عماد الدين أديب – صورة عن قرب: كيف نفهم المرشد الأعلى الإيراني؟
شارك هذا الخبر
Thursday, May 23, 2019
في الصراع الحالي، أخطأ كل من الأميركي والإيراني خطأً فادحاً.
أخطأ الأميركي أنه تجاوز «سياسة الضغط» على إيران إلى «حالة الخنق».
وأخطأ الإيراني أنه حوّل سياسة رد الفعل من سياسة ضربة بضربة إلى توسيع نطاق تسخين المنطقة كلها من دون حساب.
أخطأ الأميركي بعدم معرفة حدود القوة، وأخطأ الإيراني بعدم معرفة حدود رد الفعل.
وأكبر أخطاء الإيراني أنه لعب لعبة التصعيد من منظور خدمة تياره الداخلي بصرف النظر عن العواقب الإقليمية أو الدولية الممكنة.
أكبر أخطاء الأميركي أنه قام بـ»الفعل الكبير» وترك للإيراني أن يحدد قرار الحرب أو التفاوض، التصعيد أو التهدئة، وأن يختار متى وكيف وأين تكون المواجهة أو التسوية.
كذلك ضعف الثقافة السياسية لدى دونالد ترامب كشخص، وانفراده الكامل بقرارات الحرب والسلام في دولة تعيش -تقليدياً- على تعاون كل المؤسسات في تشكيل وصناعة ومتابعة القرار السياسي.
خطأ ترامب أنه لا يعرف كيف تعمل إيران من الداخل، ولا يعرف حجم تأثير الحوزة الدينية في صناعة القرار، ولا يعرف أهمية دور المرشد الأعلى، وسلطاته، ولا يعرف مدى تنامي نفوذ الحرس الثوري، ليس كمؤسسة ميليشياوية فحسب، ولكن دورها في أمن الداخل والخارج.
الحرس الثوري الإيراني الذي يوجد في التركيبة السياسية للبلاد بنص دستوري منذ أبريل 1979، والذي يتبع المرشد الأعلى مباشرة هو عدة مؤسسات في واحدة:
– هو مؤسسة سياسية لها تأثير في صناعة قرارات الأمن الداخلي والخارجي.
– مؤسسة اقتصادية تدير أكثر من ثلثَي مشروعات الدولة في البناء والمقاولات والتجارة والصناعات الاستراتيجية وأخيراً أصبح لها دور في أخطر الصناعات وهي صناعة «البتروكيماويات» بدلاً من الشركة الحكومية وهي شركة «خترو إيران» التي كانت تدير هذا القطاع بكفاءة، لذلك كله حدث نمو مذهل لشركة الحرس الثوري المسماة بـ»شركة خاتم الأنبياء».
البيزنس، وموازنة الدولة، وما يحصل عليه الحرس مباشرة من موازنة المرشد الأعلى هي أهم مصادر التمويل لهذا الكيان المؤثر جداً في صناعة القرار الإيراني في الداخل والخارج، ويكفي أن الحرس حقق عام 2017 صافي أرباح من عمليات نفطية وبيع غاز.
الآن يشعر الحرس الثوري بسعادة غامرة بسبب تعقيد الموقف في الاتفاق النووي مع الأميركيين لأنه كان يعارض هذا الاتفاق من اليوم الأول لبدء المفاوضات.
إيران هي صراع بين تيارين، تيار يرى المواجهة والامتداد الخارجي وتعبئة الناس بشكل دائم والسعي الدائم لتصدير الثورة مسألة المسائل في حاضر ومستقبل إيران، أما التيار الثاني فيرى أن اندماج إيران مع محيطها والتعاون مع كل قوى العالم بهدف التحديث والإصلاح هو حاضر ومستقبل البلاد والعباد.
كلاهما يشترك في 3 أمور:
1- استمرار الثورة.
2- استمرار المرجعية الدينية.
3- الحفاظ على المؤسسات بشكلها الحالي.
لا يخطئ أحد من خارج إيران، ويراهن -بحسن نية- على أن هناك تياراً يصارع من أجل تغيير قواعد النظام، بمعنى يسعى إلى أن تصبح إيران دولة عصرية إصلاحية على النسق الغربي، ملتزمة داخل حدودها تؤمن بحسن الجوار وليس لها أي أطماع في المنطقة أو تسعى إلى تصدير الثورة.
الصراع في إيران هو صراع بين تيارين كلاهما يؤمن بتصدير الثورة، ولا يؤمن أي منهما بتحويل إيران من ثورة إلى دولة.
من هنا يؤمن جون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي ومهندس عملية «الضغط المستمر» على إيران، بأن «الخنق الاقتصادي» لإيران من الداخل سيؤدي إلى انهيار هذه التركيبة.
خطأ بولتون هو أنه استخدم معايير غربية منطقية وتقليدية تقوم على مبدأ أن «الضغط يؤدي إلى الإضعاف والضغط المستمر يؤدي إلى الانهيار».
يصح هذا الكلام مع أي نظام، إلا الأنظمة العقائدية الأيديولوجية المتشددة مثل النظام الإيراني الذي يستخدم الصراع الخارجي كوسيلة تعبئة وشحن وكذريعة ومبرر لتأجيل إيجاد أي حلول حقيقية للمشاكل الداخلية مثل البطالة والتضخم والفساد وكبت الحريات والضغط الاجتماعي.
الضغط والحصار والخنق على إيران لا يُضعف التيار المتشدد بل يقويه، حتى إن هذا التيار أصبح يبحث عنه بل يستجديه لإنقاذه من الاضطرار إلى دفع فاتورة إصلاحات داخلية لا يقدر عليها.
داخل تيار الحرس الثوري تياران، تيار محافظ تقليدي يقوده جنرال الداخل محمد علي جعفري الذي يمثل التيار الراديكالي في تيار المحافظين في الحرس والنظام، وهذا لا يري أن هناك أي جدوى أو فائدة من التفاوض.
التيار الثاني داخل الحرس الثوري الذي يقوده الجنرال قاسم سليماني، وهو مهندس عمليات وأنشطة الحرس الثوري في المنطقة من اليمن إلى العراق ومن سوريا إلى لبنان ومن أفريقيا السوداء إلى غزة وليبيا وصولاً إلى ڤنزويلا.
يصعب على البعض أن يصدق أن الجنرال سليماني كان مؤيداً بقوة لفريق لاريجاني- جواد ظريف وخبراء الخارجية في الاتفاق النووي من منظور أن الاتفاق يحقق مظلة سياسية للانتشار الإيراني في المنطقة.
والمتابع لمنحنى نشاط الحرس الثوري في الفترة الأخيرة سيجد ارتفاع منسوب التحرك والانتشار والتمركز في المنطقة في فترة حماية الاتفاق النووي للدور الإيراني في المنطقة.
كان سليماني يؤيد الاتفاق النووي شريطة ألا ينص هذا الاتفاق، بأي شكل من الأشكال مباشرة أو تلميحاً، على التزام إيران بحسن الجوار مع حدودها، أو يلزمها بعدم دعم حلفائها أو أنصارها في المنطقة، على أساس أن هذا القيد في حال حدوثه يقيد ويمنع الحرس من أهم أدواره وهو تصدير الثورة الإسلامية.
الأزمة الآن أن دونالد ترامب ومستشاره بولتون وهيئة الأركان الأميركية ووكالة الاستخبارات المركزية يجلسون جميعهم في واشنطن بانتظار القرار الإيراني باستخدام رقم الهاتف الشخصي للرئيس ترامب الذي أعطاه للرئيس السويسري الذي يتوسط بين طهران وواشنطن بوصف سويسرا هي «راعية المصالح» بين البلدين بسبب انقطاع العلاقات الديبلوماسية بينهما.
قد ينتظر ترامب طويلاً كي يرن هاتفه الساخن في البيت الأبيض.
هل هذا يعني أنهم في إيران بكافة قياداتهم لا يريدون التفاوض مع الولايات المتحدة؟
«ناجر الجزار» السياسي الإيراني المعروف باعتماده سياسة الصبر الاستراتيجي يقدر على تحمل سياسات الخنق الاقتصادي الكاملة من 6 أشهر إلى عام.
تقصر المدة إذا تم النجاح في تصفير المبيعات، وتطول إذا تمكنت إيران من البيع المباشر خارج الأسواق الرسمية ما بين 300 و500 ألف برميل يومياً، وهو ما يكفي لتعويم الاقتصاد إلى مستوى الحد الأدني.
الصبر الإيراني أيضاً له سبب أساسي، وهو الشك في مستقبل ترامب السياسي خلال الانتخابات الرئاسية المقبلة تحت منطق يقول: لماذا نسعى للتفاوض مع رئيس تحاصره الفضائح والتحقيقات لا يمكن أن يضمن لنا أي تعهدات سياسية إذا كان لن يستمر.
من هنا تؤمن مصادر عليا في طهران بأنه من الأفضل انتظار اتضاح مؤشرات الانتخابات الرئاسية في المدة الثانية لترامب، وبعدها يمكن اتخاذ قرار التفاوض من عدمه.
فشل ترامب في إحراز نتائج نهائية في اتفاق التجارة في الصين وكوريا الشمالية يجعله يحلم بأن يكون النجاح مع إيران بالمواجهة أو التطويع بالضغط أو التفاوض المباشر هو حل الإنقاذ.
كلاهما إيران والولايات المتحدة، ترامب والمرشد الأعلى، مأزوم داخلياً ويرى أن النجاح في إدارة الأزمة هو طوق نجاة داخلي له قبل أن يكون أمراً له علاقة بالشؤون الخارجية.