كوشنر يضع اللبنانيين أمام خيارين...

  • شارك هذا الخبر
Monday, June 24, 2019

من الخطأ الاعتقاد ان الاشتباك الجوّي الأميركي - الإيراني فوق مضيق هرمز، والذي أدى في أولى نتائجه إلى اختبار طبيعة الحرب الجارية في منطقة الخليج العربي أو الفارسي، والتي تحدّد آليات الصراع الدائر وأدواته بين الدولة الكبرى الأولى في العالم والدولة الكبرى الأولى أو الثانية في إقليم الشرق الأوسط، الممتد، حسب الوكالة الدولية للطاقة النووية، في تلك «المنطقة الممتدة من الجمهورية العربية الليبية غرباً إلى جمهورية إيران الاسلامية شرقاً، ومن سوريا شمالاً إلى جمهورية اليمن الشعبية جنوباً»، توقف عند حدّ، أو أن خياراً من بين حزمة كبيرة من الخيارات، هو المتقدّم على حساب سواه..

قبل الخيارات التي هي قيد النقاش وضعت لحظة الدقائق العشر، التي قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب، انها هي التي غيَّرت قراره بضربة لإيران، كانت ستؤدي حسب تصريحه إلى مقتل نحو 150 شخصاً بريئاً. وهذا الأمر هو الذي ردعه، ودفعه إلى وقف عمليات الهجوم.

قبل الخيارات، لا بدَّ من مراجعة دقيقة لتاريخ التوتر الأميركي - الإيراني في الخليج، بعد سقوط الشاه محمّد رضا بهلوي من خلال ثورة شعبية، دموية جارفة اطاحت بالشاهنشاهية، وأحلت مكانها نظام «ولاية الفقيه» أو ما تسمية الدوائر الغربية والأميركية، نظام الملالي، أو نظام آيات الله، في دلالة على الطابع الديني، الأوتوقراطي للحكم..

1- تنتقل العلاقات الأميركية - الإيرانية، منذ احتجاز الرهائن الاميركيين في سفارة بلادهم، غداة الثورة من توتر إلى توتر.

2- من حرب الخليج الأولى عام 1980، والتي استمرت إلى ما قبل رحيل الإمام الخميني، بقليل (1989)، والعداء المستحكم، يحتدم بين الدولتين.

3 - في الفترة ما بين 1991 - 2003، لحظة سقوط نظام صدام حسين، وقبله نظام طالبان في أفغانستان، بدا حينها للمراقبين ان الأميركيين يعملون لدى «الامام الفقيه»، فهم اسقطوا طالبان التي كانت تتعارض معه من ناحية «النظام الديني»، وهم اسقطوا نظام البعث في العراق، الذي كان يتعارض من النواحي الدينية، والسياسية، وحتى الاقتصادية، والاستراتيجية..

4 - بعد ان فضح أمر التحوُّل التدريجي لإيران إلى دولة نووية.. وظهر ما يسمى بالملف النووي الإيراني، وصولاً إلى المخاوف من «قنبلة نووية ايرانية»، أخذت العلاقات تنتقل من تأزم إلى تأزم..

5 - خارج دائرة التوسع الإيراني، على نحو ذهنية امبراطورية في النطاق الجغرافي، الذي كان يعرف تاريخياً بحيّز الحضارة الايرانية - السورية، بما في ذلك لبنان وسوريا وفلسطين، بمحاذاة الحدود الشرقية الشمالية والجنوبية الغربية للبحر المتوسط.. عبر دعم مجموعات، بهويات متعددة، دينية - اجتماعية، وجهادية، وصولاً إلى تشكيل ما يسمى «بالمحور الايراني» أو محور المقاومة الآخذ بالاتساع، من الجنوب السوري إلى السلسلة الشرقية، وصولاً إلى رأس الناقورة في لبنان، وإلى حدود غزة خرقاً للضفة الغربية لنهر الأردن، وصولاً الى العراق وجبال صعدة، وصنعاء في اليمن، اختبر الأميركيون طعم المواجهة، سواء عبر العمليات ضد الجيش الأميركي، من خلال «جيش المهدي» و«عصائب أهل الحق» ووحدات حزب الله العراقي، امتداداً إلى الحشد الشعبي، بعد الـ2003، أو قبل ذلك في لبنان، عبر تدمير مقرّ المارينز في بيروت عام 1983، واضطرار القوات الأميركية (المارينز) الانسحاب بعد سقوط خط ريغان (نسبة إلى الرئيس الأميركي دونالد ريغان 1983) في منطقة الأوزاعي، أو عند الحدود الغربية - الجنوبية لضاحية بيروت الجنوبية، نقطة الثقل في جغرافيا «حزب الله» اللبناني.

6 - على مستوى الموقع الجغرافي، ينظر إلى إيران بأنها دولة جنوب غربي آسيا على الخليج وبحر عمان وبحر قزوين بين العراق وتركيا وروسيا وباكستان وافغانستان، تمتد على مساحة 1،648،196 كلم2 وهي تعتبر منفذاً إلى المحيط الهندي، وحلقة ربط بين تركيا والعراق (من الغرب) وافغانستان وباكستان (من الشرق)، فهي تقع على طرق مواصلات دولية هامة..

7 - لا حاجة بعد لذكر التاريخ، والعرق، والاشتراك في الانتماء إلى الجنس القوقازي، أي العرق الأوروبي، فإيران ترتبط بالغرب من هذه الناحية، وفقا للفيلسوف الالماني الشهير هيغل. وهذا ما يفسّر الحذر الأوروبي إلى حدّ الممانعة من الاشتراك في عمل عسكري ضد إيران.

8 - في 8 أيّار، أعلن ترامب قراره بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، الذي وقع عام 2015، في عهد إدارة الرئيس الأميركي باراك أوباما.. والمعروف باسم اتفاق (5+1) مع إيران.. والواحد يعني المانيا، إلى الدول الخمس الكبرى في مجلس الأمن.. ومنذ ذلك التاريخ، الذي عزاه ترامب إلى منع إيران من ان يكون لديها «اليد الطولى للسيطرة على الشرق الاوسط» والموقف الاميركي - الإيراني يذهب من تصعيد إلى تصعيد، على الرغم من أقسى عقوبات، فرضها، وفقا لما أعلن وزير الخارجية مايك بومبيو، في التاريخ على إيران.. مع فرض عقوبات على الشركات الأوروبية التي لا تلتزم تفاصيل العقوبات الأميركية..

في الاشتباك الحاصل فوق مياه هرمز، (كتعبير مختصر) عن الاشتباك الأكبر في الشرق الأوسط، لم تستحضر المصالح الكبرى للدول: النفط، الذهب، الشركات، الدولار، البورصات، بل ايضا المصالح الجيوبوليتكية، وصفقة القرن، ومصائر الصراعات الدائرة، في الأنظمة الدينية والعرقية والاثنية، بما في ذلك، قضايا اللجوء والنزوح والهجرة، وإعادة تقاسم جغرافيا الاقتصاد الدولي وتوزيع الإنتاج والتصدير، واسواق الاستهلاك، وطبيعة العمالة، الوافدة أو الدائمة..

وفي خلفية الاشتباك حصلت بقوة مراجعة تجربة «الحرب المعتمة» بين الولايات المتحدة وإيران، أو ما يعرف بالحرب «السيبرانية»، التي تتقنها إيران إلى جانب كوريا الشمالية والصين، وروسيا الاتحادية، لتدمير بنوك المعلومات، ومحركات الأقراص الصلبة في آلاف المخدمات، والحواسيب الشخصية، والحواسيب المحمولة، بعد سرقة بيانات بطاقات الائتمان الخاصة بآلاف العملاء، فضلاً عن أسماء موظفي الشركات وأرقام الضمان الاجتماعي الخاصة بهم..

وهذا ما حدث في 10 شباط 2014، عندمنا شن قراصنة الحاسوب هجوماً سيبرانياً ضخماً ضد مؤسسة «لاس فيغاس ساندز» (las vegas sands corporation) المالكة لفندقي القمار فينيتيان venetian وبالازو palazzo في شارع فيغاس vegas street, ومنتجع «ذي ساندز» (الرمال) المماثل، في مدينة بيت لحم Bethlehem، بولاية بنسلفانيا، واتهم المتخصصون في الحروب السيبرانية إيران بالوقوف وراء الهجوم، والشركة يمتلكها اديسلون الملياردير اليميني المؤيد بقوة لإسرائيل..

شكلت الحرب السيبرانية محطة تفكير، ونقطة تحوُّل استراتيجي: كان السؤال قبلها: كيف نكسب الحرب، لا بأس من قنبلة هيدروجينية أو ذرية على هيروشيما وناغازاكي؟ اما اليوم فتحول السؤال: كيف نتفادى الحرب؟ من أجل حماية «الترسانة النووية» وحياة البشر ومصالحهم على الأرض..

في لحظة الخيارات المفتوحة فوق الخليج، الذي تعجّ مياهه بحاملات الطائرات والغواصات وأجهزة المراقبة والانذار المبكر، والضفادع البشرية، تتابع دول المنطقة بخوف شديد مجريات القرارات والافعال، سواء في البيت الأبيض وخارجه، أو في العواصم المعنية، التي تتوقف دورة الحياة فيها على طبيعة المواجهة، أو المراوحة، أو التفاوض أو أي أمر آخر يتعلق بطبيعة المواجهة الجارية ومآلها ونتائجها.. سواء أكانت هذه الدول «عسكرية» كإسرائيل، وعادية «كلبنان» أو مرهقة كسوريا..

في لبنان، بقيت حسابات المواجهة الواسعة، تقتحم الصالونات الضيقة، وربما «الغرف الامنية» والعسكرية، وأصحاب المصالح الكبرى، في وقت مضى فيه النواب إلى البحث عن أموال، تستجيب لسدّ العجز، من منظار «سيدر» في موازنة العام 2019 التي لن تقر قبل تموز المقبل، أي قبل 5 أشهر ويزيد على نهاية السنة الجارية، على وقع تحركات شعبية وقطاعية، (من قضاة وأساتذة جامعة، وعسكريين متقاعدين) تطالب بوقف التلاعب بمعاشاتهم وتقديماتهم الاجتماعية..

في الأسئلة المثارة، من دون اجابات قاطعة: أين يقف حزب الله، في المواجهة، إذا اتسعت، وذهبت إلى الحرب التقليدية، سواء أكانت خاطفة أم قصيرة الأجل؟

أوّل من اثار هذه المسألة صراحة، هو وزير الخارجية الأميركي بومبيو، عندما زار بيروت، قبل أكثر من شهر، عندما حض اللبنانيين على الابتعاد عمّا اسماه «طموحات إيران الظلامية»، وان يكون الموقف اللبناني واضحاً بين خيارين: مع إيران أو مع الولايات المتحدة.. داعياً إلى «التحرك بشجاعة، لعدم السماح «للظلامة الايرانية» وحزب الله باملاء مستقبلك» (موجهاً الكلام إلى لبنان).

وثاني من اثار هذا الموضوع علناً، رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع، سواء عبر الشاشة أو رسالة بعث بها إلى الرئيس ميشال عون..

أيا يكن الموقف، فلبنان من مضيق هرمز إلى صفقة القرن، واغراءات كوشنير (صهر الرئيس ترامب) بات معنياً بالموقف أكثر من سواه، بصرف النظر عن الموازنة، والصيف الواعد، والصوت الراعد، أو الصمت الشاهد.. والرهان على ردع الحرب عن طريق الحرب؟!


اللواء