محمد عبيد - بين الطائرة المسيرة والباخرة المحتجزة

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, July 10, 2019

عودٌ على بِدء، من جديد سورية إلى واجهة الاستهداف الأميركي- البريطاني من خلال تشديد الحصار الاقتصادي وبالأخص النفطي منه إلى مستوى غير مسبوق.
إثر دخول قرار فرض المرحلة الثانية الحادة من العقوبات الأميركية على إيران في الثالث من شهر أيار الماضي، ساد اعتقاد في بعض الأوساط السياسية والدبلوماسية أن التركيز الأميركي المفرط لتقييد الاقتصاد الإيراني ومن ثم إخضاع طهران وجرِها لقبول الشروط الأميركية، سيؤدي حكماً إلى تراجع ملاحقة دوائر القرار الأميركية والغربية عموماً للوضع السوري، ما قد يسمح ببعض التجاوز للعقوبات المفروضة أصلاً على سورية منذ بداية الحرب الكونية عليها.
وقد عزز هذا الاعتقاد التحليلات الصحفية والإعلامية التي روجت إلى أن إخفاق مشروع إسقاط الدولة في سورية نتيجة الدعم الإيراني لها، دفع بالولايات المتحدة الأميركية وحلفائها الغربيين وأتباعها العرب إلى السعي لإسقاط الداعم مباشرة، على اعتبار أن إسقاطه سيسهل تداعي حلفائه في سورية ولبنان واليمن والعراق وبالأخص فلسطين.
فات الكثير من تلك الأوساط والمحللين أن قوة المحور المُعادي لمحور المقاومة دولاً وأحزاباً وحركات ليست عادية كما هي قدرة محور المقاومة أيضاً، والأهم أنه ثبت لهذا المحور المُعادي بما لا يقبل الشك أن التحالف العضوي بين أطراف محور المقاومة خصوصاً خلال السنوات الثماني الماضية في مواجهة الإرهاب في سورية قد عزز هذه القدرة، وبالتالي فإن شن حرب اقتصادية على دولة أو جهة حزبية بعينها والتساهل مع الأطراف الأخرى لن يوصل إلى النتيجة المطلوبة من جهة تفكيك هذا المحور بعد إغراقه بالأزمات الاقتصادية والمعيشية الحادة، وإرغامه على التسليم بالخريطة السياسية التي رسمتها دوائر القرار الأميركية والإسرائيلية للمنطقة، والتي تبدأ بإخضاع إيران وسورية وحلفائهما في لبنان واليمن والعراق وفلسطين ولا تنتهي بفرض ما يسمى «صفقة القرن».
لذلك فإنه من السذاجة السياسية التفكير بأنه يمكن تحييد أي من أطراف محور المقاومة في المواجهة القائمة الآن مع إيران، كما لم يصح ذلك سابقاً مع حزب اللـه ومع المقاومة الفلسطينية وأنصار اللـه في اليمن وبالأخص مع سورية.
ومن السذاجة أكثر القبول بالمنطق الأميركي المتداول في الكواليس الدبلوماسية حول احتجاز ناقلة النفط «غرايس1» القائل إن هذا الأمر موجهٌ ضد سورية حصراً وليس ضد إيران وإن كانت تحمل نفطاً إيرانياً!
إن السياسة التي تتبعها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لا تهدف إلى «طحن» إيران وحدها بل إنها لن تتوقف في حال نجحت في تحقيق ذلك، وما حاول فريق القرار 1559 وعدوان تموز العام 2006 والاجتياحات المتلاحقة لغزة والذي عاد عتاته من جديد لتولي مناصب رفيعة في هذه الإدارة مضافاً إليهم بعض المتصهينين الجدد أمثال جاريد كوشنر، أن يكرسه من خلال إمساكه بمفاصل القرار السياسي والعسكري والأمني الأميركي آنذاك سيعاود الكرة اليوم بعنف أكثر وحقد أعمى انتقاماً لفشله السابق.
إن تراجع خطاب الحرب أو على الأقل تهرب أطراف المواجهة من التصعيد الإعلامي الذي يجعل أياً منهم مسؤولاً عن إشعال فتيلها لا يعني انطفاء جذوتها. إذ إن الاستحقاقات الأميركية المقبلة على صعيد بدء حملات السباق الرئاسي إلى البيت الأبيض ستفرض على ترامب الراغب في البقاء في هذا البيت أن يبادر إلى ابتداع مخرج ما سياسي أو عسكري يحرره من الشرنقة السياسية التي وضع إدارته فيها، كذلك ستدفع بخصومه من الديمقراطيين وربما بعض الجمهوريين إلى الاستثمار في إخفاقه السياسي كما العسكري في معالجة الأزمة مع إيران وبالأخص سقوط شعاراته المعلنة لتركيعها.
في المقابل تندفع إيران بخطوات محسوبة ولكن تصاعدية لإحراج أطراف الاتفاق النووي المتبقين، وربما لإخراج نفسها من الالتزام النهائي بمندرجات هذا الاتفاق الذي وفق ما تقول مواقع القرار الإيرانية لا يمكن تجزئته أو الاستنسابية في تطبيقه.
احتجاز الباخرة «غرايس1» في جبل طارق ليست المحاولة الأولى لاستدراج إيران أو سورية للانزلاق نحو مواجهة يحدد مكانها وزمانها المحور المعادي لهما، ولن تكون الأخيرة. كذلك فإن إسقاط الطائرة الأميركية المُسيرة طراز «غلوبال هاوك MQ-4C» لن يكون الرد الإيراني الأخير على المحاولات الأميركية للترهيب عبر استعراض القوة التقليدي الذي لم يجدِ نفعاً.