الكوميديا، من أنواع الفنون التي تهدف الى تسلية المشاهد، ويُفترض أن تحمل رسالة اجتماعيّة بطريقة ساخرة، تـُضحكنا على واقع بائس من منطلق المضحك المبكي. اعتـُبر لفترة طويلة "الكوميديان" (او من يمتهن فن التمثيل الكوميدي)، أنّه صديق البطل (في الأفلام السينمائية والمسلسلات)، وأنّه من يفتتح السهرة الفنيّة للمطرب، وكأنّه في مكان ما فناناً من درجة ثانية، رغم محاولات عديدة عبر التاريخ لإنتاج أفلام كوميديّة وسيتكوم ومسرحيات امتازت بانتقاد الواقع الاجتماعي والسياسي وعُرف المسرح منها باسم الشانسونييه. وها هو مهرجان الأرز الدولي، هذا العام، يكرّم الكوميديا اللبنانيّة، فاختار عدداً من الوجوه الضاحكة وعلى رأسهم الفنان صلاح تيزاني (أبو سليم). تناثرت الضحكات على المظاهر الإجتماعيّة في المآتم مع سامي خياط، وعلى اختلاف الطبقات الاجتماعيّة والمناطقيّة مع عباس جعفر، وعدنا بالذاكرة الى ابداعات بيار شماسيان (ام جورجيت) وضحكنا على الشعارات الحزبيّة مع فؤاد يمين... ولكن ...
متى يدرك الفنان اللبناني أنّه أهم ّ من السياسيين، ولا ضرورة للتزلّف أو التبجيل والتبخير الذي يُفقد المشهد من مضمونه ورسالته، حيث كان "العدو السياسي" لمنظمي المهرجان هو الحاضر الأبرز. ولا ضرورة لأيّ فنان كوميدي أن يقوم برشّ الفلفل والبهار "الجنسي" على أيّ نكتة لتكون مضحكة، فالمشاهد يضحك لأنه فهم الإيحاء الجنسي منها وليس على مضمون الدعابة.
متى يدرك الفنان اللبناني أنّ هويته الفنيّة أهم من التخلي عن لهجته لاستدرار ضحكة قد لا تأتي؛ فرأينا في هذا المهرجان احدى الفنانات ترتدي زيّاً مطرّزاً بالأرزة اللبنانيّة تؤدي وصلتها باللهجة المصريّة وتتمايل ساخرة من الفتاة اللبنانية التي صوّرتها على انّها ساقطة ساذجة.
متى ندرك أنّ الكوميديا لا تقتصر على الجنس والسياسة بل تتعدّاها لتشمل قضايا اجتماعيّة لا تعدّ ولا تُحصى... ضحك "شوشو" مثلاً على السياسة في مسرحياته من دون أن يغرق في متاهات الأسماء والألفاظ التي تخدش الحياء، وكذلك فعل الكبار... ليتنا نتعلّم !
كثيرة هي الأسماء التي غابت عن مهرجان الأرز الكوميدي لهذا العام، وكانت لتغنيه بحضورها... عسى أن نشاهد مهرجانات كوميدية عديدة تزيل عن صدورنا صخرة الحياة اليوميّة، وأن تكون لمهرجان الأرز الدولي تتمّة في السنوات المقبلة ليأتي شاملاً من حيث المضمون والأسماء...
