ناجي سمير البستاني - الاشتراكي لعب على التنافس بين «الديموقراطي» و«التوحيد»

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, May 21, 2019

عندما تمّت دعوة الشيخ ناصر الدين الغريب المُعيّن شيخ عقل لطائفة المُوحّدين الدُروز من قبل بعض الجهات السياسيّة والدينيّة الدرزيّة، إلى «القمة العربيّة التنمويّة: الإقتصاديّة والإجتماعيّة» في كانون الثاني الماضي، ثارت ثائرة «الحزب التقدّمي الإشتراكي» الذي ذكّر بأنّ الشيخ نعيم حسن هو شيخ عقل طائفة المُوحّدين الدُروز المُنتخب وفق قانون تنظيم شؤون طائفة المُوحّدين الدُروز في 9 حزيران من العام 2006. وقد تكرّر هذا «السيناريو» أكثر من مرّة في السابق، من بينها خلال الإحتفال بذكرى إستقلال لبنان في 22 تشرين الثاني 2018. وتجنّبًا لتكرار الإعتراضات نفسها داخل الساحة الدُرزيّة، لم تُوجّه الدعوة إلى الشيخ الغريب لحُضور حفل الإفطار الذي أقامه رئيس الجمهورية العماد ميشال عون في القصر الجمهوري الأسبوع الماضي، الأمر الذي دفع كلاً من رئيس «الحزب الديموقراطي اللبناني» النائب طلال أرسلان ووزير الدولة لشؤون النازحين صالح الغريب إلى التغيّب عن الإفطار المَذكور، لكن من دون إثارة الموضوع إعلاميًا حرصًا على العلاقة المُمتازة بين «الديموقراطي» ورئيس الجمهوريّة في هذه المرحلة.

وعلى خطّ مُواز، وعلى الرغم من عودة الحرارة إلى العلاقة الثنائيّة بين «الحزب الديموقراطي اللبناني» و«حزب التوحيد العربي» منذ «حادثة الجاهليّة»، وذلك بعد فترة توتّر بسبب الإنتخابات النيابية وما رافقها وتلاها من مواقف وتحالفات، فإنّ جُهود تشكيل تحالف دُرزي مُوحّد من قبل القيادات الدُرزيّة التي تلتقي سياسيًا ضُمن مشروع قوى «8 آذار»، للوُقوف صفُا واحدًا من الندّ للندّ بوجه «الحزب الإشتراكي»، تباطأت بشكل ملحوظ في المرحلة الأخيرة، على الرغم من إستمرار الودّ في العلاقة الشخصيّة بين كل من النائب طلال أرسلان والوزير السابق وئام وهّاب.

وبالتالي، السؤال الذي يفرض نفسه، هو: كيف تمكّن الوزير السابق وليد جنبلاط من تجنّب مُحاولات عزله دُرزيًا، وتحجيمه لبنانيًا، على الصعيد السياسي طبعًا؟

بحسب أوساط سياسيّة مُتابعة إنّ «الحزب الإشتراكي» سارع بعد إنتهاء مرحلة الإنتخابات النيابيّة وتشكيل الحُكومة ـ وبتوجيهات مُباشرة من الزعيم الجُنبلاطي، إلى إعتماد سياسة مُختلفة تمامًا مع «التيّار الوطني الحُرّ»، تقضي بإستيعابه سياسيًا بأقلّ أضرار مُمكنة، بدلاً من الإستمرار في سياسة المُواجهة السياسيّة والإعلاميّة المَفتوحة معه. وأضافت أنّ هذه السياسة المُنخفضة السقف من جانب «الإشتراكي» إزاء «الوطني الحُرّ»، دفعت هذا الأخير بدوره إلى تبريد علاقته مع «الإشتراكي»، بحيث صارت المصلحة العامة في «الجبل» تتقدّم على سواها. وتابعت الأوساط السياسيّة نفسها، أنّ جنبلاط وبعد أن إعتمد لفترة زمنيّة قصيرة المبدأ القائل بأنّ «أفضل دفاع هو الهُجوم» للحفاظ على موقعه داخل الساحة الدُرزيّة، وضُمن الساحة الوطنيّة اللبنانيّة أيضًا، أعاد أخيرًا فتح قنوات التواصل مع أكثر من طرف، وهو سعى للإستفادة من وساطات رئيس المجلس النيابي نبيه برّي، لمُعالجة مشاكله التي كانت تراكمت مع أكثر من طرف سياسي في الآونة الأخيرة، على الرغم من أنّ هذه الوساطات لم تصل بعد إلى خواتم سعيدة بالنسبة إلى كلّ الملفّات، ومنها مثلاً علاقة «الإشتراكي» مع «حزب الله».

وفي ما خصّ الساحة الدرزيّة الداخليّة، كشفت الأوساط السياسيّة المُتابعة أنّ «الحزب الإشتراكي» لعب على التنافس الطبيعي القائم بين كل من «الحزب الديموقراطي اللبناني» و«حزب التوحيد العربي»، لمنع إتمام الحصار الدُرزي السياسي عليه. وأوضحت أنّ مُبادرة جنبلاط القاضية بإسقاط الحقّ الشخصي عن المُتهم بقتل أحد أنصاره، علاء أبو فرج، في منطقة الشويفات في أيار من العام 2018، إستهدف فتح صفحة جديدة مع أرسلان، بعد أن كانت هذه الحادثة قد تسبّبت بقطيعة تامة بين الزعيمين منذ سنة كاملة. وأضافت الأوساط نفسها أنّ المُفارقة اللافتة أنّ جنبلاط تجاوب بدون تردّد مع مُبادرة أطلقها رئيس الجُمهوريّة العماد ميشال عون في هذا السياق، وذلك بهدف إصابة عُصفورين بحجر واحد، الأوّل يتمثّل بمُصالحة أرسلان من جديد، والثاني يتمثّل بتثبيت سياسة تبريد الأجواء مع «التيّار الوطني الحُرّ»، في رهان على أن من شأن هذا الأمر أن يفتح الباب أمام جنبلاط للمُشاركة بشكل أساسي في إتمام التعيينات الإداريّة المُقبلة، وللحفاظ على موقعه الفاعل ضُمن التركيبة السياسيّة اللبنانيّة.

ولفتت الأوساط السياسيّة نفسها إلى أنّ لا مانع من جانب الإشتراكي بالتعامل الثنائي مع «الحزب الديموقراطي»، لأنّ هذه الثنائيّة كانت موجودة في التاريخ الحديث والقديم للدُروز، وبخاصة أنّ «الإشتراكي» لا يُمانع بحفظ مكان للنائب أرسلان في الخريطة السياسيّة الدرزيّة، حتى لو أدّى هذا الأمر إلى تنازلات من قبله على صعيد السلطتين التنفيذيّة والتشريعيّة، لكنّه يرفض تعويم حالة الوزير السابق وهّاب، لأنّ هذا التعويم يُمكن أن يأتي على حساب «الحزب الإشتراكي».

وكشفت الأوساط السياسيّة المُتابعة أنّه فور نجاح الوساطات المُستمرّة بعيدًا عن الأضواء، لإعادة العلاقات الثُنائيّة بين «الحزب الإشتراكي» و»حزب الله» إلى مرحلة «تنظيم الخلاف» من جديد، فإنّ جُهود المُصالحة بين كل من جنبلاط وأرسلان ستتحرّك مُجدّدًا وبوتيرة سريعة هذه المرّة، مُتوقّعة أن تأتي حتمًا على حساب وهّاب الذي كان يأمل بأن يكون المُستفيد الأوّل من الجُهود التي كانت قائمة لتشكيل جبهة دُرزيّة مُعارضة تقف بوجه أحادية «الحزب الإشتراكي»، قبل أن تؤدّي التطوّرات إلى وضع هذه الجُهود على الرفّ في المرحلة الحاليّة.