بلعة: شكوك حول انسجام التوقعات مع أرقام الموازنة

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, May 22, 2019

إذا كانت التحركات والإضرابات التي قام بها بعض الموظفين، الذين قيل إنهم يجهلون لماذا يضربون وهم غير مشمولين أصلاً بأي مادة من مواد الموازنة، تُثير تعجّب البعض، (ومنهم رئيس الحكومة سعد الحريري الذي أشار الى ذلك منذ يومين وفي وقت سابق)، إلا أنها تؤشر في الواقع الى ما يُقلق، وهو أن لا ثقة للمواطن اللبناني بدولته، التي لا تشرح له ولا تُفهمه أي شيء، حتى في مرحلة عملها على إجراء إصلاح إقتصادي ومالي، تطالبه بالتضحية وبالمشاركة فيها.
وعلى هوامش انتصار هذا الفريق أو ذاك، على خلفية التوقيت الذي ستنتهي فيه الموازنة من المكوث على طاولة مجلس الوزراء، يبرز ما قاله رئيس الجمهورية ميشال عون أمس، عن أن "ما نقوم به حالياً على الصعيد الإقتصادي سيُعيد لبنان الى الموقع الأفضل في الشرق الأوسط... هناك تظاهرات وشكاوى من قِبَل المواطنين، ولكن لو لم نسلك هذا المسار لوصلنا الى الهاوية... ورثنا ديوناً زادت عن 80 بليون دولار، فضلاً عن غياب سياسة إقتصادية واستدانة لتأمين الحاجات اليومية... ما قمنا به كان ضرورياً، ولن يدرك المواطنون أهميّته إلا بعد أن يلمسوا نتائجه الإيجابية قريباً". وفي سياق متّصل، أكد عون:"انطلقنا الى التحضير لنهج اقتصادي ينهض بالبلد ويضعه على الطريق القويم". وأعاد رئيس الجمهورية الكلام على ضرورة قيام كل اللبنانيين بالتضحية بهدف استعادة الوضع الجيّد.
ولكن المسار الذي سلكته الموازنة على طاولة مجلس الوزراء لا يؤشر الى إمكانية وصولنا الى نهج إقتصادي موحّد للبنان، يضعه على السكة الصحيحة، ويُدخله الإقتصاد الدولي، بسهولة. فالحكومات تؤثر عادة في الإقتصاد عبر خطوات تقوم بها وإجراءات تتّخذها تفرض من خلالها سيطرتها الإقتصادية على البلد. ولكن هل هذا الواقع يُمكن أن يحصل في لبنان بوجود حكومات متعاقبة (سابقاً ومستقبلاً) تتألّف من مجموعات حزبية ذات رؤى وخلفيات وأفكار إقتصادية مختلفة جذرياً، الواحدة عن الأخرى؟
الرواية الإقتصادية اللبنانية لا تقتصر على اختلاف في وجهات النظر حول المساس بتعويضات المتقاعدين، أو برواتب الموظفين، ولا بمن يسعون الى عدم المساس بفئات معيّنة بحجّة تفعيل المبادرات الإقتصادية الفردية... بل إن المشكلة تكمن عملياً في أن أكثر من نهج إقتصادي، وبأن مدارس إقتصادية كثيرة، هي موجودة عملياً على طاولات مجالس الوزراء السابقة والقادمة، وهي تختلف باختلاف الأحزاب والتيارات التي تنتمي إليها والتي هي موجودة أيضاً في الحكومات المتعاقبة. وهذا الواقع يصعّب التوصّل الى النهج الإقتصادي المطلوب للنهوض بالبلد، لأنه يعجز حتى في تحديد نظرة واحدة وموحدة للطبقات الفقيرة والمتوسطة والميسورة، وسواها.
تبايُن
أشارت الخبيرة الإقتصادية فيوليت بلعة أن "مناقشة مشروع موازنة عام 2019 أكد وجود تباين سياسي داخل مجلس الوزراء حول رؤية اقتصادية موحدة للبنان. والدليل أننا لم نصل بعد الى موازنة إصلاحية فعلياً، تحوي رؤية إقتصادية شاملة تحدد هوية وملامح الإقتصاد، تخفض العجز وتفعّل النمو".
ولفتت في حديث الى وكالة "أخبار اليوم" اللى أن "الشك موجود في إمكانية أن تتناسب التوقعات مع أرقام الموازنة انطلاقاً من تجارب السنوات السابقة. فإذا كان الخلاف الآن على أرقامها، فكيف الحال عند التنفيذ؟ وهذه هي المشكلة في ما يتعلق بخفض العجز. بينما غابت سياسة الدولة الموحدة حول تفعيل النمو، وتحريك العجلة الاقتصادية والنشاط الاقتصادي. هذه الأمور ترجمت في الشارع لأن لا رؤية اقتصادية موحدة، ولأن أزمة ثقة موجودة بالفعل بين المجتمع والسلطة الحاكمة". وأضافت:"لاحظنا وجود تباين في الآراء حتى داخل البيت السياسي الواحد، وهذا يظهر التشتت السياسي بين مشاريع اقتصادية مختلفة، وهذه مشكلة".
مدرسة؟
وأكدت بلعة أنه "لا يمكن أن نعمل في لبنان وفق مدرسة اقتصادية واحدة لأن لا موقف سياسياً موحداً، ولذلك لا نعرف اذا كان اقتصادنا سيظل ليبرالياً حراً ، أو اننا سنتبع مدرسة اقتصاد السوق".وختمت:"يجب أن نحدد أي اقتصاد نريد؟ اقتصاد السلم أو اقتصاد الحرب، اقتصاد الدول المحايدة، كيف نستفيد من الفرص المتاحة في المنطقة؟ كيف نحيّد اقتصادنا عن التوتر الاقليمي المتصاعد؟ المشكلة تكمن في أننا لا نحددّ موقعنا كدولة أولاً، وكاقتصاد ثانياً، وهذا سيخلق مشكلة حقيقية".