مازن ح. عبّود- زيارة ايريناوس بطريرك الصرب

  • شارك هذا الخبر
Saturday, June 8, 2019

غادر قداسة البطريرك ايريناوس-رئيس أساقفة بلغراد وبطريرك الصرب بيروت منهيا زيارة سلامية لإنطاكية امتدت سبعة أيام. زيارته لإنطاكية أتت تلبية لدعوة بطريركنا يوحنّا العاشر اليازجي وجوابا على زيارة بطريركنا السلامية لصربيا في تشرين الأول من العام المنصرم. فشكّلت محطة طبيعية وضرورية لنمو العلاقة ما بين البطريركيتين الأرثوذوكسيتين الشقيقتين، في ظل أجواء أرثوذكسية تستلزم التشاور والتعاون.

الملفت في الزيارة كان الحفاوة البالغة وتعدد المحطات والاستقبالات والتغطيات الإعلامية المباشرة وغير المباشرة.

فكأنّ التغطيات في الكثير من الأحيان جاءت كتعوّيض عن شيء ما ينقص، او كبدل عن تقلص دورنا لزوم إعطاء معنويات للشعب. الأكيد بانه اريد للتغطيات ان تزيد من منسوبات الحفاوة التي أراد لها السيد البطريرك ان تكون استثنائية. وقد كان واضحا كيف انّ بطريرك انطاكية اصرّ على كسر البروتوكول في كل محطات الزيارة بجعل ضيفه يتقدم عليه، ويترأس كل الاحتفالات الكنسية. حفاوة تقرأ بعدسة تطورات احداث وازمات الكنيسة الأرثوذكسية. فكأنّ الزيارة أتت كي تجسد تفاهما ما على مقاربة الازمات المستجدة أرثوذكسيا.

ما كان مقلقا في كل ذلك هو قلة المشاركة الشعبية في غالبية المحطات اللبنانية (باستثناء محطة مطرانية بيروت حيث كانت المشاركة الشعبية جيدة). مما يطرح علامات تساؤل. فهل تجد الناس نفسها مثلا غير معنية باهتمامات المؤسسة الكنسية ومشاغلها واحتفالاتها، فكان ان سطّرت رسالة باردة الى القيادات الروحية، ام انّ المشكلة في الاعداد والتنظيم وكيفية مخاطبة الشعب وتحفيزه على المشاركة؟

انّ الازمة ثنائية الابعاد حتما. ولقد كان من الأفضل التركيز على محطتين أساسيتين في الزيارة، الا وهما: محطة الاستقبال في دمشق حيث كانت المشاركة جيدة، ومحطة الوداع في بيروت التي وازتها شعبيا وتنظيميا. على ان تترك سائر المحطات بسيطة وخفرة وديرية بامتياز، لضمان جودة الصورة.

نعم لقد كان من الأفضل ان لا يصار الى اعتماد التغطية الإعلامية المباشرة وغير المباشرة الا عند توفر الشروط والحاجة والمشاركة الشعبية. فلا ننقل ما لا تتوفر فيه شروط التغطية والنقل، كي لا يتحوّل الاعلام الى سيف من نوع آخر يؤذي صورة نحرص على تحسينها. والبساطة في الإجراءات امر يلزم ويتناغم مع المدرسة التي ينتمي اليها البطريرك الصربي الحالي الذي يتحدر من مدرسة سلفه القديس. فلا يخدش شعور فقير او مشرد. ولا ينفّر مشكك، او يعثّر مؤمن، او لا يتم تظهير ما لا يخدم حضورنا في البلد وإنطاكية.

تزامنت زيارة البطريرك ايريناوس أرثوذكسيا، مع نشر تصريح او تسريب مقولة متفجرة للسيّد قيس-أسقف ارض روم. وقد شكل ما قاله مادة تصدّرت اخبار موقع "المسيحيون الارثوذكسيون". فسيادة الاسقف البطريركي اثار مسألة إمكانية عزل الكلي القداسة-البطريرك المسكوني من كرسيه، من قبل أعضاء المجمع الكبير بدعوة من الكنائس المحلية. مما استوجب ردا من المركز الانطاكي للإعلام، بحيث اعتبر الاسقف يمثل نفسه ولا يمثل كنيسته في ما نقل عنه. تصريح اثار زوبعة سبقت بساعات وصول بطريرك صربيا المعروف بمواقفه الجريئة، وتصديه لمحاولات الإمساك بالكنيسة الارثوذكسية، وإلغاء خصوصيتها المجمعية. وملف مقدونيا الشائك ارثوذكسيا الذي يشكل شوكة موجعة في خاصرة صربيا مازال مفتوحا. باختصار، ما نقل عن صاحب السيادة ونشر قبيل الزيارة، ما كان ضروريا بل كارثيا. وبالطبع هو لا يخدم او يساعد على تحقيق سلم الكنيسة.

ما كان ملفتا في الزيارة في شقها الدمشقي هو دعوة السيد البطريرك النخب الشامية الى إفطار رمضانيّ على شرف البطريرك الضيف. مما شكّل سابقة بروتوكولية في الكنيسة الارثوذكسية. فكأنّ سيّد انطاكية بذلك، أراد انّ يسلط الضوء أرثوذكسيا على خصوصية كنيسته وفرادتها ورسالتها في محيطها. كما أراد ان يوصل وبشكل مواز رسالة سلامية الى اخوته المسلمين في سوريا وسائر المشرق، محاولا مداواة جراح الصراعات والحروب والدماء في البلقان.

اما على الصعيد اللبناني، فقد شكّل الشق البيروتي المحطة الأهم. وذلك لانّ الصورة الانطاكية استعادت بريقها اللبناني، وكرّست عودة الدفء الى العلاقات ما بين البطريرك والمتروبوليت.

حضر في استقبال بيروت كل ساسة الصف الأول الأرثوذكس، وغالبية ممثلي جماعتنا في الدولة والادارة، ولم يغب الشعب طبعا. فاكتملت الصورة. وبيروت بحسب حبرها "انطاكيةً"، كما انّ صاحب الغبطة "ابونا". فكان ان شكّلت محطة بيروت رسالة حول أدوار هذه الأبرشية ضمن الوحدة الانطاكية.



نهاية أصلي ان تفتح الزيارة الطريق امام مبادرات وتعاون ما بين الكنيسة في صربيا وأنطاكية وكل مكان، لمداواة الجراح الأرثوذكسية ابتداء من مقدونيا وإنطاكية، وصولا الى أوكرانيا وكل اصقاع المسكونة.