لا شك في ان وضع موازنة بنسبة عجز أقل من ثمانية في المئة بعدما كان العام الماضي حوالى 12 في المئة، هو انجاز يسجل للحكومة. ويبقى الاهم هو التنفيذ اولا، والانطلاق تاليا الى زيادة الايرادات عبر قوانين ومراسيم أخرى، لاتتعلق بالموازنة حصرا.
في التنفيذ ينبغي ان لا تتكرر تجربة العام الماضي، فقد تم تقدير الايرادات يومها بـ12.1 مليار دولار، والنفقات 15.6 مليار دولار، اي بعجز 3.5 مليارات دولار، ولكن في الواقع بلغ العجز الفعلي 6.3 مليارات دولار. اي ضعف ما توقعته الموازنة، والاسباب لا تخفى على احد، فمن جهة، وقع خطأ فادح في تقدير كلفة سلسلة الرتب والرواتب، باعتراف وزارة المال، ومن جهة ثانية استمر الهدر والتسيب في تحقيق الايرادات في مختلف الادارات، وفي المقابل ارتفعت التحويلات الى كهرباء لبنان بسبب ارتفاع اسعار النفط، ولم يقابلها تفعيل مؤسسة الكهرباء للجباية وزيادة الواردات، كما زاد الانفاق بشكل مخالف للقانون، خصوصا في ملف التوظيف، حيث حشرت الطبقة السياسية آلاف الازلام والمحاسيب في القطاع العام المتضخم اصلا.
يمكن للحكومة تثبيت نسبة العجز هذه وعدم مفاقمته بتجنب كل الاسباب المؤدية الى ذلك . وهي بذلك تكون قد اوقفت التدهور المالي ، وجنبت البلد الافلاس على الطريقة اليونانية.
هكذا موازنة ستشجع من دون ادنى شك المانحين والمقرضين لمنح ثقتهم مجددا بلبنان، شرط الالتزام الدقيق بموجبات الموازنة. ومن شأن هذه الثقة ان تطلق سراح القروض والمساعدات الموعودة في مؤتمر «سيدر» لتمويل مشاريع اعادة تأهيل البنى التحتية، وخلق عشرات الاف من فرص العمل للبنانيين، وتنشيط الدورة الاقتصادية.
ولكن هذا غير كاف، فالحفاظ على العجز عند نسبة معينة هو انجاز ولكنه انجاز دفاعي سلبي، بمعنى انه يمنع الانهيار. في حين ان المطلوب هو البناء. وهنا تبرز الاهمية الاستثنائية للاجراءات الحكومية الواجب اتخاذها لضبط اداء المؤسسات العامة والمصالح المستقلة كافة، وتحسين انتاجيتها، وزيادة ايراداتها بشكل جذري، ويكفي ان نذكر الكهرباء والجمارك. ولا ضرر من التكرار بان المطلوب سياسة ضريبة حازمة تمنع التهرب، وتحقق ايرادات عالية، لم ترد في الموازنة الحالية، عدا عن اعادة النظر بتسويات الاملاك البحرية والنهرية وغيرها من المرافق.
العجز في الموازنة ليس قدرا محتوما ، بل هو وضع شاذ يمكن التخلص منه بتحصيل مليارات الدولارات الهاربة من الخزينة سنويا، اذا توافرت الارادة السياسية.