فيوليت غزال البلعة - إيرادات الموازنة.. كلنا وليد جنبلاط!

  • شارك هذا الخبر
Monday, May 13, 2019


بين اليوم وغدا، تخطو حكومة لبنان أولى خطواتها نحو إنقاذ إقتصاد منكمش على ذاته منذ 8 أعوام، فتقرّ مشروع "الموازنة "المؤلمة" لخفض عجز عام 2019 إلى ما دون الـ9% من الناتج المحلي، وتحيله إلى رئيس الجمهورية ومنه إلى مجلس النواب لإقراره قبل إنقضاء حزيران/يونيو المقبل، إن لم تطل كثيرا بطولات النواب في جلسات الإعلام المتلفز. بكل الوسائل، تصرّ الحكومة على إقرار الموازنة قبل نهاية أيار/مايو، موعد إنتهاء الصرف على القاعدة الإثني عشرية والعبور الآمن نحو "سيدر".

من حيث الشكل، تواجه الحكومة تحديات العلاجات غير الشعبية وسط هياج الشارع وسيل شائعات حدّدت موعد "الإفلاس" وسقوط الليرة في محظور "سقوف" على التحويلات والسحوبات، مما إضطر مصرف لبنان إلى النفي. "فما يُحكى عن تعميم للمصارف حول تحديد حدٍّ أقصى للسحوبات المصرفية والتحويلات غير صحيح إطلاقاً، ويمكن المودعون سحب وتحويل المبالغ التي يريدونها". أما الليرة، فهي "صامدة بالقوة" خلافا للشائعات.

وسط ضجيج الإعتراضات الصاخبة والمعارضة الصامتة للمصارف ضدّ ما يستهدفها، إنبرى صوت مصرفي أكد التفاؤل بالوضع النقدي والمصرفي والمالي، داعيا لـ"إبقاء لبنان كبلد جاذب للودائع وليس لهروبها". وما لم تعلنه السلطة، تجرأ سليم صفير، المصرفي الساعي إلى رئاسة الجمعية في دورتها المقبلة هذا العام، على قوله: "أي طلب من المصارف بالتعاون والمشاركة في خفض عبء الدين، يجب أن يكون موضوعياً وطوعياً وبالتنسيق مع جمعية المصارف ومصرف لبنان، لئلا يأتي التأثير سلباً على تصنيف لبنان الإئتماني".

هي دعوة لاقتها الحكومة عند منتصف الطريق. فقد أقرّ مجلس الوزراء "رفع الضريبة على فوائد المودعين والمصارف من 7% إلى 10% لمدة 3 سنوات، لتحقق إيرادات إضافية مقدّرة بنحو 600 مليون دولار. وسيُضاف إليها، إن رفعت الحكومة طلبا رسميا إلى جمعية المصارف، إيرادات بنحو 400 مليون دولار من جراء إكتتابات في سندات الخزينة بفائدة صفر%.

إعتراض المصارف ليس مطلقا، بل مشروطا بإصلاحات تكفل جدوى المساهمات الجديدة، لئلا تذهب أدراج الرياح كسابقاتها. فالمصارف، وفق صفير، "لم تقصّر مرة في مساندة الدولة. وسدّدت عام 2018 نحو 2 مليار دولار كضرائب، لكن عبء الإزدواجية الضريبية المفروض منذ 2017 ساهم في إنخفاض عائدات المصارف وقاربت نسبة الضريبة 40% يضاف إليها ضريبة 10% على التوزيع، ما يعني أن الإصرار على رفع ضريبة الفوائد على الودائع إلى 10% سيرفع معدل الضريبة الفعلي إلى 50% وأكثر مقارنة بـ17% على القطاعات الأخرى، وتتجاوز هذه الضريبة سقف الـ75% على المصارف الصغيرة والمتوسطة ما يهدّد إستمرارها".

بعد المصارف، تبحث الحكومة عن إقتطاعات جديدة قد تقارب الـ20% من تعويضات موظفي القطاع العام والعسكريين المتقاعدين والقضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية. هؤلاء جميعا أبقوا الإحتجاج في الشارع، سلاحا لجبه ظلم في زمن الضائقة. فهل من سبيل آخر؟

موازنة 2019، إن أقرّت وفق رغبة الحكومة بالتقشف الإقتطاعي المؤدي حتما إلى مزيد من الإنكماش، ستبقى كسالفاتها، موازنة حسابية بعيدة عن معالجة مثلث الضعف: عجز الكهرباء، والتهرب الجمركي والتهرب الضريبي. لكن، لم لا تلتفت الحكومة إلى تعزيز الإيرادات وضمان جباية حقوقها المالية بدل الإكتفاء بخفض الإنفاق؟

النقاشات في مكان، والعلاجات في آخر. هكذا، يقول وزير فاعل في جلسات الموازنة، إستنادا إلى مقارنة سريعة تظهر إنخفاضا في الإيرادات بين موازنة 2018 و2019، وتحديدا من 14.276 مليار ليرة الى 14.264 مليارا للإيرادات الضريبية. فلا زيادة ملحوظة رغم أن الموازنة لحظت إعفاءات على الغرامات لتشجيع تسديد المتأخرات. كذلك، فإن الإيرادات المتوقعة لتسويات الأملاك البحرية هي 100 مليار ليرة فقط، علما أن تقديرات 2018 بلغت نحو 254 مليار ليرة. وأيضا، تراجعت الإيرادات الناتجة عن تسويات مخالفات البناء من 200 مليار ليرة الى 100 مليار بين موازنة 2018 و2019، علما ان الخزينة لم تحصّل في الـ2018 إلا نحو مليار ليرة.

وهناك تراجع بنحو 200 مليار في الرسوم على السلع والخدمات من 6.360 مليار ليرة الى 6.162 مليارا، منها رسم التبغ والتنباك الذي إنخفض بنحو 296 مليارا بحجة أن أي زيادة في الرسوم قد تحفز التهريب. أما الرسوم على الإستيراد، فهبطت بنحو 63 مليار ليرة بدل أن تزيد.

ووفق إقتراحات وزير المال، إنخفضت الإيرادات غير الضريبية بنحو 410 مليار ليرة، من 4.411 مليارا الى 4.001 مليار، (تنجم من حاصلات إدارات ومؤسسات عامة مثل الإتصالات ومرفأ بيروت وأملاك الدولة). ويأتي الإنخفاض الأكبر من قطاع الإتصالات الذي إنخفضت تقديراته بنحو 331 مليار ليرة، من 2.72 مليارا في 2018 الى 1.740 مليارا في موازنة 2019، علما أنه حقق إيرادات فعلية لغاية تشرين الأول/أكتوبر 2018 بقيمة 1.388 مليار ليرة فقط، وهذا إنخفاض كبير يستوجب درسه.

وبهذه الخفوض، يكون إجمالي الإنخفاض في الإيرادات المتوقعة 421 مليار بدل تحقيق زيادات. فهل سينظر مجلس الوزراء فيها ويدرس سبل تحسين الجبايات قبل الوصول إلى الإقتطاع من رواتب الموظفين والإستثمارات المعززة للنمو؟

كلنا وليد جنبلاط حين يحدّد ملامح المعالجة: الضريبة التصاعدية، "فليدفع الأثرياء على قدر ثرواتهم وليدفع ذوو الدخل المحدود على قدر مداخيلهم". توحيد التقديمات التربوية والإجتماعية وإلغاء الفوارق بينها. فتح ملف الأملاك البحرية على قاعدة رفع التخمينات. إلغاء الفائض في السفارات. إعادة النظر في إيجارات المباني الحكومية. خفض رواتب ومخصصات الوزراء والنواب الحاليين والسابقين.

بهذا، يكفل لبنان إرسال ما يستوجب من إشارات واضحة.