د. إيلي جرجي الياس- أدولف هتلر : الرسّام الغريب والفنّان العجيب !!

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, May 22, 2019

للفوهرر أدولف هتلر، أن يختار من يكون ؟ الرسّام، العاشق الريشة، الغريب ! المبدع كما يتمنى، والكئيب ! المفكّر يطرح سؤاله، ووحده من يجيب ! صديق الأحلام، وللموسيقى حبيب ! الفنّان، الغارق في وحدته، العجيب ! أو يكون الثائر، المنقذ، النازيّ ! القائد الصارم، العنيف، القويّ ! الحاكم، العنيد، رجل الحرب، العنصريّ ! هو، وكل ما في حياته من الأماني ! من الاصدقاء، والتحديات، والمعاني ! ساهموا في اختيار الخيار الثاني !!
تقدّم الشاب أدولف هتلر، الى امتحان دخول الى أكاديمية الفنون في فيينا، والبقية يرويها بنفسه : " كنت واثقاً بالنجاح لدرجة أن نبأ فشلي فاجأني بالكامل كالصاعقة في سماء صافية. ومع ذلك كان الأمر حقيقياً. عندما ذهبت لأقابل المدير وأسأله عن أسباب هذا الرفض، أكّد لي أن الرسوم التي كنت قد تقدمت بها تظهر بوضوح أنه لم يكن لدي المؤهلات الضرورية لكي أصبح رسّاماً وأن مواهبي يجب أن توجهني بالأحرى نحو الهندسة. " (1)، وأهمل هتلر النصيحة والهندسة، فهو لم يرد إلا أن يكون فنّاناً رسّاماً، ولكن في 1910، برزت له فرصة جديدة بالتعاون مع راينهولد هانيش. " انطلق المشروع بشكل جيد نوعاّ ما : كان هتلر يتمتع بنظرة صائبة جداً وإحساس واضح بالأبعاد، ولوحاته المائية تبهج النظر، أما هانيش فكان بائعاً جيداً والزبائن ليسوا قلة، وبدت حركة البيع مربحة وكافية بحيث تضمن بقاء الشريكين على قدر الحياة. لكن شراكتهما انتهت منذ شهر آب 1910، أخذ هانيش على هتلر كونه كسولاً ومصاباً بالجنون الدوري بينما اتهم هتلر هانيش بأنه حرمه من بعض أرباحه، حتى أنّه قدّم شكوى ضده ..." (2)، كل الظروف والوقائع تدفع هتلر الى طريق آخر، ورغم محبة هتلر القوية للفنّ والرسم، لم يبذل جهداً كبيراً في سبيل نجاحه كما يجب، وكأنّ قدره في مضمار آخر !!
لكنّ هتلر ليس من الرجال الحيارى ! ولا يهتمّ بأمر المعجبين أو الغيارى ! فرغم أنّ إحساسه تجاه الرسم لا يجارى ! لكنّ سعيه الى القوة والحرب لا يبارى !! ولذلك رضي أن يظهر بمنظر الشخص الفاشل في بداياته ! فقد " عاش من سن الثامنة عشر حتى الخامسة والعشرين في فيينا ثم في ميونيخ بلا عمل أو هدف للعمل، حياة متقاعد مبكر وبوهيمية. وكان يحصل على لقمة عيشه من تقاعد اليتامى ورصيد ما يبيعه من رسومات من وقت لآخر. وعند اندلاع الحرب العالمية الأولى 1914 تطوّع في جيش بافاريا. " (3)، رجل الحرب، اختار الحرب !! ورجل الفنّ والرسم والحبّ، ضلّ عن الدرب !!
لقد ظلّ الرسم ببال الفوهرر حاضراً، رغم المسؤوليات الجسام ! وهذا إذا دلّ على شيء فعلى تعلّق جوهريّ بهذا الفنّ، " وكان يجد لذة خاصة في استعادة ذكريات الأيام التي قضاها في تعلم فن الرسم الهندسي، والرسم الكاريكاتوري. وقبل أن تبدأ متاعب الرايخ الثالث - أي قبل شتاء 1942 - 1943 - ملأ الفوهرر جدران منزله في برشتسغادن بلوحات صغيرة من صنعه، وبرسوم كاريكاتورية لمعاونيه وأصدقائه، منها رسم لإيفا براون. " (4)، غريب أمر هذا الهتلر ! وقد التقت في حياته موهبتا الحرب المدمّرة والرسم النبيل !!
يؤكد روخوس ميش، الحارس الشخصي لهتلر، في أكثر من مناسبة، تقدير الفوهرر للفنّ، " كان هتلر يهتمّ بالمشاهير الذين كان يقدّرهم. لاحظت أنه كان يرسل، كل سنة، الى عدد كبير من الممثلين والفنانين طرداً بمناسبة عيد الميلاد. في كل مرة، حوالي 24 كانون الأول، كان علينا تسليمهم هذه الهدايا في بيوتهم. " (5)، إنّ تقدير أدولف هتلر للفنّ لم يمنع من أن يتورط النازيون في أكبر عملية سرقة معقّدة للتراث الفنيّ في أوروبا، خلال الحرب العالمية الثانية !! وثمة لوحات وتحف فنية كثيرة، ما زال البحث جارياً عنها حتى يومنا الحاضر !!
إنه الصراع في نفس هتلر بين الفنّ والحرب : فهتلر " مجموعة من قوات مختلفة متباينة، وما شخص هتلر إلا رمز لتلك القوات العجيبة، لا يسيطر عليها، بل هي التي توجهه حيث تريد، تلك تدفعه الى الامام، وهذه تجره الى الخلف، وهو بينهما عاجز عن الاختيار." (6)
أما وقد اختار وأساء الاختيار، فالحرب جرّت هتلر وألمانيا وأوروبا والعالم، الى دمار رهيب !! بينما بقيت محاولاته الفنية في عالم الرسم، ذكريات جميلة، عن ديكتاتور غريب !!
حقوق النشر محفوظة بالكامل لكاتب المقالة والباحث، د. إيلي جرجي الياس.
--------------------------------------------------
(1) فرنسوا كرسودي، هتلر، الطبعة الاولى، 2012، ص 11.
(2) فرنسوا كرسودي، هتلر، ص 12، 13.
(3) سباستيان هافنر، حياة أدولف هتلر، منشورات الجمل، الطبعة الثانية، 2009، ص 5.
(4) ألبرت زولر، هتلر، الوجه الآخر، جمعية كمال بيروني الثقافية، ص 24، 25.
(5) روخوس ميش، الحارس الشخصي لهتلر يتكلم، شهادة دونها نيقولا بورسيه، الطبعة الاولى، 2015، ص 111.
(6) هرمان راوشننج، هتلر قال لي، جمعية كمال بيروني الثقافية، ص 200.