وجوزف اسحق وفادي سعد بطعن آخر باسم "حزب القوات اللبنانية" مطالبين بوقف تنفيذه، لكنّ أيّاً من الحزبين لم يصله ردّ على الطعن الذي تقدّم به. إزاء اللامبالاة الموصوفة حيال الطعن، يبدو أن مرسوماً جديداً يحضّر بعيداً من الأضواء، "فلديهم القابلية للتجنيس مجدداً، ويبدو أن المسألة مربحة"، بحسب النائب بلال عبدالله.

"شورى الدولة" يُهمل الطعن لإمرار المرسوم

بعد أكثر من عام على تقديم طلب الطعن بالمرسوم، يكشف النائبان جورج عقيص وبلال عبدالله لـ "نداء الوطن" أن الطعنين اللذين تقدّما بهما قد أهملا. وأن أيّاً منهما لم يصله رد من مجلس شورى الدولة سلباً أم إيجاباً. يعبّر عقيص، والذي كان قاضياً، عن شعور بالمرارة من طريقة تعامل مجلس شورى الدولة مع الطعن الذي تقدم به لإبطال المرسوم، هو وزملاؤه في تكتل "الجمهورية القوية". "هذا الإهمال هو ما نستنكره، كنا تفهّمنا لو تمّ ردّ الطعن، لكن شكوكنا عالية وشكوانا كبيرة. إذ كان من المفترض البت بسرعة بالطعن المقدّم من قبلنا وبطلب وقف تنفيذ المرسوم. أما الآن فلدينا شكوك كبيرة بأن الأشخاص الواردة أسماؤهم في المرسوم قد منحوا الجنسية اللبنانية". شكوك عقيص تجعله يخشى من أن يرد الطعن بعد الإنتهاء من عملية تسليم الهوية اللبنانية إلى المجنسين الجدد، بحجة أن الطعن سيصبح بلا موضوع بعد تطبيق المرسوم. لكن النائب في "كتلة الجمهورية القوية" يراهن على صلاحية الدولة في سحب الجنسية من المجنسين، في حال ثبت عدم توافر الشروط اللازمة لتجنيسهم. كذلك يشكو زميله عبدالله من سلوك مجلس شورى الدولة، وتبيّن له أن القانون قد لا يسمح للنائب بالتقدم بطعن باعتبار أنه لا يملك صفة المتضرّر المباشر.

يقول المحامي بول مرقص، المتخصص في القانون الدستوري، إن مجلس شورى الدولة غير مقيّد بمهلة زمنية للبت بالطعون. ويؤكد مرقص كلام عبدالله لناحية أنه يمكن رفض طعن النواب بسبب عدم تمتّعهم بصفة المتضرر المباشر. ويرى المحامي أنه كان من الأفضل أن يتقدّم بالطعن متضرّر بالشخصي، من أجل البت به ووقف تنفيذ المرسوم. ويقصد بالمتضرر بالشخصي، من تقدم بطلب تجنيس ولم يحصل عليه رغم أنه ولد في لبنان وحارب من أجله ولا يعرف بلداً غيره. عن المرسوم، يقول مرقص إن لرئيس الجمهورية صلاحية تجنيس من يعتقد أنه قدم خدمات للبنان، وهو حق تقديري. وتبدو خشية عقيص من سريان مرسوم التجنيس بعد مماطلة مجلس الشورى بالبت بالطعن في مكانها. إذ يؤكد مرقص أنه و"بالمبدأ لا تسحب الجنسية إلا في حال تبين وجود غشّ أو تزوير. وفي حال لم يكن هناك تزوير فمن الصعب سحب الجنسية من المجنّس لأنه بات يتمتع بالحق المكتسب. خصوصاً اذا استفاد من هذه الجنسية واستصدر اوراقاً ثبوتية واستخدمها"،ما يعني أن إهمال مجلس الشورى للطعن قد يكون متعمّداً لحين سريان مرسوم التجنيس وحصول المجنسين على أوراقهم الثبوتية. ما يمنع وقف تنفيذ المرسوم ويلغي إمكانية سحب الجنسية اللبنانية من المجنسين. إذاً فالتهريبة نجحت!

صدقت ميراي عون الهاشم، كريمة رئيس الجمهورية ومستشارته عندما أكدت منذ صدور المرسوم، عدم تراجع والدها عن قراره، معتبرة أن 400 مجنّس لا يقلبون معادلاتٍ ديموغرافيةٍ كمرسوم 1994. وعلى الرغم من أن المرسوم مذيّل بتواقيع من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الحكومة سعد الحريري ووزير الداخلية في حينها نهاد المشنوق، فأي من المعنيين لم يدافع عنه في وجه المعترضين ما حدا بالمستشارة للدفاع عن والدها، محمّلة المشنوق وحده مسؤولية ورود أسماء طالبي جنسية غير مستحقين. وصرحت حينها عون بأن "المشنوق لم يقم بواجبه وفق الأصول، وإذا ثبت فعلًا وجود أسماء غير مستحقة سيكون هو المقصّر لأنّه مهر المرسوم بالتوقيع الأول، والرئيس يتّكل على وزير داخلية يُفترض أن يكون قد قام بعمله في تحريك الأجهزة الأمنية المولجة التدقيق بالأسماء كافّة وإيصال ملف لا شائبة فيه و"نظيف" لرئيس الجمهورية".

تقارير الأمن العام محظورة على النواب!

وبعيداً من تقاذف المسؤولية، يبقى الأخطر من إهمال مجلس شورى الدولة للطعون المقدمة من النواب، ما نقله النائبان عن رفض الأمن العام إطلاعهما على التقارير التي كلف بإعدادها، للتأكد من المعلومات حول شكوك أمنية وقضائية تدور حول بعض من وردت أسماؤهم في المرسوم. على الرغم من أن التحقيقات الأوّلية التي قامت بها وزارة الداخلية هي التي أظهرت وجود شبهات أمنية وقضائية حول بعض الأسماء. ففي حال صحت هذه الشكوك، لِمَ لا تتم مصارحة النواب بها؟ وفي حال لم تكن صحيحة لمَ لم تتم طمأنة المعترضين؟ قد تكون الإجابة الأقرب للتصديق أن الموقّعين على المرسوم كلفوا الأمن العام بالتحقيق لامتصاص نقمة من وقف ضد المرسوم ولتضييع الوقت ريثما تهدأ موجة الرفض، ليعود المرسوم ويكمل مساره بهدوء، هو جواب يؤيده عبدالله. بينما يؤكد عقيص أن "لا فكرة رسمية وواقعية عما حصل، لكن ما هو ظاهر لا يطمئن".

في المضمون، لا يعارض عبدالله مرسوم التجنيس بأكمله، "فهناك مستحقون للجنسية، وإنما تمت إضافة ما بين 30 و40 شخصاً من غير المستحقين، كل جماعة البزنس في النظام السوري أضيفوا بطريقة غير قانونية ". وفيما استُخدم تشجيع الاستثمار كذريعة لتبرير تجنيس هؤلاء، يؤكد عبدالله أنه وبعد سنة من صدور مرسوم التجنيس لم يقم أي منهم بأي استثمار في لبنان. بل ويخشى النائب الإشتراكي أن يمنع المجنسون رجال الأعمال اللبنانيين من الإستفادة من عملية إعادة الإعمار في سوريا، إذ قد يدخل المجنسون للاستثمار هناك بدلاً من رجال الأعمال اللبنانيين. ويرى عقيص في الحديث عن الاستثمار مجرد ذريعة، إذ "يمكن تشجيع المستثمرين من دون منحهم الجنسية، فالجنسية مقدسة وهي رابط بين شعب وأرضه. ومن شروط منحها أن يقدم الشخص خدمات جلة للبنان". وهنا يعبّر عقيص عن خشيته من التوطين، "فالمرسوم جنّس فلسطينيين في الوقت الذي يمنع فيه الدستور اللبناني التوطين".

وفيما تشير المعطيات الى أن مرسوم تجنيس جديد يحضّر، يطالب عقيص بمرسوم أكثر شفافية، وألّا يكون مدعاة للشكوك، مطالباً بأن تدرس وزارة الداخلية بشكل صحيح ملفات الأشخاص الذين سيشملهم المرسوم العتيد، وخلفياتهم الأمنية. كما يطالب رئاسة الجمهورية بإنشاء لجنة قانونية، مهمتها درس قانونية المرسوم. على أن يعلن أمام المواطنين وفق أي معيار تم تجنيس كل شخص. "فبهذا الشكل يكون رئيس الجمهورية قد مارس حقه بكل حرية". واعلن عقيص أن كتلة نواب القوات اللبنانية تدرس اليوم الوسائل الممكنة لمعرفة كيف يمكن الرد على مرسوم التجنيس الذي أقرّ، كما تدرس بجدية فائقة الإجراءات الممكن اتخاذها، "كي تجرى عملية التجنيس في ظل احترام كلّي للنصوص الدستورية. فموقفنا ليس سياسياً وهو غير موجّه ضد أحد، فالتجنيس موضوع حسّاس بالنظر إلى التركيبة اللبنانية، ويحتاج لتوافق سياسي".

ومن أبرز الأسماء التي تم تداولها وأثارت ضجة كان اسم رجل الأعمال السوري سامر فوز، والذي يمتلك شركات في لبنان. حينها صدر بيان باسم فوز طلب خلاله سحب اسمه من جداول المشمولين بمرسوم التجنيس تجنباً لإحراج أي جهة تبنت طلب تجنيسه، بعد أن عبّر عن حاجته للوثائق اللبنانية التي تجنّبه العوائق التي يواجهها المستثمر رغبة منه في توسعة استثماره في لبنان. بيان ردت عليه وزارة الداخلية في حينها، بنفيها أن يكون اسم فوز قد ورد في المرسوم. هو نفي لم يتمكن الإعلام من التأكد منه خصوصاً أنه صدر عن وزارة أحرج وزيرها من اتهامه بالسعي إلى تجنيس رجل أعمال يصنّف على أنه الواجهة المالية لنظام الأسد. رجل سقط تجنيسه منذ عام ليوضع منذ نحو أسبوعين على لائحة العقوبات الأميركية الجديدة.